ضريبة عقارية جديدة في بريطانيا لسد عجز الموازنة

منذ نهاية القرن الماضي تفكر حكومات حزب “المحافظين” في بريطانيا في إجراءات اقتصادية، لكنها لا تستطيع تنفيذها لكلفتها السياسية أكثر من عائدها المالي للخزانة العامة، ثم تأتي حكومات حزب “العمال” بعدها لتنفذ تلك الإجراءات غير عابئة بأية تبعات سياسية، ذلك ما حدث مع فرض رسوم للتعليم الجامعي الذي كان مجاناً حتى فرضته للمرة الأولى حكومة توني بلير ووزير خزانته غوردون براون في تسعينيات القرن الماضي.
قبل أكثر من عقد من الزمن فكرت حكومة الائتلاف بين حزبي “المحافظين” بقيادة ديفيد كاميرون و”الليبراليين الديمقراطيين” بقيادة نيك كليغ في فرض “ضريبة البيوت” على العقارات لكنها لم تنفذ ذلك، وفي عام 2015 طرح حزب “العمال” في برنامجه الانتخابي فرض “ضريبة البيوت” لكنه خسر الانتخابات وبقي المحافظون في الحكم ولم تفرض الضريبة.
الآن، تعمل حكومة “العمال” بقيادة كير ستارمر على فرض ضريبة البيوت ضمن تعديل شامل للضرائب العقارية لسد فجوة عجز الموازنة في ظل الضعف الشديد للنمو الاقتصادي، وعلى مدى هذا الأسبوع احتلت التعديلات المتوقعة للضرائب العقارية في بريطانيا مساحات الصحف وشبكات التلفزيون عبر تقارير وتحليلات وتعليقات، ذلك لأنها موضوع يهم كل البريطانيين خصوصاً من يملكون مسكنهم وحتى من يستأجرون المساكن، من بين تلك التغطيات كان تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” ناقش عبر متخصصين ومحللين واقتصاديين الخيارات أمام وزيرة الخزانة في شأن الضرائب العقارية قبل إعلان بيان موازنة الخريف.
وتعهد حزب “العمال” في برنامجه الانتخابي العام الماضي بعدم زيادة الضرائب الثلاث (الدخل – مستقطعات التأمينات الاجتماعية – القيمة المضافة)، لذا فإن الخيار الأمثل أمام الحكومة هو الضرائب العقارية.
وتقدر شركة “سافيلز” العقارية أن حجم القطاع العقاري في بريطانيا ارتفع إلى 9 تريليونات جنيه إسترليني (12 تريليون دولار) العام الماضي، في زيادة قياسية إذ لم يكن حجمه يزيد على 3.9 تريليون جنيه إسترليني (5 تريليونات دولار) قبل 10 أعوام، لذا فأية ضريبة عقارية جديدة يمكن أن توفر للخزانة المليارات بسهولة من دون التخلي عن تعهد زيادة الضرائب على الدخل.
ما خيارات الحكومة لتغيير الضرائب العقارية؟
من المهم الإشارة إلى أن كل ما يجري الحديث عنه هي محادثات داخل الحكومة ولم يصدر في شأنها قرار بعد، وأن هناك تعديلات قد تحتاج إلى تغيير قوانين، مما يستلزم محادثات برلمانية ومدة طويلة لتنفيذها، إلا أن هناك خيارات أمام الحكومة لفرض تغييرات ضريبية على الفور قد تعلنها وزيرة الخزانة راشيل ريفز في بيان الموازنة بعد نحو شهرين.
وتواجه الخزانة البريطانية عجزاً في الموازنة يزيد على 20 مليار جنيه إسترليني (27 مليار دولار) نتيجة السياسات المالية للحكومة العمالية التي أكملت عاماً واحداً في السلطة ولم تفلح في زيادة النمو الاقتصادي كما وعدت في برنامجها الانتخابي، إذ تحتاج ريفز إلى سد فجوة العجز هذه بأسرع ما يمكن عبر زيادة الإيرادات.
وعلى رغم أن نواب حزب “العمال” يرغبون في فرض ضرائب على الثروة ويرون في ذلك عدالة تضمن أن يتحمل الأثرياء العبء الأكبر، فإن معظم التقديرات الاقتصادية والمالية ترى أن زيادة ضريبة الثروة قد لا تحقق عائداً للخزانة بالقدر المرجو الذي يسهم في سد فجوة العجز، إنما فرض ضريبة على العقارات، يمكن أن يوفر إيرادات سريعة وكبيرة، كما أنه إجراء قد لا يحتاج إلى وقت لفرضه بل يبدأ تنفيذه بمجرد إعلانه في موازنة الخريف.
لذا، طلبت وزيرة الخزانة من وزارتها وإدارات حكومية أخرى بحث الخيارات الممكنة لتغيير الضرائب العقارية، بما في ذلك فرض ضريبة جديدة هي “ضريبة البيوت”. ويرى كثير من المحللين والاقتصاديين أن فرض ضريبة البيوت تلك يعني تحايلاً على الإعفاء الضريبي للعقار السكني من ضريبة أرباح رأس المال.
ومن بين ما تدرسه الحكومة تغيير نظام ضريبة الدمغة العقارية، وهي نسبة على سعر العقار يدفعها المشتري تحصلها الخزانة العامة على كل العقارات التي يزيد سعرها على 120 ألف جنيه إسترليني (161 ألف دولار)، إضافة إلى تغيير نظام ضريبة الحي التي تحصلها الإدارات المحلية للأحياء من الساكن وليس مالك العقار، إلا إذا كان المالك هو الساكن، وهو نظام يعتمد شرائح لأسعار البيوت بحسب تقديرات قيمة البيوت منذ نحو نصف قرن.
