عالمي

هل ينقذ البنك الدولي تونس من أزمتها الاقتصادية؟

في خضم أزمة اقتصادية ومالية مركبة تعلق الحكومة التونسية آمالاً عريضة على مجموعة البنك الدولي من أجل الموافقة على برنامج الشراكة القطرية للفترة 2023/2027 الذي يتضمن تمويلات مهمة لمشاريع عدة يرى المتخصصون أن البرنامج سيكون بمثابة طوق نجاة لاقتصاد البلاد العليل.

ويجتمع المجلس التنفيذي لمجموعة البنك الدولي في 15 يونيو (حزيران) الحالي للنظر في ملف تونس وإمكانية الموافقة على برنامج الشراكة الجديد على رغم حالة “الجفاء” بين الطرفين على أثر اندلاع أزمة تصريحات كبار المسؤولين في تونس في شأن وضعية المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء في أفريقيا.

وتعول السلطات التونسية على إقناع مجموعة البنك الدولي بالموافقة على هذا البرنامج الذي يتضمن محاور عدة وبرامج ذات بعد تنموي واجتماعي والذي يعتقد المتخصصون أنه سيعطي قفزة لافتة لاقتصاد تونس في السنوات المقبلة لا سيما في الأبعاد التنموية والاجتماعية.

كما تأمل تونس مع تنفيذ البرنامج المرتقب في أن توقف قرار البنك الدولي السابق في مارس (آذار) الماضي الذي نص على تعليق التعاون مع تونس إثر التصريحات المتضاربة في تونس بخصوص وضعية المهاجرين غير النظاميين في البلاد وما نجم عنها من لغط كبير في البلاد وخارجها.

ووفق المعلومات المتاحة من داخل أروقة البنك الدولي فإن تونس ستعمل على إدراج مشروع الخط الكهربائي الرابط بين تونس وإيطاليا لتصدير الطاقات المتجددة والمعروف باسم مشروع “الماد” لغرض إيجاد التمويلات الضرورية لهذا المشروع.

عقد اجتماعي جديد

ولطالما ساندت مجموعة البنك الدولي جهود تونس الرامية إلى قطف ثمار التحول السياسي لينعكس على مواطنيها اجتماعياً واقتصادياً بشكل قوي.

ومن العناصر الحيوية في هذه العملية إنشاء عقد اجتماعي جديد يقوم على ثقة المواطن بقدرة الحكومة على الحفاظ على تكافؤ الفرص الاقتصادية وحصول الجميع على خدمات جيدة، خصوصاً المستضعفين والشباب والنساء.

ويأمل البنك من خلال برنامج الشراكة الجديد التركيز على مساعدة تونس على تحقيق إمكاناتها الهائلة، بما في ذلك إصلاحات عميقة وتغييرات في بيئة الأعمال بغرض تسهيل استثمارات القطاع الخاص من أجل خلق فرص عمل وتشجيع النمو الاقتصادي الشامل والتنافسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا يختلف اثنان في تونس على أن البنك الدولي يظل من أهم المانحين الماليين لتونس على مدى أكثر من خمسة عقود وكذلك أحد أهم شركاء تونس في دعم مسيرتها الإنمائية.

وفي ظل صعوبة وصول تونس إلى مصادر التمويل الأجنبية هب البنك الدولي لإقراض تونس في فبراير (شباط) الماضي بمبلغ قيمته 120 مليون دولار من أجل مساعدة الشركات الصغرى على تخطي تداعيات أزمة كوفيد مساندة لبرامج التنمية.

وكان فريد بلحاج (تونسي) نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قال في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في منتصف أبريل (نيسان) الماضي إن لقاءه وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد كان مثمراً، وذلك على هامش اجتماعات الربيع بواشنطن لصندوق النقد والبنك الدوليين، مؤكداً أن “البنك يساند برامج التنمية التي تقترحها الحكومة التونسية والتي تشدد على أهمية الطاقة المتجددة ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتعزيز الحماية الاجتماعية”، مضيفاً أنه “يتطلع إلى عرض استراتيجية الشراكة القطرية بين تونس والبنك على مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي بحلول منتصف الشهر الجاري”.

مأزق تعليق التعاون

وأعلن البنك الدولي في 6 مارس الماضي تعليق تعاونه مع تونس حتى إشعار آخر، وذلك بعد تصريحات للرئيس التونسي قيس سعيد هاجم فيها المهاجرين غير النظاميين في بلاده، وتسبب في هجمات على مهاجرين أفارقة في البلاد.

وقال الرئيس السابق للبنك آنذاك ديفيد مالباس في مذكرة بعثها إلى الموظفين إن خطاب قيس سعيد تسبب في مضايقات بدوافع عنصرية وحتى حوادث عنف، وإن المؤسسة أرجأت اجتماعاً كان مبرمجاً مع تونس حتى تنتهي من تقييم الوضع.
في المقابل عبرت تونس عن رفضها الاتهامات الموجهة إليها والتي وصفتها بـ”العنصرية” ضد المهاجرين الأفارقة، معلنة عن قرارات لتسهيل إقامتهم في البلاد، إذ قالت الرئاسة التونسية في بيان إنها “تعبر عن استغرابها من هذه الحملة المعروفة مصادرها والمتعلقة بالعنصرية المزعومة في تونس”، مضيفاً أن “الرئاسة ترفض هذا الاتهام للدولة التونسية وهي من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية التي تحولت في ما بعد إلى الاتحاد الأفريقي، والتي ساندت كل حركات التحرير الوطني في العالم وليس أقلها حركات التحرير الوطني في أفريقيا”.

