شركات عالمية تطرق أبواب قطاع النفط السوري من جديد

منذ سقوط نظام بشار الأسد، تركز الإدارة الجديدة في سوريا على النهوض بقطاع الطاقة الذي تمكن فعلاً من استقطاب اهتمام شركات كبرى من الخليج، خصوصاً من السعودية وقطر، ومن الدول الأجنبية وفي مقدمها الولايات المتحدة وبريطانيا، إذ أبدت الشركات استعدادها الاستثمار في سوريا، مما يشير إلى أن هناك قراءة واضحة من قبل هذه الشركات العالمية لمستقبل الاستثمار في قطاع النفط والغاز، مما قد يجعل من قدوم شركات جديدة، إضافة إلى عودة الشركات التي كانت تعمل في سوريا سابقاً أمراً حتمياً.
“يوفرتيز” البريطانية تسعى إلى تطوير النفط السوري
ومع التغيير التاريخي الذي حدث في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)2024 ، بدأت سوريا تستعيد مكانتها مع رفع العقوبات الأميركية، وتطمح الشركات الغربية إلى استئناف عملياتها النفطية في سوريا لرفع الإنتاج إلى مستويات ما قبل عام 2011، وبيعه بأسعار تتوافق مع الأسعار العالمية.
واهتمام شركة” يوفرتيز إنيرجي” البريطانية بالعمل مع الحكومة السورية في تطوير حقول النفط، وهو ما اعتبره متخصصون فرصة فريدة للشركات الصغيرة والمتوسطة في مجال النفط والغاز للعودة لسوريا، وقال مهدي سجاد المدير التنفيذي للشركة البريطانية لـ “اندبندنت عربية، إن رفع العقوبات عن قطاع النفط والغاز وتحسن الاستقرار الأمني سيفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي، كاشفاً عن تطلع شركته للعمل في سوريا، مشيراً إلى أن خبرة الشركة السابقة ومعلوماتها عن حقول سوريا النفطية فرصة للمساهمة في تشغيل الأيدي العاملة السورية، خصوصاً أن لديها سجلاً تشغيلياً حافلاً مع شركة “غلف ساندز” بإنتاج بلغ 25 ألف برميل يومياً، وأسهمت خلال فترة عملها داخل سوريا في توفير 100 فرصة عمل، مما يدل على فهم عميق من قبل الشركة البريطانية لظروف التشغيل المحلية.
وبحسب سجاد فإن الشركة تنظر إلى سوريا باعتبارها فرصة ثمينة لفتح إمكانات كبيرة، خصوصاً مع الدمار الذي لحق بالبنية التحتية بقطاع النفط، وبالتالي ستعطي الأولوية لتوظيف وتدريب السوريين ودعم المجتمعات المحلية، ومعالجة الأضرار البيئية الموروثة الناجمة عن سوء الإدارة والنزاع، إضافة إلى توفير المرونة والتمويل مع دعم رأسمالي دولي خاص، قوي ومترافق مع فريق مستقل ذي خبرة.
وأوضح أنه يمكن لـ “يوفرتيز إنيرجي” تقييم الفرص سريعاً وتحقيق نتائج بكفاءة عالية، خصوصاً أن لديها سجلاً إقليمياً في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيما في سوريا والعراق، مما يجعلها شريكاً موثوقاً به للنمو في كلا السوقين، لذلك فهي تعمل بنشاط على فحص الفرص في المناطق السورية التي تعتبر منخفضة الأخطار، وتتعاون مع السلطات المعنية ورأس المال الخاص، فالشركة البريطانية صاحبة الخبرة بقطاع النفط السوري متحمسة للمساهمة في الانتعاش الاقتصادي في سوريا والتعاون مع الحكومة الجديدة، مؤكداً أن الشركة البريطانية تدرك التحديات التي تنطوي عليها العمليات في بيئة ما بعد الصراع، وضرورة جلب الخبرة والانضباط اللازمين لإدارة الأمن والمشاركة مع أصحاب المصلحة بفعالية، متابعاً أنها تتطلع إلى بناء شركة استكشاف وإنتاج مستقلة ذات حجم مهم، يمكنها لعب دور متقدم في تنشيط صناعة النفط والغاز في سوريا لمصلحة جميع الأطراف.
