عالمي

كيف أنقذت فيتنام الصين في الحرب التجارية؟

نجحت الصين في تجاوز جدار الرسوم الجمركية المفروضة عليها من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعدما استخدمت جيرانها من دول جنوب شرقي آسيا خصوصاً فيتنام وتايلاند كمنصات لتخطي هذا الجدار الصعب، قبل أن يبدي رئيس الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم بعضاً من المرونة والتهدئة من حدة حرب الرسوم الجمركية المتبادلة بينها والصين، إذ اقترح ترمب أمس الجمعة أن تخفض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى بلاده إلى 80 في المئة بدلاً من 145 في المئة حالياً.

إلى ذلك، فعلى رغم أن الصادرات الصينية تباطأت عما كانت عليه قبل الحرب التجارية، فإن حجم وقيمة الصادرات فاق التوقعات التي كانت تترقب زيادة بنحو اثنين في المئة فحسب، إلا أنها تخطت تلك النسبة بمستوى أكبر.

وأظهرت بيانات صينية رسمية أمس أن الصادرات الصينية سجلت ارتفاعاً شهر خلال أبريل (نيسان) الماضي، على رغم الحرب التجارية الدائرة مع الولايات المتحدة، وذلك قبيل محادثات تهدف إلى خفض حدة الأزمة بين أكبر اقتصادين في العالم.

 توجيه مسار تجارتها إلى جنوب شرقي آسيا

ورأى متخصصون أن ارتفاع النمو بنسبة 8.1 في المئة لثاني أكبر اقتصاد في العالم والذي فاق التوقعات، يشير إلى أن بكين تعيد توجيه مسار تجارتها إلى جنوب شرقي آسيا للتخفيف من أثر رسوم جمركية أميركية تصل إلى 145 في المئة على السلع المستوردة من الصين والتي فرضها الرئيس ترمب.

وتراجعت التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم منذ فرض ترمب التعريفات الجمركية، فيما ردت الصين بفرض رسوم بنسبة 125 في المئة إضافة إلى تدابير أخرى.

وكان الارتفاع السنوي في الصادرات البالغ 8.1 في المئة خلال أبريل الماضي أعلى بكثير من توقعات محللين استطلعت “بلومبيرغ آراءهم الشهر الماضي وبلغت اثنين في المئة.

إعادة تموضع هيكلي

وأظهرت بيانات مكتب الجمارك الصيني أن الصادرات إلى تايلاند وإندونيسيا وفيتنام ارتفعت بمعدلات ذات أرقام مزدوجة، في ما وصفه أحد المحللين بـ”إعادة تموضع هيكلي” للتجارة.

وكتب ستيفن إينس من شركة “أس بي آي” لإدارة الأصول في مذكرة أن “سلاسل التوريد العالمية يعاد توجيهها فعلياً خلال الوقت الحقيقي”، وأضاف أن “فيتنام تبدو في طريقها لأن تصبح منفذاً خارجياً للصين لتصدير السلع الموجهة نحو السوق الأميركية”، وتابع موضحاً أن “العملاق الصناعي الصيني يعيد توجيه تدفقات الإنتاج نحو مناطق لا تطاله فيها تداعيات الرسوم الجمركية”.

وانخفضت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة 17.6 في المئة على أساس شهري.

فيتنام كلمة السر

يبدو أن الصين تتعامل مع الرسوم الجمركية بصورة مختلفة بزيادة صادراتها إلى دول أخرى فرضت عليها رسوم جمركية أقل، فمثلاً ارتفعت الصادرات الصينية إلى الدول الأوروبية بنحو ثمانية في المئة، بينما الأكثر لفتاً للانتباه هو زيادة واردات فيتنام من الصين إلى مستوى قياسي بنسبة 31 في المئة بقيمة 15 مليار دولار خلال أبريل الماضي.

ووفقاً لمحللين فإن الدليل على أن الصين استخدمت فيتنام كمنصة ومناورة في الحرب الجمركية هو أن صادرات فيتنام إلى الولايات المتحدة زادت بمستوى قياسي إلى 12 مليار دولار خلال الشهر نفسه.

وشهدت الأسواق العالمية تقلبات منذ أن أطلق ترمب حرب الرسوم الجمركية الهادفة، بحسب البيت الأبيض، إلى إعادة عمليات التصنيع إلى الولايات المتحدة.

وفيما جمد ترمب لمدة 90 يوماً عدداً من الرسوم الأكثر عبئاً، فإن الرسوم المفروضة على الصين ظلت قائمة.

لكن الأسواق شهدت انتعاشاً مدفوعاً بالتفاؤل إزاء اجتماعات مقررة في جنيف نهاية الأسبوع بين مسؤولين أميركيين وصينيين، في أول محادثات بين القوتين الاقتصاديتين منذ بدء حرب ترمب التجارية.

