عالمي

هل تفقد “التأشيرة الذهبية” بريقها في أوروبا؟

تواجه خطط الاستثمار مقابل الإقامة تدقيقاً متزايداً في أوروبا، لذلك يسارع المشترون الأجانب وخصوصاً من الصين لدخول القارة العجوز لشراء العقارات في ظل توجه دولها لإنهاء برنامج “الإقامة الذهبية” مع تنامي الغضب منه، لا سيما مع تسببه في ارتفاع كبير بأسعار المساكن.

في صباح يوم ثلاثاء مشمس ببلدة غراندولا، على بعد ساعة ونصف الساعة جنوب لشبونة، تسابق ساندي تشين، وهي متقاعدة من تيانجين في شمال الصين، الوقت للعثور على عقار قبل أن تغلق البرتغال الباب أمام برنامج يقدم الإقامة ومساراً للحصول على الجنسية للأجانب الراغبين في الاستثمار بالبلاد.

في عام 2021 ضيقت البرتغال، بحسب “بلومبيرغ”، القيود المفروضة على مخطط “التأشيرة الذهبية” الذي تبلغ مدته 11 عاماً للأشخاص الذين يستثمرون 350 ألف يورو (386.1 ألف دولار) بمجرد شراء منزل، ويقضون ما لا يقل عن سبعة أيام في السنة بالبلاد. 

قبل شهرين، ووسط الاستياء المتزايد من ارتفاع أسعار المساكن، أشارت الحكومة البرتغالية إلى أنها ستنهي البرنامج بمجرد مناقشة البرلمان وإقرار التشريع المنقح، ربما خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بحسب “بلومبيرغ”، لكن إذا وقعت تشين عقداً وقدمت طلبها قبل تصويت المشرعين فقد تظل تحصل على تأشيرة تسمح لها بالعيش والسفر بحرية في الاتحاد الأوروبي.

كانت البرتغال وما لا يقل عن 10 دول أوروبية أخرى قد سعت في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 إلى سد العجز في الميزانية ببرامج الإقامة للبيع، لكن مع عدم وجود قواعد على مستوى الاتحاد الأوروبي اختلفت متطلبات الأهلية بشكل كبير، فالحد الأدنى للاستثمار يبدأ من 50 ألف يورو (55.1 ألف دولار) في لاتفيا، و1.2 مليون يورو (1.3 مليون دولار) في هولندا.

وفي المقابل عادة ما يعيش المستثمرون ويعملون في الدولة لمدة ثلاث إلى خمس سنوات، ثم يسمح لهم بعد ذلك بتقديم طلب للحصول على الجنسية. 

وكان الاتحاد الأوروبي قد مارس ضغوطاً طويلة على الحكومات لإنهاء مخططات التأشيرات الذهبية على أساس أنها مناهضة للديمقراطية، ويمكن أن تكون بمثابة وسيلة لدخول الأموال القذرة إلى المنطقة.

وقال مفوض الاتحاد الأوروبي للعدالة والمستهلكين ديدييه رايندرز العام الماضي “القيم الأوروبية ليست للبيع”. واليوم ومع عودة معظم الدول الأوروبية إلى أسس مالية مستقرة ومواجهة معارضة محلية متزايدة للفكرة أصبحت بعض الأماكن الشعبية للمتقدمين أقل ترحيباً، إذ أغلقت إيرلندا مخططها في 15 فبراير (شباط) الماضي. 

وتقول اليونان إنها ستضاعف عتبة الاستثمار لديها إلى 500 ألف يورو (551.9 ألف دولار) في مواقع رئيسة عدة بما في ذلك أثينا، في حين أنه ومع انتهاء البرامج البرتغالية والإيرلندية يقول مستشارو الهجرة إن هناك زيادة في الاهتمام باليونان وإسبانيا.

الصينيون الأكثر استفادة 

تقول “بلومبيرغ” إنه يصعب الحصول على إحصاءات على مستوى أوروبا، لكن الأدلة المتاحة تشير إلى أن غالبية الأشخاص الذين يستفيدون من البرامج هم من الصين، إذ منحت إيرلندا حق الإقامة مقابل استثمار بقيمة 500 ألف يورو (551.9 ألف دولار) للمشترين بثروة شخصية لا تقل عن مليوني يورو (2.2 مليون دولار)، ويمثل المواطنون الصينيون أكثر من 90 في المئة من 1727 طلباً تمت الموافقة عليها منذ عام 2012.