الدول المستهلكة تريد ضمان عقود طويلة الأجل
ويؤكد متخصصون سوريون أن الاحتياط المؤكد من النفط في سوريا يقدر بـ 2.5 مليار برميل، في حين يقدر احتياط الغاز بنحو 40 مليار متر مكعب في البحر و20 مليار متر مكعب على اليابسة، مما يشكل فرص استثمارية كبيرة أمام شركات النفط والغاز العالمية للاستثمار في قطاع النفط والغاز السوري، و يشكل فرصة حقيقية أمام الحكومة السورية للدفع بالاقتصاد وتعزيز عملية البناء والتنمية، بما في ذلك تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير فاتورة استيراد النفط والغاز الباهظة بل وتصدير الإنتاج.
وقال رجل الأعمال السوري الذي يعمل في مجال النفط مازن غنامة لـ “اندبندنت عربية” إن “الاستثمار في قطاع النفط والغاز واعد جداً في دمشق ويحتاج إلى عمل كبير في حال توافرت له الشروط المناسبة، بدءاً من إرساء أسس نظام مصرفي متطور يسمح بمرونة دخول وخروج الأموال”، مضيفاً أن “أية شركة لن تدخل إذا لم تؤمن على أعمالها وأموالها وأرباحها”، وتابع غنامة أن “الشركات التي تفكر بالدخول إلى سوريا تناقش هذه الأمور مع الحكومة السورية، خصوصاً بعد رفع العقوبات الأميركية عن قطاع النفط والغاز وأعتقد أن الأمور تسير بطريقة إيجابية”، ولافتاً إلى أن هناك مجالاً واسعاً ومهماً للعمل في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، خصوصاً الغاز في المنطقة الوسطى والغاز في منطقة “فوق دمشق”، إلا أن مجال الاستثمار سيكون كبيراً وإستراتيجياً في حال استعادت الحكومة السورية سيطرتها على الآبار الواقعة شرق نهر الفرات، وعندها سيكون الاستثمار مغرياً جداً الشركات العالمية وحتى المحلية مع وجود احتياط نفطي كبير يمكن أن يؤمن الحاجات المحلية، بل ويتيح كميات مهمة للتصدير، وبالتالي سيكون قطاع النفط والغاز داعماً للدخل الوطني، قائلاً “سنستعيد مشهد الثمانينيات عندما أسهم النفط في دعم الدخل الوطني لسوريا، وأدى إلى دفع الاقتصاد وتحسين المعيشة”، مضيفاً غنامة أنه حتى تأتي الشركات والمستثمرين يجب أن تكون المنطقة مستقرة، وأن يكون هناك رضى دولي، إذ إن النفط اقتصاد إستراتيجي والدول المعنية والدول المستهلكة تريد أن تضمن لنفسها عقوداً طويلة الأجل.