وقالت واشنطن إنها تأمل في أن تسهم هذه المحادثات في “نزع فتيل” التوترات، بينما تعهدت بكين التمسك بمواقفها والدفاع عن مصالحها.

وعزا رئيس شركة “بينبوينت” لإدارة الأصول وكبير الاقتصاديين فيها تشيوي تشانغ ارتفاع الصادرات بصورة فاقت التوقعات إلى “إعادة الشحن عبر دول أخرى”، ولكنه أشار أيضاً إلى “عقود تجارية وقعت قبل الإعلان عن الرسوم الجمركية”، متوقعاً أن “تسجل بيانات التجارة تراجعاً خلال الأشهر القليلة المقبلة”.

وكانت الواردات أيضاً موضع مراقبة باعتبارها مقياساً رئيساً للطلب الاستهلاكي في الصين والذي ظل بطيئاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتجاوزت الواردات بدورها التوقعات، إذ انخفضت بنسبة 0.2 في المئة مقارنة مع انخفاض بنسبة 6.0 في المئة كان المحللون يتوقعونه. وأعلن أصحاب القرار في الصين هذا الأسبوع تخفيف أدوات السياسة النقدية الرئيسة بهدف تحفيز النشاط المحلي. وشملت تلك الإجراءات خفض أسعار الفائدة الرئيسة وتدابير تهدف إلى خفض المبلغ الذي يتعين على البنوك الاحتفاظ به كاحتياط سعياً لتعزيز الإقراض. والأزمة المستمرة في قطاع العقارات الصيني الذي كان في السابق محركاً رئيساً للنمو، لا تزال ترخي بثقلها على الاقتصاد.

وفي مسعى لمساعدة القطاع قال رئيس البنك المركزي الصيني بأن غونغشينغ إن “البنك سيخفض سعر الفائدة على مشتريات المنازل للمرة الأولى بشروط قرض على مدى خمسة أعوام من 2.85 في المئة إلى 2.6 في المئة. وتمثل هذه الإجراءات بعضاً من أهم الخطوات التي اتخذتها الصين لتعزيز الاقتصاد منذ سبتمبر (أيلول) 2024. لكن محللين أشاروا إلى استمرار الافتقار إلى أموال التحفيز الفعلية اللازمة لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح، وهي مهمة تعقدت بسبب الرياح التجارية المعاكسة مع واشنطن.

وقال المتخصص في الشأن الاقتصادي البارز لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في “ناتيكسيس” غاري نغ إلى “وكالة الصحافة الفرنسية”، “حتى لو خُفضت الرسوم الجمركية اعتماداً على نتائج محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، فإن حال الإرباك المتواصلة ستستمر في تسريع عملية الانفصال الهيكلي”.

ترمب يسعى إلى التهدئة

وأمس، لمح الرئيس الأميركي إلى إمكان خفض الرسوم الجمركية على الصين من 145 في المئة إلى 80 في المئة، وذلك قبيل مفاوضات بين البلدين ستعقد في سويسرا للبحث في علاقتهما التجارية. وقال عبر منصته “تروث سوشال”، إن “80 في المئة على الصين يبدو قراراً صائباً!”، مضيفاً أن “الأمر يعود إلى سكوت بي” في إشارة إلى رئيس الوفد المفاوض نيابة عن واشنطن، وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسينت الذي سيلتقي نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفينغ هذا الأسبوع في جنيف، سعياً لتهدئة التوتر في الأسواق العالمية.

ولم يذكر ترمب في منشوره ما إذا كان يعتقد أن نسبة 80 في المئة يجب أن تكون المستوى النهائي للرسوم على السلع الصينية، في حال توقفت الحرب التجارية، أو أنها مجرد وضع موقت.

في غضون ذلك، رحبت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو إيويالا، بالمحادثات المرتقبة نهاية الأسبوع بين مسؤولين أميركيين وصينيين، معتبرة أنها “خطوة إيجابية وبناءة نحو نزع فتيل التوتر” في الحرب التجارية بين البلدين، بحسب ما قال متحدث باسم المنظمة أمس. وقال المتحدث باسم منظمة التجارة العالمية إن “الحوار المستدام بين أكبر اقتصادين في العالم أمر بالغ الأهمية لتهدئة التوترات التجارية”.

والمحادثات هي الأعلى مستوى بين بكين وواشنطن منذ إطلاق ترمب حرباً تجارية عقب عودته إلى البيت الأبيض.

ويتبادل الجانبان فرض رسوم جمركية متزايدة على منتجاتهما، مما يتسبب في اضطرابات في اقتصاديهما بل في بقية العالم.

وتجري المحادثات داخل جنيف، وتعقد بناءً على طلب واشنطن وفقاً لبكين، وسط سرية تامة. ولم يكشف عن توقيتها أو مكان انعقادها ولا عن تفاصيل جدول أعمالها.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى