عالمي

هل تنافس الصناديق الاجتماعية التونسية المصارف في منح القروض؟

يتردد أحمد الرايس يومياً على مقر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في العاصمة تونس لمعرفة مصير طلبه بالحصول على قرض من هذا الصندوق يغنيه عن التوجه إلى مصرفه الذي يفرض شروطاً مجحفة وبنسب فائدة مشطة.

وعن ذلك أوضح الرايس، الموظف في إحدى الوزارات التونسية أنه يستغل فترة الراحة من عمله للتحول إلى المقر الرئيس لصندوق الضمان الاجتماعي لعله يتلقى رداً إيجابياً يحصل بموجبه على قرض بقيمة 10 آلاف دينار (3200 دولار) لتلبية حاجاته.

ليس الرايس الوحيد، بل إن مئات المواطنين يترددون على مختلف فروع الصناديق الاجتماعية، بعد إعلان وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، العام الماضي، عودة الصناديق لمنح قروض ميسرة وبنسب فائدة ثابتة.

وفي ظل ارتفاع مستويات التضخم في تونس التي وصلت إلى ثمانية في المئة وغلاء مستوى المعيشة، استحسن المواطنون هذه المبادرة في خطوة لتخفيف الضغوط عليهم، بعدما فرضت المصارف التونسية منذ أعوام عدة شروطاً مجحفة وأسعار فائدة مرتفعة وصلت إلى 13 في المئة للحصول على تمويل.

ثمار الإصلاحات

إلى ذلك، أعلن الزاهي في وقت سابق أن المبالغ الجديدة للقروض الشخصية التي يمنحها الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية بداية من فبراير (شباط) المقبل 2024 ستصل إلى 25 ألف دينار (ثمانية آلاف دولار) على أن يتم تسديدها في غضون ثلاثة أعوام بنسبة فائدة منخفضة، ستحدد لاحقاً والأهم أنها بعيدة كل البعد من نسب الفائدة المعمول بها في القطاع البنكي.

في غضون ذلك، علمت “اندبندنت عربية” من مصادر رسمية أن نسبة الفائدة الثابتة للقروض الميسرة ستكون في حدود 8.25 في المئة، وهي نسبة أقل من النسب التي تعتمدها المصارف التونسية، وأيضاً سيخصص قرض خاص باقتناء سيارة بقيمة 50 ألف دينار (16 ألف دولار) يسدد على خمس أعوام، علاوة على قرض مخصص لاقتناء منزل ستصل قيمته إلى 100 ألف دينار (32.2 ألف دولار) بعد تنقيح القانون، وقد تصل فترة سداده إلى مدة تراوح ما بين 10 أو 15 أو 20 سنة بحسب اختيار المنتفع وستكون قيمته قادرة مع مراعاة الظرف الاجتماعي للطبقة الوسطى.

وأوضح الوزير التونسي في تصريحات إعلامية أن “قرار زيادة قيمة القروض المخصصة ناتج من الإصلاحات المنفذة لتخفيف العجز عن صناديق الضمان الاجتماعي التي تسلك طريقها نحو التعافي والعودة لمجدها”، مشيراً إلى أن “القرار يندرج في إطار ما أعلن عنه رئيس الجمهورية وهو إعادة الدور الاجتماعي للدولة”.

وعانت الصناديق الاجتماعية في تونس لعقود عدة أزمات مالية متتالية وأزمة سيولة أثرت في أداء الصندوق في التأمين على المرض وإجراءات استرداد مصاريف العلاج الزهيدة.

وكأحد الحلول لجأت تونس إلى رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 سنة بالنسبة إلى أعضاء صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية (موظفو الوزارات) في انتظار تعميم القرار على أعضاء صندوق الضمان الاجتماعي (الشركات الحكومية والقطاع الخاص).

موقف شعبي ضد المصارف

وتفاعلاً مع عزم الصناديق الاجتماعية إسناد القروض ورفع قيمتها، اعتبر المحلل المالي بسام النيفر أن القروض المقدمة من مؤسسات الضمان الاجتماعي تعكس السياسة الاجتماعية للدولة، وأضاف أن وثيقة إطار تنفيذ موازنة الدولة خلال الفترة 2024/2026 تكشف عن أن الحكومة لن تطبق اتفاق فبراير 2021 الموقع مع الاتحاد العام التونسي للشغل في شأن زيادة الأجور، مفسراً أنه “بمعنى آخر الحكومة لن ترفع أجور الموظفين حتى مطلع عام 2025”.

وأشار إلى أنه “في المقابل ستراجع الحكومة سلم الأجور لتحقيق العدالة الضريبية بين الموظفين بتحسين أجور الموظفين الأقل أجراً”، لافتاً إلى أن “ذلك يأتي في ظل موقف شعبي مناهض لسياسة المصارف تبنته السلطة في الاعتراف بوجود إشكال الوصول إلى القروض البنكية”، موضحاً أنه “في إطار سياستها الاجتماعية تعمل الحكومة على تيسير الحصول على القروض البنكية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع النيفر أن أحد الحلول لتلك الأزمة هو منح الصناديق الاجتماعية ضوءاً أخضر لاستئناف منح قروض لموظفي القطاعين الحكومي والخاص، مشيراً إلى أن هناك بنوكاً حكومية تنكب تقريباً على حل إشكاليات الشركات الحكومية وصندوق الودائع والأمانات المتخصص في الشركات والاستثمار وأيضاً الصناديق الاجتماعية صارت تمنح قرض سكن أو قرضاً لشراء سيارة أو حتى قرضاً استهلاكياً للموظفين بنسب فائدة معقولة.