فرص مهمة وواسعة للاستكشاف والتنقيب
المتخصص في مجال النفط ضياء الحسن أكد لـ “اندبندنت عربية” أن سوريا تخطط لبناء قطاع طاقة قوي باعتباره القاعدة التي يمكن من خلالها الانطلاق نحو النهوض بالقطاعات الأخرى في البلد، أولاً من خلال تأمين حوامل الطاقة لها، ثانياً من خلال توفير الأموال اللازمة لها لتنمو وتتطور، مشيراً إلى أن مشهد الطاقة في سوريا اليوم يتجه ليبدو أكثر وضوحاً واستقطاباً، ومع أهمية عودة إدارة الآبار التي تسيطر عليها “قسد” إلى إدارة الحكومة السورية، فإن هناك فرص مهمة وواسعة أمام الشركات الأجنبية للاستكشاف والتنقيب والاستخراج في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة حالياً، لافتاً إلى الإمكانات التي يمكن أن توفرها الاحتياطات الموجودة في المياه البحرية، قائلاً “من المهم الآن إعادة ترتيب العلاقات مع الشركات التي كانت تعمل في سوريا مثل ‘توتال’ و’شل’ والسعي إلى إنجاز اتفاقات مع شركات عالمية جديدة أبدت اهتماماً بالاستثمار في قطاع النفط والغاز السوري، إضافة إلى وفود الشركات الخليجية والأميركية والأوروبية زارت دمشق أخيراً، وتعرفت إلى إمكان الاستثمار في قطاع الطاقة، بل ووقّع بعضها مذكرات واتفاقات للاستثمار.
وأوضح الحسن أن “اهتمام الشركات الأميركية والبريطانية بالاستثمار في قطاع الطاقة يبدو مثيراً للاهتمام ومؤشراً على أن القطاع ينتظره مستقبل مهم سينعكس على مجمل الاقتصاد الوطني، وسيساعد الحكومة في السير في عملية التنمية وتوفير التمويل الذي تحتاج إليه، بخاصة أن هناك قراراً سيادياً بعدم الاقتراض من الخارج”.
شركات النفط القائمة ستحصل مستحقاتها
من جانبه يرى الكاتب المتخصص في مجال النفط معد عيسى أن عودة الشركات الأجنبية لسوريا هو أمر حتمي للمطالبة بحصصها المتراكمة من عام 2011، ككميات نفط وليس مبالغ مالية، إذ إن الحصول على استحقاقاتها سيكون عبر ضخ استثمارات داخل هذا القطاع لإعادته للإنتاج، وبالتالي الحصول على حقوقها، لأنه في ظل عجز الدولة السورية المالي والتقني فلن يكون هناك إنتاج ولن تحصل على حقوقها.
وقال عيسى لـ “اندبندنت عربية إن “سوريا بلد نفطي يحتاج إلى ضخ أموال وإجراء مسوحات واستكشافات لمواقع جديدة، ويمكن أن تكون بلد عبور لنفط العراق وغاز الخليج إلى الأسواق الأوروبية، مما يمهد لاستثمارات إضافية كبيرة ومهمة في التكرير والتخزين للضخ حين زيادة الطلب وارتفاع الأسعار”، مشيراً إلى أن عودة الشركات الأجنبية هي المخرج، وقد تكون الفرصة لمن يسبق في العودة، مضيفاً “أعتقد أن الشركات الأميركية والبريطانية وغيرها التي زارت وفود منها سوريا والتقت الرئيس الشرع أتت في هذا الإطار، وهذا يمنحها الفرصة الأكبر ويعكس تقدم وتفوق هذه الشركات في اقتناص الفرص، بخاصة أنها تتمتع بالملاءة المالية والتقنية والفنية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح المتخصص السوري أن الاستثمار في القطاع النفطي السوري قد يبدو معقداً لأكثر من سبب، فالحقول النفطية كانت تستثمر قبل عام 2012 بمشاركة شركات أجنبية مثل “شل” و”توتال” و”بترو كندا” و”ايني” و”غلف ساندس” وغيرها من الشركات، وهناك وضع قانوني معقد يجب حله معها، مشيراً إلى أن معظم الآبار تعرضت للحرق أو الاستثمار الجائر وهي في حاجة إلى إصلاح، إضافة إلى أن المناطق أو البلوكات غير المستثمرة معظمها متعاقد عليها ومحجوز لشركاء أجانب، وعندما يجري طرح أي موقع فهناك طرف ثالث يجب التفاوض معه، إضافة إلى أن كل المواقع في حاجة إلى تجديد الدراسات بتقنيات حديثة، وكذلك غاز ونفط البحر المتوسط يحتاج إلى ترسيم الحدود البحرية.
