عالمي

هل نتوقع مزيدا من اضطراب السياسة النقدية مع خلخلة “الفيدرالي”؟

أعلنت المحافظة في مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أدريانا كوغلر استقالتها من منصبها لمجلس المحافظين في البنك المركزي، مما فتح الباب أمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتعيين محافظ مكانها موالٍ له ويتفق معه في ضرورة الإسراع بخفض أسعار الفائدة.

وكوغلر عضو في لجنة السوق المفتوحة بالبنك المركزي التي تحدد السياسة النقدية للولايات المتحدة خلال اجتماعاتها الدورية بإقرار سعر الفائدة الأساس، ولها حق التصويت الدائم على قرارات اللجنة، وعلى رغم أنها لم تعلن سبب استقالتها، سوى أنها ذكرت في رسالتها إلى ترمب أنها تنوي العودة للتدريس في جامعة “جورجتاون”، فإن الرئيس سارع قائلاً “استقالت لاختلافها مع جيروم باول في شأن السياسة النقدية”.

لكن أدريانا كوغلر لم تكُن حاضرة خلال اجتماع لجنة السوق المفتوحة هذا الأسبوع، بالتالي فهي لم تناقش ولم تصوت على قرار “الفيدرالي” الإبقاء على سعر الفائدة كما هو من دون تغيير.

وتنتهي مدة عضو مجلس محافظي البنك في يناير (كانون الثاني) عام 2026، وتعني استقالتها أنها لن تستمر في منصبها ضمن مجلس المحافظين للبنك المركزي.

وجاءت استقالة كوغلر عقب انشقاق اثنين من محافظي البنك المركزي ممن لهم حق التصويت في لجنة السوق المفتوحة في سابقة لم تحدث منذ ثلاثة عقود، لتترك تلك التطورات الأسواق والمستثمرين أمام فترة من عدم اليقين في شأن السياسة النقدية ومستقبل أسعار الفائدة وربما الاضطراب أكثر في سعر صرف الدولار بسبب هذه “الخلخلة” داخل “الفيدرالي”.

لماذا الاستقالة والانشقاقات؟

وكان الرئيس السابق جو بايدن عيّن كوغلر في مجلس المحافظين عام 2023 مكان لايل برينارد التي تولت منصباً استشارياً في إدارته.

وباستقالة كوغلر ستكون أمام ترمب فرصة تعيين محافظ جديد يختاره مناسباً له، وبذلك يصبح من عيّنهم ترمب في مجلس المحافظين، المكون من سبعة أعضاء، ثلاثة بعدما عين خلال فترة رئاسته السابقة العضوين اللذين أعلنا الانشقاق بعد قرار الفائدة الأربعاء الماضي، وهما كرستوفر واللر ونائبة رئيس “الفيدرالي” لشؤون المراقبة ميشيل باومان، وأصدر المحافظان بيانين منفصلين بعد اجتماع لجنة السوق المفتوحة نشرا على موقع “الفيدرالي”.

واعترض العضوان خلال بيانيهما على إبقاء سعر الفائدة في نطاق 4.25 – 4.5 في المئة منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، واعتبرا أن طريقة “لننتظر ونرَ” والإبقاء على أسعار الفائدة كما هي عليه يشكلان أخطاراً على الاقتصاد.

وكان تصويت اللجنة جاء لمصلحة عدم تغيير سعر الفائدة بنسبة تسعة موافقين إلى صوتين ضد القرار، ومع أن قرارات اللجنة تبدو دائماً وكأنها تتخذ بالإجماع، إلا أنه غالباً ما تكون هناك أصوات معترضة.

وفي معظم الأوقات تأتي الاعتراضات على قرارات السياسة النقدية من رؤساء بنوك الاحتياط للولايات، ونادراً ما ينشق أكثر من عضو من أعضاء اللجنة ممن لهم حق التصويت الدائم (مجلس المحافظين والرئيس)، وكان آخر انشقاق مماثل عام 1993.

وجاء ضمن بيان كريستوفر واللر المنشور على موقع “الفيدرالي” أنه “ليست هناك مشكلة في اختلاف الآراء حول تفسير المعلومات واستخدام الحجج الاقتصادية المختلفة لتوقع كيف تؤثر التعريفة الجمركية في الاقتصاد”، مستدركاً “لكنني أعتقد بأن منهج لننتظر ونرَ مبالغ فيه وأنه في تصوري لا يوازن تماماً ما بين الأخطار في النظرة المستقبلية ويمكن أن يؤدي إلى تأخر السياسة عن منحى التقدم”.

أما باومان، فذكرت في بيانها أنه “مع احتمال أن يكون الارتفاع نتيجة فرض التعريفة الجمركية مجرد مرة واحدة، فمن المهم النظر إلى بيانات التضخم المرتفع على أنها موقتة، وأعتقد بأن خطر التأخر في خفض الفائدة قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في سوق العمل ومزيد من تباطؤ النمو الاقتصادي”.