هل من حاجة إلى تعديل ضريبة الحي والدمغة العقارية؟
وتذهب حصيلة ضريبة الحي إلى الإدارة المحلية للإنفاق على الخدمات المحلية مثل الشرطة والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية لسكانه، ومن ثم فتعديل ضريبة الحي قد لا يسهم مباشرة في ضبط الحسابات المالية للخزانة العامة، كذلك فإن تغيير نظام ضريبة الحي يحتاج إلى وقت طويل لتشريعه وإقراره.
وحين كانت وزيرة الخزانة الحالية راشيل ريفز مجرد نائبة عن حزب “العمال” في البرلمان عام 2018 أعدت ورقة عن كيف أن “ضريبة الحي التي تستند إلى تقديرات قيمة المساكن بحسب أسعار عام 1991 تحتاج إلى إعادة تقييم وتغيير شرائح الضريبة الحالية”، مضيفة آنذاك “علينا أن ندرس مسألة التعديل الشامل وأن نحل ضريبة عقارية محلها، ليدفعها الملاك وليس السكان كما هو حالياً، ويجب أن يكون ذلك أكثر عدلاً وأن يكون العبء على الملاك وليس السكان”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما ضريبة الدمغة العقارية فهناك معارضة شديدة لها باعتبارها تعوق النشاط في السوق العقارية البريطانية بصورة عامة، وفي ورقة لمركز الأبحاث اليميني “أونوارد” العام الماضي، وضع الاقتصادي المحافظ تيم ليونينغ مقترحات يبدو أنها من بين ما تدرسه الحكومة الحالية، فمن تلك المقترحات إلغاء ضريبة الحي وضريبة الدمغة العقارية، وأن يدفع ملاك البيوت وليس السكان ضريبة مقابل الخدمات المحلية وذلك عن البيوت التي تقل قيمتها عن 500 ألف جنيه إسترليني (672 ألف دولار)، هذا إضافة إلى ضريبة أخرى تحصلها الخزانة العامة على البيوت التي يزيد سعرها على ذلك (ضريبة البيوت).
ويقدر معهد الدراسات المالية أن زيادة ضريبة الحي بنسبة 50 في المئة يمكن أن يوفر عائدات تصل إلى 3.5 مليار جنيه إسترليني (4.7 مليار دولار)، هذا من دون حساب ضريبة البيوت على العقارات العالية القيمة.
هل تفرض الحكومة ضريبة البيوت هذا الخريف؟
وقد يفضل نواب حزب “العمال” أن تفرض الحكومة مزيداً من ضريبة أرباح رأس المال على البيوت العالية القيمة، باعتبار ذلك سيضع العبء الضريبي على الأثرياء بدلاً من توزيعه على كل من يسكنون عقارات يملكونها، لكن الحكومة تأخذ في الاعتبار مسألة العائد من تحصيل الضريبة العقارية.
فيقول رئيس أبحاث السكن في شركة العقارات “نايت فرانك” توم بيل، إن “فرض ضريبة أرباح رأس المال على البيوت المرتفعة القيمة يمثل خطورة”، موضحاً “استناداً إلى بيانات الـ10 أعوام الأخيرة سيكون مفاجئاً أن نشهد فرض ضريبة على العقارات العالية الثمن خصوصاً أن أسعار تلك العقارات في لندن انخفضت بنسبة 20 في المئة في العقد الأخير، لذا فإن ضريبة جديدة ستؤدي إلى انخفاض الطلب أكثر وستؤثر سلباً في العائد من تلك الضريبة وتقود إلى نتائج عكسية”.
وحتى الآن، يعفى البيت الذي تسكنه من ضريبة أرباح رأس المال، وتحصل الدولة تلك الضريبة على فارق سعر البيت الثاني أو البيت الذي يشتريه المالك لتأجيره عند البيع، وهي ضريبة بنسبة 18 في المئة إلى 24 في المئة تحصلها الخزانة العامة لدى بيع العقار على الربح فيه (الفارق بين سعري الشراء والبيع).
وتعني “ضريبة البيوت”، التي يمكن أن تعلن عنها راشيل ريفز في بيان موازنة الخريف التفافاً على هذا الإعفاء للبيت الذي يسكنه مالكه، وإن كانت الحكومة لم تفصح بعد عن المقترحات التي تتم دراستها، فإن ما تنشره وسائل الإعلام يشير إلى فرض ضريبة بيوت بنسبة خمسة في المئة على العقارات التي يقل سعرها عن مليون جنيه إسترليني (1.34 مليون دولار) وتزيد النسبة على العقارات الأعلى قيمة.
قد لا تعني ضريبة البيوت الإلغاء التام لضريبة الدمغة العقارية في كثير من الحالات، خصوصاً لمن يشتري بيتاً ثانياً غير الذي يسكنه للاستثمار أو التأجير، ومن ثم تصبح الضريبة العقارية على البيوت مضاعفة، ويدفع القدر الأكبر منها مالك البيت أما المشتري فيدفع ضريبة الدمغة العقارية في حالات محددة ويعفى منها في حالات أخرى، هذا مع استبدال بضريبة الحي ضريبة عقارية جديدة تدفع سنوياً على أساس شرائح جديدة تقدر قيمة البيوت بأعلى من وضعها الحالي.