واستدرك عيسى قائلاً “لكن على رغم تلك العقبات إلا أن المنطق يؤكد أن سوريا بلد لديه ثروات نفطية وغازية كبيرة، وهي قابلة للاستثمار فيما لو جرى تجاوز المشكلات التي سبق ذكرها، إذ يبدو استثمار الغاز مهماً جداً ولا سيما في مياه البحر المتوسط، حيث يقدر احتياط سوريا بـ 6 مليارات متر مكعب في حقل اللفنتاين وحسب، والذي يمتد من الشواطئ الفلسطينية إلى ما بعد بانياس السورية، إضافة إلى حقل اللاذقية الواعد بالنفط والغاز والممتد إلى الحدود التركية والقبرصية، مما دفع تركيا إلى طلب ترسيم الحدود مع سوريا”.
الشركات الأميركية تهتم بقطاع النفط السوري
توجه سوريا للاعتماد على قطاع الطاقة في بناء الاقتصاد والوصول إلى مرحلة التعافي يرتبط بحجم الاستثمارات والشراكات واستقطابها، ومن هنا كان تسجيل اهتمام مجموعة من الشركات بالاستثمار في القطاع وأهمها شركتا “شل” و”توتال” اللتين كانتا حاضرتين في حقول شرق سوريا قبل عام 2011، وشركات أخرى مثل “أرامكو السعودية” التي تخطط لمشاريع مهمة في سوريا، إذ وقعت مجموعة من مذكرات التفاهم بين وزارة الطاقة وشركات سعودية في مجالات الكهرباء والنفط والغاز، تتضمن التعاون في مشاريع الكهرباء وخدمات الحقول البترولية وحفر الآبار.
وتخطط ثلاث شركات أميركية للاستثمار في قطاع النفط والغاز والكهرباء في سوريا بعدما رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن البلد، وهي “بيكر هيوز” و”هانت إنيرجي” و “أرغنت”، إذ تعتزم الإسهام في أعمال الاستكشاف واستخراج النفط والغاز وإنتاج الكهرباء من خلال خطة إستراتيجية تتضمن إطلاق شركة لإعادة بناء قطاع الطاقة في البلاد من خلال مراحل خمس، تتمثل في إرساء الأمن وتقييم الوضع الراهن وتأمين حقول العمر والتيم والتنك والحسكة إضافة إلى حقول أخرى، ثم تحقيق استقرار الإمدادات المحلية بتأهيل مصفاتي بانياس وحمص، وإدراج وتطوير كيان في بورصة نيويورك أو “ناسداك” يمتلك ويدير الأصول لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والانتقال إلى آليات الحوكمة والشفافية من خلال الصندوق السيادي للوصول إلى عملية الاستعداد للتصدير والتكامل الإقليمي في مجال الطاقة.
عائدات تتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً
ويؤكد متخصصون سوريون أن الاستثمار في قطاع النفط يبدأ من إعادة درس الاحتياط للوقوف على حجم الاستنزاف الذي حدث خلال أعوام الحرب، ومعرفة حجم التخريب الذي طاوله نتيجة طرق الإنتاج العشوائية، وفي حال عودة الأمور لطبيعتها فإن الإنتاج مرجح للعودة لما كان عليه في السابق، أي من 380 ألف برميل إلى 400 ألف برميل يومياً، وجزء مهم منها سيكون متاحاً للتصدير، إذ تقدر الحاجات المحلية بنحو 200 ألف برميل، كما أن إعادة تشغيل الحقول النفطية السورية بكامل طاقتها الإنتاجية سيكون بمثابة عامل حاسم وأساس للنهوض بالواقع الاقتصادي، ووفقاً لخبراء فإنه يمكن أن تتجاوز عائداتها 10 مليارات دولار سنوياً، وفقاً لأسعار النفط ما بين 60 و80 دولاراً، وبحسب حجم الاستثمارات.