ما بين الاستقلالية والتسييس للسياسة النقدية

وعلى رغم أن ميشيل باومان صوتت خلال الاجتماعات السابقة لمصلحة الإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير، فإنها صوتت هذه المرة ضد القرار وكانت ترغب في خفض سعر الفائدة ربع نقطة مئوية (0.25 في المئة) إلى نطاق 4 – 4.25 في المئة، كما أنها تعرف أيضاً بأنها من فريق “الصقور” ضمن “الفيدرالي” ولجنة السوق المفتوحة.

أما كريسوفر واللر، فهو معروف بانتقاده لسياسة البنك المركزي حول الفائدة أخيراً، وكثيراً ما كرر خلال المؤتمرات والندوات أن تأثير التعريفة الجمركية في معدلات التضخم سيكون “محدوداً وموقتاً”.

يشار إلى أن واللر ضمن قائمة قصيرة من الأسماء التي تفيد التقارير بأن ترمب ينظر فيها لاختيار خليفة لرئيس “الفيدرالي” الحالي جيروم باول حين تنتهي مدة ولايته في مايو (أيار) عام 2026.

وبما أن ترمب كان عيّن واللر وباومان خلال فترة رئاسته الأولى، فإن بعض المعلقين يرى أن هناك توجهاً فعلياً نحو عملية “تسييس” للبنك المركزي ومسار السياسة النقدية، خصوصاً أن ترمب يكرر باستمرار انتقاداته لرئيس “الفيدرالي”، مطالباً بخفض سعر الفائدة فوراً وبقوة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، يحذر كثرٌ من أن تسييس البنك المركزي يحمل أخطاراً ليس حيال استقلاليته وحسب، وإنما أيضاً على ثقة الأسواق وقيمة الدولار كعملة احتياط عالمية، فخلال مقابلة مع الإذاعة الوطنية الأميركية يقول المؤرخ وأستاذ القانون بيتر كونتي براون “على رغم منطقية اختلاف وجهات النظر في شأن تفسير البيانات والتوقعات، فإن انشقاق واللر وباومان والإعلان عن ذلك بصورة غير مسبوقة منذ عام 1993 يأتي في سياق التسييس”.

ويرى براون أن المحافظ واللر واضح تماماً في أنه يريد منصب رئيس “الفيدرالي”، ويعلم أن ترمب سيستغل هذا الانشقاق في صراعه مع جيروم باول، لكنه يحذر من أنه “إذا رأى المتعاملون في السوق في أميركا والعالم أن ’الفيدرالي‘ يتحرك بتلك الصورة (تحريك سعر الفائدة إرضاء لرغبة الرئيس الحالي)، فإن ذلك سيكون نهاية استقرار الدولار”.

ما فرص ترمب من الاستقالة والانشقاق؟

في كل الأحوال، فإن ترمب مستفيد من الاستقالة والانشقاق لتعزيز نفوذه على البنك المركزي والدفع مجدداً باتجاه خفض سعر الفائدة، إنما في الأغلب الأعم يصعب توقع أن ينال الرئيس من استقلالية “الفيدرالي”،  فعلى رغم تكرار التسريبات التي تشير إلى اعتزامه إقالة باول، يكتفي ترمب بأن يطالبه بالاستقالة وسط شتائم واتهامات بأنه “يتخلف عن الركب” بعدم خفض سعر الفائدة.

كذلك فإن ترمب يريد خفض سعر الفائدة نحو ثلاثة في المئة لتصبح أقل من نسبة اثنين في المئة، إلا أن الموالين له مثل واللر وباومان لا يتفقان مع هذا النهج، ويرغب كلاهما في الخفض التدريجي لأسعار الفائدة، ربما خلال اجتماع سبتمبر (أيلول) المقبل وبنسبة ربع نقطة أو نصف نقطة في الأكثر كل مرة، على أن تصل عملية الخفض إلى الخفض بنسبة 1.5 في المئة، أي نصف النسبة التي يريدها ترمب.

ومع ذلك، تظل وجهة نظر غالبية مسؤولي “الفيدرالي” أن التأثير النهائي لفرض التعريفة الجمركية والسياسات المالية للحكومة لم تظهر بعد حجة منطقية بالنسبة إلى كثير من الاقتصاديين، وربما لا تظهر تلك الآثار بصورة واضحة بحلول الشهر المقبل، وقد يكون على الجميع الانتظار حتى قرب نهاية العام لمعرفة تأثير التعريفة الجمركية، خصوصاً أن سياسات ترمب في ما يتعلق بقرارات التعريفة الجمركية ليست ثابتة وغير واضحة وغالباً ما تتغير بالتأجيل أو الرفع والخفض.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى