هل يشعل مضيق هرمز فتيل أزمة اقتصادية كبرى؟


يعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم
حين يضيق مضيق هرمز، تتسارع أنفاس أسواق الطاقة العالمية، ويعلو منسوب القلق في غرف التداول والمصارف المركزية على السواء. فهذا الممر البحري الذي تمرّ عبره يوميًا خُمس صادرات النفط العالمية، لم يعد مجرد معبر استراتيجي، بل تحوّل إلى مؤشر فوري على التوتر الجيوسياسي وتقلبات الأسواق.
في خضم التصعيد الأخير بين طهران وواشنطن، عاد المضيق إلى دائرة الخطر بعد تلويح إيراني بإغلاقه ردًا على الهجمات الأميركية، ما أثار تساؤلات جدية حول أمن الإمدادات، واستقرار الأسعار، ومصير الاقتصادات الكبرى التي تعتمد على تدفقات الطاقة من الخليج.
فهل تملك إيران فعلاً رفاهية قطع هذا الشريان دون أن تخنق اقتصادها أولاً؟ وكيف تستعد الأسواق والمنتجون الكبار لأسوأ السيناريوهات؟ تقريرنا يرصد المعادلات الدقيقة بين السياسة والطاقة، ويحلل تداعيات أي إغلاق محتمل على المشهد النفطي والمالي العالمي.
أميركا: “إيران تنتحر اقتصاديا”
“إيران تنتحر اقتصادياً”..
وزير الخارجية الأميركي وصف تلويح طهران بإغلاق مضيق هرمز بأنه “انتحار اقتصادي”. فالمضيق الذي لا يتعدى عرضه 33 كيلومتراً تمرّ عبره يومياً أكثر من 18 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات، أي ما يعادل 20 بالمئة من إجمالي صادرات النفط والغاز العالمية، و40 بالمئة من النفط المنقول بحرًا في العالم، فضلًا عن كونه شريانًا يمر عبره 11 بالمئة من حجم التجارة البحرية العالمية.
لكن التهديد الإيراني ليس مجرّد لعبة أعصاب، بل يرتكز إلى قرار سياسي خطير؛ البرلمان الإيراني صوّت بالإجماع على إغلاق المضيق، تاركًا الكلمة الفصل للمرشد الأعلى علي خامنئي، بحسب ما أكده الخبير الدولي في شؤون الطاقة الدكتور ممدوح سلامة في حديثه لبرنامج “بزنس مع لبنى” على سكاي نيوز عربية.
سلامة: إغلاق مضيق هرمز سيقفز بأسعار النفط إلى 130 دولارا
صادرات إيران بين “خرج” و”جاسك”.. الخنق الذاتي
تُصدّر إيران قرابة 90 بالمئة من نفطها عبر جزيرة “خرج”، و10 بالمئة عبر “جزيرة لافان” وميناء بندر عباس، وهي كلها تقع شمال مضيق هرمز. أي أن إغلاق المضيق يعني عملياً خنق طهران لصادراتها النفطية، التي يذهب معظمها نحو الصين.
ورغم أن إيران دشنت في 2021 محطة “جاسك” على خليج عُمان بقدرة تصديرية تصل إلى مليون برميل يومياً لتكون بديلًا استراتيجيًا، إلا أن هذه المنشأة تبقى عرضة لأي ضربة عسكرية قد تخرجها عن الخدمة.
وبالتالي، فإن خطوة إغلاق المضيق، وإن كانت موجعة للعالم، فهي بمثابة طلقة في القدم الإيرانية من الناحية الاقتصادية، وهو ما دفع واشنطن إلى وصفها بالانتحار الذاتي.
المناورة الإقليمية… بدائل الخليج جاهزة جزئياً
في حال وقوع السيناريو الأسوأ، تملك بعض الدول الخليجية بدائل استراتيجية لتفادي الاختناق النفطي:
- السعودية: لديها خط أنابيب “شرق-غرب” الذي ينقل النفط من حقول المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، بطاقة نظرية تصل إلى 5 ملايين برميل يوميًا. إلا أن الدكتور سلامة أوضح أن القدرة الفعلية لهذا الخط لا تتجاوز 2 إلى 3 ملايين برميل حاليًا، رغم إمكانية رفعها إلى 7 ملايين بتعديلات تقنية.