البنك الدولي أهم داعم لتونس

ويرى المتخصص المالي بسام النيفر أن “البنك الدولي يظل من أهم الداعمين والمانحين لتونس، إذ إن البلاد برمجت ضمن موازنة العام الحالي الحصول على تمويلات من البنك الدولي بقيمة 1220 مليون دينار (406 ملايين دولار)”.

وأضاف في تصريحات لـ”اندبندنت عربية” أن هذه التمويلات ستكون ضمن برنامج الشراكة الجديد بين تونس ومجموعة الدولي المنتظر التوقيع عليه بعد موافقة المجلس التنفيذي للبنك في منتصف الشهر الجاري.

وتكمن أهمية برنامج اتفاق الشراكة القطرية بين الجانبين في أن البنك الدولي يمول مشاريع البنية التحتية على أن تمول تونس مشاريع القطاع الخاص، من أجل جلب القطاع الخاص إلى هذه المشاريع بطريقة تحدث ديناميكية استثمارية بإمكانها تنشيط عجلة الاستثمار الخاص في البلاد بالتالي خلق مواطن شغل جديدة.

وتابع النيفر أن “بإمكان تونس تسجيل نسب نمو محترمة من خلال برامج التنمية المستدامة شريطة أن تحسن الحكومة توظيف التوجه الجديد للبنك الدولي في السنوات الأخيرة من خلال تمويله الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق، وهي مجالات بإمكان تونس أن تحقق فيها نتائج مهمة مما ينعكس إيجابياً على تحقيق نسب نمو مهمة.

 والمساهمة أيضاً في تنويع أسس الاقتصاد التونسي ومسايرة المسالك الجديدة للاقتصاد العالمي، الذي صار يعول أكثر من أي وقت مضى على الاقتصاد الأخضر المرتكز على الطاقات المتجددة والأنشطة الصديقة للبيئة.

شراكة مهمة

من جانب آخر أكد النيفر أن البنك الدولي أضحى في السنوات الأخيرة يمول مشاريع التنمية الاجتماعية، مذكراً بأن تونس تحصلت العام الماضي على قرض بقيمة 400 مليون دولار لتمويل برنامج الأمان الاجتماعي بخاصة في باب التحويلات الاجتماعية بصرف مساعدات مالية مباشرة للعائلات المعوزة ومحدودة الدخل.

ولفت إلى أن البرنامج الاجتماعي سيرتبط ببرامج إصلاح منظومة الدعم، مفسراً في هذا الإطار أن سياسة التحويلات الاجتماعية ستساعد تونس على ترشيد منظومة الدعم بتوجيهه نحو الفئات المستحقة وإضفاء نجاعة أكثر على مسالف الدعم بخاصة دعم المواد الغذائية.

ورجح بسام النيفر أنه في حال موافقة البنك الدولي على برنامج الشراكة الجديد للسنوات الخمس المقبلة مع تونس سينهض بعديد من المحاور في الاقتصاد التونسي، ومن أهمها محور الاقتصاد الأخضر ودعم التنمية الاجتماعية وإصلاح موضوعي لمنظومة الدعم.

اتفاق مع صندوق النقد أمر حتمي

وتوقع أستاذ الاقتصاد والتصرف بالجامعة التونسية عبدالرحمن اللاحقة، أن يصادق البنك الدولي على إطار الشراكة القطرية الجديد مع تونس لضبط مجالات التعاون للسنوات الخمس المقبلة في ميادين البنية التحتية والبيئة والحماية الاجتماعية وتحسين بيئة الأعمال ومساعدة الشركات الصغيرة. وأضاف أن “هذا الاتفاق مهم للغاية لتونس باعتباره سيحدد أطر التعاون والشراكة الجديدين بين تونس والبنك الدولي”، مشيراً إلى أن هذه “الشراكة تدعم تونس في التواصل مع مختلف المؤسسات المالية وبقية المانحين الدوليين لمعرفة توجهات تونس الاقتصادية في السنوات الخمس المقبلة”.

لكن المتحدث توقف عند نقطة في غاية من الأهمية تتمثل في أنه في حال موافقة البنك الدولي على إطار الشراكة الجديد مع تونس فإن ذلك يعني ضرورة توصل تونس إلى اتفاق أيضاً مع صندوق النقد الدولي، موضحاً أن “هناك علاقة عضوية بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في معالجة الملفات”.

كما أبرز عبدالرحمن اللاحقة أن هناك حدوداً لتونس في حصولها على القروض والتمويلات من البنك الدولي، لافتاً إلى أن تونس قد تصل إلى سقف معين من المساعدات لا يمكن تجاوزه، مؤكداً أن الطرفين سيتوصلان في منتصف الشهر الجاري إلى اتفاق، مستدركاً “لكن يظل بلوغ تونس اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي أمراً ضرورياً”.




Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى