بعد تجاوزه مستويات ما قبل تعويم 2024… هل انتصر الجنيه المصري على الدولار؟

للمرة الأولى منذ تعويم مارس (آذار) 2024، يجري تداول الدولار الأميركي عند مستوى أقل من 48 جنيهاً، مواصلاً سلسلة الخسائر التي بدأت منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
المحللون يرون أن الخسائر التي تتكبدها الورقة الأميركية الخضراء في مقابل الجنيه المصري، طبيعية وقصيرة الأجل، وترتبط بتحركات تدفقات العملات الأجنبية وضعف الدولار الأميركي في مقابل العملات الرئيسة، في وقت يحرص فيه الرئيس الأميركي إلى إضعاف الدولار وخفض الفائدة لدعم نمو أكبر اقتصاد في العالم.
في التعاملات الأخيرة، فقد جرى تداول الدولار في البنك المركزي المصري عند مستوى 48.15 جنيه للشراء، في مقابل 48.29 جنيه للبيع. ولدى البنك الأهلي المصري وبنك مصر، جرى تداول الدولار عند مستوى 47.96 جنيه للشراء، و48.06 جنيه للبيع.
وفي البنك التجاري الدولي – مصر وبنك البركة – مصر، بلغ سعر صرف الدولار نحو 47.95 جنيه للشراء، و48.05 جنيه للبيع. وفي بنك كريدي أغريكول – مصر، استقر سعر صرف الدولار عند مستوى 47.96 جنيه للشراء، و48.06 جنيه للبيع.
احتياط النقد يسجل مستويات قياسية
تأتي خسائر الدولار الأميركي المفاجئة بعد إعلان البنك المركزي المصري، استمرار ارتفاع احتياط البلاد من النقد الأجنبي، إذ أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، ارتفاع صافي الاحتياطات الدولية خلال أغسطس (آب) 2025 نحو 214 مليون دولار، مقارنة بشهر يوليو (تموز) السابق له، ومسجلاً مستوى قياسياً جديداً.
وبحسب البيانات، وصل صافي الاحتياطات الدولية إلى 49.25 مليار دولار في أغسطس الماضي، في مقابل 49.03 مليار دولار في نهاية يوليو 2025. وتسلمت مصر في مارس الماضي نحو 1.2 مليار دولار بعد المراجعة الرابعة من صندوق النقد الدولي، بينما قرر الصندوق دمج المراجعة الخامسة مع السادسة في شهر سبتمبر (أيلول) الجاري.
وقبل أيام، خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس في الاجتماع الخامس للجنة السياسة النقدية لهذا العام.
وبذلك استأنفت لجنة السياسة النقدية دورة التيسير النقدي التي توقفت موقتاً في يوليو الماضي بعد خفضين متتاليين في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين بإجمال 325 نقطة أساس، ويعد هذا الخفض الثالث لأسعار الفائدة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.
وتبلغ سعر الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة 22.0 في المئة و23.0 في المئة على الترتيب، فيما يبلغ سعر العملية الرئيسة للبنك المركزي والائتمان والخصم 22.5 في المئة.
وانخفضت أسعار الفائدة الآن بما مجموعه 525 نقطة أساس، منذ أن شرع البنك المركزي في دورة التيسير النقدي خلال أبريل الماضي.
البنك المركزي المصري أشار إلى نمو أسرع من المتوقع في الربع الأخير من العام المالي 2025/2024، إذ كان من المتوقع أن يصل النمو إلى 5.4 في المئة خلال فترة الأشهر الثلاثة، مما يرفع متوسط النمو للعام المالي السابق إلى 4.5 في المئة، بزيادة قدرها 2.1 نقطة مئوية على أساس سنوي.
وأرجع ذلك إلى “المساهمات الموجبة من قطاعات الصناعات التحويلية غير البترولية والسياحة”، مضيفاً أنه على رغم الزيادة المتوقعة في النمو، “تشير التقديرات إلى أن الضغوط التضخمية من جانب الطلب ستظل محدودة”.
تحسن كبير بعائدات السياحة وتحويلات المصريين
في تعليقه، قال المتخصص في الشأن الاقتصادي رئيس وحدة البحوث بشركة الأهلي “فاروس” لتداول الأوراق المالية هاني جنينة إن مصر بدأت تشهد زخماً واضحاً في تدفقات النقد الأجنبي خلال النصف الثاني من 2024، مدفوعاً بطفرة كبيرة في السياحة وتحسن الثقة في الاقتصاد المصري بعد قرارات تحرير سعر الصرف.
وأكد أن قطاع السياحة يشهد تعافياً ملاحظاً، مشيراً إلى أن عدد السياح المتوقع للعام الحالي قد يصل إلى نحو 18 مليون سائح، بإيرادات تصل إلى 16 مليار دولار، وهو ما ساعد في تعويض جزء كبير من خسائر إيرادات قناة السويس التي تأثرت بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أوضح أن اتجاه الحكومة المصرية نحو طرح أصول مثل مطار الغردقة أمام مشغلين أجانب يعزز هذه الطفرة ضمن استراتيجية تخارج الدولة من بعض القطاعات الاقتصادية، فيما شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج انتعاشة كبيرة عقب تحرير سعر الصرف في مارس 2024، مما أعاد الثقة بصورة واسع للاقتصاد المصري وسوق الصرف في مصر.
وتوقع جنينة أن يسجل الجنيه المصري مزيداً من التحسن في مقابل الدولار الأميركي بنهاية العام الحالي، مدفوعاً بتراجع الدولار عالمياً، وخصوصاً أمام اليورو، الذي يمثل كتلة كبيرة من الشركاء التجاريين لمصر، ورجح أن يصل سعر صرف الدولار بين مستوى 47 إلى 48 جنيهاً للدولار بنهاية 2025.
ماذا تتوقع المؤسسات الدولية للجنيه المصري؟
وفي وقت تتوقع فيه بعض المؤسسات تحسناً تدريجاً للجنيه المصري، تبقي مؤسسات أخرى على درجة من التحفظ، مما يجعل من عام 2025 عاماً حاسماً في تحديد ملامح سعر الصرف في مصر.
في تقرير سابق، كان بنك “غولدمان ساكس”، قد أشار إلى أن الجنيه المصري لا يزال مقوماً بأقل من قيمته العادلة بنحو 30 في المئة، مرجحاً أن السعر العادل يقارب 35 جنيهاً للدولار.
ودعا البنك المستثمرين الأجانب إلى الاستفادة من هذا الفارق، من خلال الاستثمار في أدوات الدين المصرية التي تقدم عوائد مغرية.
في السياق ذاته، أظهر مؤشر “بيغ ماك” الشهير الصادر عن مجلة “ذا إيكونمسيت”، أن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته بنسبة 58 في المئة، إذ يشير المؤشر إلى أن سعر الصرف العادل يجب أن يبلغ 20.8 جنيه للدولار.
ويعتمد المؤشر إلى مقارنة سعر “ساندويتش بيغ ماك” في مصر (125 جنيهاً) بسعره في الولايات المتحدة (6.01 دولار)، كوسيلة غير رسمية لقياس القوة الشرائية الحقيقية للعملات.
على الجانب الآخر، وفي مذكرة بحثية حديثة، يتبنى بنك “ستاندرد تشارترد”، رؤية أكثر تحفظاً، إذ توقعت كبيرة الاقتصاديين بالبنك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كارلا سليم، أن يصل سعر الدولار إلى 52 جنيهاً بنهاية عام 2025، ويرتفع لاحقاً إلى 54 جنيهاً في 2026، مشيرة إلى استمرار الضغوط الهيكلية على الاقتصاد المصري.