مزايا

وقال النيفر “في المقابل، هناك شروط للحصول على قروض صندوقي الضمان الاجتماعي، أبرزها أن الأشخاص المؤهلين للحصول على القروض ممن يدفعون أقساطهم في الصناديق الاجتماعية بانتظام،” مشيراً إلى أن العاملين الأشخاص في القطاع غير الرسمي سيضطرون إلى الانضمام إلى الصناديق الاجتماعية ودفع رسوم الاشتراك لكي يتمتعوا لاحقاً بهذه القروض الميسرة. ولفت إلى أن نسب الفائدة التي ستعتمدها الصناديق الاجتماعية عند منح القروض ستضمن لها المردودية المالية والحفاظ على توازناتها المالية، خصوصاً مع اعتماد نسب فائدة أقل من تلك التي تعتمدها المصارف.

ورجح النيفر أن نسبة الفائدة التي قد تعتمدها الصناديق الاجتماعية ستكون في حدود ثمانية في المئة لقرض السكن، مقابل أكثر من 10 في المئة في البنوك أما قروض الاستهلاك، فقد تراوح ما بين ستة وسبعة في المئة مقابل أكثر من 10 في المئة تفرضها البنوك.

وحول منافسة الصناديق الاجتماعية للمصارف في منح القروض، قال المحلل المالي إن “إجمالي القروض البنكية عام 2023 لم يتطور بصورة كبيرة، مما يعني أن المصارف التونسية لا تمنح القروض بالصورة المطلوبة وليس هناك طلب من الأفراد”، مضيفاً أن “المصارف ستستمر في منح القروض للشركات الخاصة وإقراض الدولة، مما يعني أن الطلب البنكي مرتفع مقارنة بالعرض” ومؤكداً أن “المصارف لن تتأثر بمسألة منح الصناديق الاجتماعية لقروض بنسب فائدة معقولة”.

بدائل أخرى

إلى ذلك، يعتقد أحمد الرايس بأن اللجوء إلى صندوقي الضمان الاجتماعي للحصول على قرض ميسّر يعد حلاً بديلاً عن المصارف التي صارت تتشدد أكثر من أي وقت مضى في إقراض الموظفين وبنسب فائدة باتت غير مقبولة بالمرة.

ولاحظ الموظف الأربعيني الأب لطفلة أن متطلبات الحياة زادت بصورة كبيرة في ظل غلاء المعيشة وارتفاع أسعار جميع المستلزمات من مواد غذائية واستهلاكية ومصاريف يومية فرضت عليه أن يكون عميلاً وفياً للبنوك.

في غضون ذلك، أجمع عدد من المواطنين على أن قرار منح الصناديق الاجتماعية قروضاً ميسرة هو بمثابة بشرى سارة لعموم التونسيين، خصوصاً الموظفين منهم لإيجاد بدائل لاقتناء سيارة أو مسكن.

إنهاء تغول البنوك

من جانبه، شدد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) لطفي الرياحي على أن “هذا الإجراء من شأنه أن ينهي تغول البنوك التونسية التي تفرض شروطاً مجحفة عند إسناد القروض”، مؤكداً أنه ليست هناك رقابة على المصارف التي انتعشت كثيراً بفضل زيادة نسب الفائدة، مما انعكس على كلفة القرض الذي بلغ مستويات كبيرة، وصلت إلى 13 في المئة.

تشويش على المصارف

أما أستاذ الاقتصاد في “الجامعة التونسية” معز السوسي، فرأى أن السماح للصناديق الاجتماعية منح قروض أمر خاطئ وغير طبيعي بالمرة لمؤسسات حكومية تمر بضائقة مالية كبيرة جداً، موضحاً أن “الصناديق الاجتماعية من أكثر الشركات الحكومية مديونية في البلاد”، وتساءل عن مصدر الموارد المالية التي ستقرضها للموظفين. وشدد السوسي على أن الصناديق الاجتماعية لا يمكن أن تقرض أعضاءها بنسب فائدة أقل من نسب الفائدة المعمول بها في السوق النقدية في البلاد، لافتاً إلى أن المصارف متخصصة في الإقراض، إذ إنها تطبق المعايير والسياسات الحذرة التي يفرضها البنك المركزي التونسي، إضافة إلى أنها على دراية بالأخطار المحيطة بوضعية العميل، واعتبر أن عودة الصناديق الاجتماعية التي تعرف قوائمها المالية اختلالات كبيرة، لمنح قروض للموظفين، يُعد “تشويشاً” على عمل المصارف.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى