بقرارات اقتصادية جديدة… عام المصريين المالي يبدأ من جيوبهم

في ذروة انشغال الرأي العام في مصر بحادثة سير أودت بحياة 19 فتاة على الطريق الإقليمي ضجت بها فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي، وقبيل ساعات فقط من بدء عام مالي جديد في مصر، يوافق الأول من يوليو كل عام، جاءت موافقة مجلس النواب على مشروع قانون حكومي يستهدف زيادة الحصيلة الضريبية للبلاد، من دون أن تنال ما يكفي من الجدال الذي يصاحب عادة هذا النوع من القوانين.
وبينما يصبو تعديل بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة الصادر بالقانون رقم 67 لعام 2016، إلى توسيع قاعدة الممولين، من دون المساس بسعر الضريبة أو الإعفاءات الممنوحة للسلع الأساسية والغذائية والخدمات الصحية والتعليمية، فإن التعديلات التي ستدخل حيز التنفيذ فور اعتمادها ونشرها في الجريدة الرسمية تخضع فئات مجتمعية جديدة لأحكام الضريبة.
فئات خاضغة للتعديلات الجديدة
بموجب التعديلات، ستخضع خدمات البناء والمقاولات للسعر العام للضريبة ذو الـ14 في المئة، إلى جانب البترول الخام بسعر ضريبة 10 في المئة، والسجائر بنوعيها المحلي والأجنبي، وإضافة إلى المشروبات الكحولية، على أن ترتفع الضريبة على الأخيرة بنسبة 15 في المئة سنوياً للسنوات الثلاث المقبلة، وبعد ذلك ستخفض نسبة الزيادة السنوية إلى 12 في المئة، وإخضاع الوحدات الإدارية بالأماكن ذات السمة التجارية مثل المولات والمراكز التجارية للضريبة بواقع واحد في المئة من القيمة البيعية أو الإيجارية.
وتضمن مشروع القانون الجديد ست مواد، بما يسمح بزيادة الفئة الضريبية القطعية وزيادة الحد الأقصى لأسعار أصناف السجائر المنتجة من المصانع المحلية التي لا يزيد سعر بيعها للمستهلك النهائي على 38.88 جنيه (0.78 دولار)، ليصبح الحد الأقصى لسعر بيعها للمستهلك النهائي 48 جنيهاً (0.96 دولار)، وأصناف السجائر المصنعة محلياً التي يزيد سعر بيعها للمستهلك النهائي على 38.88 جنيه (0.78 دولار)، ولا يجاوز 56.44 جنيه (1.13 دولار)، وليصبح الحد الأدنى للسعر 48 جنيهاً (0.96 دولار) والحد الأقصى لا يجاوز 15 جنيهاً (0.30 دولار)، أو المستوردة التي لا يجاوز سعرها 56.44 جنيه (1.13 دولار)، ليصبح الحد الأقصى لسعر بيعها 69 جنيهاً (1.39 دولار)، وأصناف السجائر المصنعة محلياً أو المستوردة التي يزيد سعر بيعها للمستهلك النهائي على 56.14 جنيه (1.13 دولار).
أسعار السجائر والتبغ المسخن
وبينما تنص المادة الأولى من التعديلات على زيادة المديين الأدنى والأقصى لسعر الأصناف السالفة الذكر، بنسبة 12 في المئة سنوياً، مدة ثلاثة أعوام، بدءاً من الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن وثيقة اطلعت عليها “اندبندنت عربية” تشير إلى تحريك أسعار السجائر الأجنبية ومنتجات التبغ المسخن اعتباراً من الثلاثاء الأول من يوليو.
في معرض دفاعها عن التعديلات الضريبية، تقول مصلحة الضرائب إنه لا مساس بالإعفاءات الضريبية للسلع الأساسية والغذائية والخدمات الصحية والتعليمية، ولا زيادة في السعر العام لضريبة القيمة المضافة، مشيرة إلى أن الهدف هو “معالجة بعض التشوهات لتحقيق العدالة الضريبية، استجابة لمجتمع الأعمال ولتشجيع الانضمام للمنظومات الإلكترونية”.
إخضاع المقاولات للسعر العام
وتلفت مصلحة الضرائب المصرية، إلى استهدافها إخضاع المقاولات للسعر العام للضريبة بدلاً من ضريبة جدول خمسة في المئة، مع خصم الضرائب المستحقة كافة والمسددة على المدخلات سواء السلعية أم الخدمية، مشيرة إلى أن كلفة خدمة المقاولة قد تنخفض نتيجة خصم الضرائب المسددة على المدخلات واستبعادها من الوعاء الضريبي، بخاصة مع منح المقاولين الحق في خصم أو رد الضريبة المسددة على الآلات والمعدات المستخدمة في أداء خدمة المقاولة، أخذاً في الاعتبار أن تقديم المقاولين كل مشترياتهم من الموردين للاستفادة من خصم الضريبة، يساعد في توسيع القاعدة الضريبية.
وستخضع بموجب التعديلات الجديدة، الوحدات الإدارية بالأماكن ذات السمة التجارية مثل المولات والمراكز التجارية للضريبة بواقع واحد في المئة من القيمة البيعية أو الإيجارية، بهدف توحيد المعاملة الضريبية بين المحال التجارية الخاضعة بنسبة واحد في المئة والوحدات الإدارية ذات السمة التجارية.