- الإمارات: تعتمد على خط “حبشان-الفجيرة” الذي يربط حقول النفط البرية بميناء الفجيرة على خليج عمان، بطاقة تصديرية تتراوح بين 1.5 إلى 1.8 مليون برميل يوميًا، وقد تُرفع طاقته أيضًا بقرارات عاجلة.
- الكويت والسعودية والإمارات: تخزن ملايين البراميل في مستودعات استراتيجية حول العالم، من آسيا إلى أوروبا وحتى مصر، في محاولة للحد من آثار انقطاع مفاجئ.
- العراق: لديه خط “كركوك-جيهان” نحو تركيا، متوقف منذ عامين لأسباب سياسية، لكن يُحتمل إعادة تفعيله سريعًا في حال تصاعد الأزمة.
أما قطر والبحرين، فتعتمدان كليًا على المضيق دون بدائل بحرية مباشرة، ما يجعل موقفيهما الأضعف في حال الإغلاق الكامل.
هل تستطيع إيران إغلاق المضيق فعليًا؟
وفقًا للدكتور سلامة، فإن النقطة الأضيق في مضيق هرمز تبلغ 30 ميلاً، ما يصعّب عملية الإغلاق الكامل من الناحية الفنية. لكن طهران تملك أساليب غير تقليدية لتحقيق الهدف نفسه: مثل توجيه تحذيرات مباشرة لناقلات النفط، أو زرع ألغام بحرية تؤدي إلى انفجار أو احتراق ناقلة واحدة فقط، وهو سيناريو كفيل بشلّ الحركة وخلق ذعر عالمي في أسواق الطاقة.
ويقول سلامة: “الخطر حقيقي. إذا اصطدمت ناقلة واحدة بلغم، فإن التأثير سيكون كارثيًا ليس فقط على أسواق النفط، بل أيضًا على مصادر مياه الخليج العربي، التي تعتمد على التحلية”.
مضيق هرمز.. ورقة ضغط جيوسياسية تهدد بأزمة اقتصادية
انعكاسات فورية: قفزات نفطية وعجز أميركي
يرى سلامة أن السوق لم تحتسب حتى الآن التأثير الجيوسياسي الفعلي لتصعيد الخليج، بدليل أن ارتفاع الأسعار اقتصر على 10 دولارات حتى الآن. لكن في حال الإغلاق الفعلي للمضيق، فإن أسعار برميل النفط قد تقفز إلى ما فوق 120-130 دولارًا خلال دقائق، مشيرًا إلى أن فقدان نحو 15 مليون برميل يوميًا من السوق سيكون كارثة.
هذا الوضع سيؤدي إلى:
- توسّع كبير في عجز الميزانية الأميركية، حيث تعتمد واشنطن على استيراد نحو 8 ملايين برميل يوميًا، رغم إنتاجها الداخلي البالغ نحو 12.5 إلى 13 مليون برميل.
- طباعة نقدية أميركية لتغطية العجز، ما يزيد من خطر ارتفاع الديون، وانهيار الثقة بالدولار.
- تأثير شامل حتى في حال عدم استيراد النفط الخليجي مباشرة، لأن أي صدمة في سوق النفط تصيب الاقتصاد الأميركي ككل.
هل من تدخل صيني؟
يشير سلامة إلى أن وزير الخارجية الأميركي تواصل مع بكين، في محاولة لإقناعها بالضغط على إيران، باعتبارها الحليف الاستراتيجي لها، لكن الرد الصيني لم يكن حاسمًا. فكما أن واشنطن تجاهلت دعوة بكين بعدم مهاجمة إيران، فمن المرجّح أن تترك الصين لطهران حرية الرد، ما يزيد من احتمالات التصعيد.
الخيار الإيراني بين العقاب والانتحار الاقتصادي
إغلاق مضيق هرمز لم يعد مجرد سيناريو نظري، بل خيار مطروح بجدية على طاولة إيران كرد على الهجمات الأميركية. ومع ضيق البدائل وارتفاع التوتر، تتحول كل ناقلة نفط إلى فتيل محتمل لأزمة عالمية.
بين شد الحبل السياسي والاقتصادي، يبقى السؤال: هل تقرر طهران فعلاً الانتحار الاقتصادي مقابل شلّ اقتصاد العالم؟ أم أن جنون الإغلاق سيقابل بتسوية جيوسياسية في اللحظة الأخيرة؟
Source link