أسعار المنتجات البترولية
وتعاود مصلحة الضرائب المصرية تأكيد خضوع البترول الخام وليس المنتجات النفطية لضريبة الجدول بفئة 10 في المئة، من دون أن يترتب على ذلك زيادة إضافية في أسعار المنتجات النفطية بالسوق المحلية، بخاصة أن الهيئة المصرية العامة للبترول هي المشتري الوحيد في مصر للنفط الخام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف “استجابة لطلبات الشركات العاملة بمصر، تضمنت هذه التعديلات فتح وتوسيع قيمة الشرائح لمنتجات السجائر وزيادة الضريبة القطعية بنحو 50 قرشاً فقط للمرة الأولى منذ عام 2023، مع احتساب ضريبة جدول قطعية وتصاعدية مرتبطة بنسبة الكحول في المشروبات بدلاً من الضريبة النسبية على القيمة البيعية”.
خلافات مع صندوق النقد الدولي
رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المصري زهدي الشامي، قال لـ”اندبندنت عربية”، إن تعديلات قانون الضريبة على القيمة المضافة يبدو مرتبطاً بتعثر المفاوضات مع صندوق النقد وتأخر المراجعة الرابعة، إذ يرى الصندوق أن الحكومة المصرية متباطئة في تنفيذ برنامج الإصلاحات الذي تعهدت به.
ويشير الشامي إلى أن تلك الزيادات في ضريبة القيمة المضافة على عدة قطاعات منها البناء والمقاولات والنفط الخام والسجائر والكحوليات، تأتي على ما يبدو على ضوء محاولة الحكومة حل خلافاتها مع الصندوق، ومن الواضح أن النتيجة ستكون مزيداً من ارتفاع الأسعار التي يتحملها المواطن، وهذا كالعادة يخالف ما تعلن عنه كل من الحكومة والصندوق من هدف احتواء التضخم وخفضه.
ذريعة لرفع أسعار بعض السلع
على رغم مساعي الطمأنة بغياب آثار تضخمية في تلك التعديلات، فإن ثمة مخاوف من أن إخضاع فئات جديدة من شأنه تمرير الضرائب المفروضة عليها إلى الجمهور العام، بحسب ما يلفت رئيس جمعية خبراء الضرائب أشرف عبدالغني، الذي يطالب بضرورة تشديد الرقابة الحكومية، بما يضمن عدم استغلال هذه التعديلات كذريعة لرفع أسعار بعض السلع والخدمات.
عبدالغني أضاف لـ”اندبندنت عربية” أن إخضاع قطاع المقاولات للسعر العام للضريبة بدلاً من ضريبة جدول بنسبة خمسة في المئة، مع السماح بخصم الضرائب على المدخلات، يحقق وفراً ضريبياً في عقود المقاولات فقط إذا التزم المقاولون والموردون بتقديم الفواتير الحقيقية.
وينظر المتحدث إلى شمول التعديلات الشرائح السعرية للسجائر باعتبارها أداة لزيادة موارد الدولة للإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية، وضمان قدرة الشركات على التسعير السليم لمنتجاتها، بما يسمح بضبط السوق وتشجيع الإنتاج المحلي ومحاربة التهريب.
عدم تمرير أعباء التعديلات الجديدة للمواطن
مع ذلك يظل التطبيق العمل تحدياً حقيقياً، كما يشير رئيس جمعية خبراء الضرائب، إذ يتعين العمل على ضمان عدم تمرير أعباء التعديلات الجديدة للمواطن العادي، مما قد يؤدي إلى رفع أسعار بعض السلع والخدمات بصورة غير مبررة.
وبحسب مشروع موازنة العام المالي 2025-2026، فإن الحكومة تستهدف رفع الحصيلة الإجمالية من ضريبة القيمة المضافة، بما يشمل ضريبة الجدول، إلى 1.1 تريليون جنيه (22 مليار دولار)، مقارنة بـ828 مليار جنيه (16.72 مليار دولار) في موازنة العام الحالي، أي بزيادة تفوق 270 مليار جنيه (5.45 مليار دولار).
أزمة جديدة تصدر إلى الشارع
من جانبه، شن أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري ورئيس حزب العدل النائب عبدالمنعم إمام، هجوماً على التعديلات الضريبية الجديدة باعتبارها أزمة جديدة تصدر إلى الشارع المصري الذي يعاني سلسلة من الأزمات الاقتصادية، وقال إن حكومة بلاده “تفجر الأزمات”، وتضيف إلى المشكلات القائمة مشكلات جديدة.
وانتقد البرلماني المصري غياب الحوار المجتمعي حول التعديلات الضريبية، وقال إنها لم تعرض على المجلس الأعلى للضرائب، ومن المرجح أن تؤجج أزمة في مجتمع الأعمال، وهو ما كان يتعين معه مناقشتها بصورة وافية من دون استعجال، تمهيداً لقبولها في الشارع المصري.
ويطالب صندوق النقد الدولي بموجب اتفاقه مع الحكومة المصرية برفع كامل للدعم عن المحروقات والطاقة والكهرباء بحلول نهاية العام الحالي، وإعادة هيكلة الدعم وبيع الأصول العامة، في وقت نقلت “بلومبيرغ” في وقت سابق عن مسؤول حكومي رفيع المستوى، أن الصندوق طالب القاهرة بزيادة حصيلة الإيرادات الضريبية لتتجاوز 30 في المئة عن المستهدف.