وفي اليونان يمثل الصينيون ما يقرب من 60 في المئة من 12818 تأشيرة ذهبية خلال العقد الماضي، وفي البرتغال يقرب الرقم من نصف عدد التصاريح الممنوحة منذ عام 2012 والبالغ 11758 تصريحاً.

وقبل الحرب الروسية على أوكرانيا العام الماضي، تقدم عديد من الروس بطلبات، وارتفع عدد الأميركيين الذين يسعون إلى الحصول على التأشيرات خلال السنوات الأخيرة.

ارتفاع أسعار العقارات

كما جلبت البرامج أموالاً إلى أسواق العقارات الأوروبية بنحو 3.5 مليار يورو (3.8 مليار دولار) سنوياً من 2016 إلى 2019، وفقاً للبرلمان الأوروبي.

وفي البرتغال تم تصميم مراجعة القانون لعام 2015 لتحفيز التحسينات على مخزون الإسكان من خلال تقليل عتبة الاستثمار بمقدار الثلث لمقدمي الطلبات الذين يشترون منزلاً بحاجة إلى تجديد، وكان هذا سبباً كبيراً لكون أربعة من العقارات التي كان من المقرر أن تقضيها تشين في البرتغال تزيد على 30 عاماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي لشبونة كانت هذه السياسات جنباً إلى جنب مع رفع ضوابط الإيجار وحملة قوية لجذب السياح نحو “كاس دو سودري” التي كانت ذات يوم منطقة شجاعة على الواجهة البحرية من الشوارع الضيقة التي تصطف على جانبيها بيوت الدعارة، وتفيض الآن بالفنادق والإيجارات قصيرة الأجل والمطاعم الذواقة والبوتيكات الفاخرة، وعلى طول الشريان الرئيس تم تحويل سوق للأسماك والمزارعين عمره 133 عاماً إلى قاعة طعام تجذب ما يقدر بنحو أربعة ملايين زائر سنوياً. 

في حين أدى ارتفاع أسعار المنازل إلى تغذية التصورات بأن حاملي التأشيرات الذهبية الأثرياء قد جعلوا أسعارهم أقل من المقيمين، ففي لشبونة تضاعف متوسط كلفة العقارات السكنية ثلاث مرات منذ عام 2015 وفقاً لموقع عقاري” إيداليستا”.

كما أظهرت بيانات حكومية أن متوسط أسعار المساكن في أثينا قفز بنسبة 48 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، في حين تقول الحكومة الإيرلندية إنها ارتفعت في دبلن بنسبة 130 في المئة منذ عام 2012.

احتجاجات شعبية 

أثار ارتفاع الأسعار احتجاجات، إذ أعرب المتظاهرون عن مظالمهم في شأن برامج التأشيرات الذهبية إلى جانب معارضتهم التحسين والإيجارات والافتقار إلى المساكن بأسعار معقولة.

في لشبونة خرج المئات إلى الشوارع في الأول من أبريل (نيسان) ورشقوا الشرطة بالحجارة والزجاجات. وفي أثينا كانت التظاهرات ضد التحسين والمضاربة العقارية جزءاً لا يتجزأ من المشهد الحضري منذ عام 2019، عندما تولت السلطة حكومة ينظر إليها على أنها مواتية للمستثمرين الأجانب. 

وكان هناك رد فعل عنيف حتى في البلدان التي تمنح عدداً قليلاً نسبياً من هذه التأشيرات. إسبانيا، حيث يمكن الحصول على الجنسية مقابل 500 ألف يورو (551.9 ألف دولار) وإقامة لمدة 10 سنوات، وأصدرت 136 تأشيرة ذهبية فقط في عام 2022، ومع ذلك فليس من غير المعتاد سماع تذمر من تأثيرها في سوق الإسكان.

زعيم الحزب السياسي الإسباني “ماس بايس” نيغو إيريجون قال لـ”كادينا سير”‏ الشبكة الإذاعية الأولى بإسبانيا في فبراير (شباط) الماضي “من السهل على بعض السادة القدوم وطلب تصريح إقامة وشراء منزل بنصف مليون يورو (551.9 مليون دولار)”. أضاف “يبدو الأمر شبه استعماري”.

التأشيرات الذهبية وقيمة العقارات 

مع ذلك، تشير بيانات السوق إلى أن التأشيرات الذهبية لها تأثير ضئيل في قيمة العقارات، ففي إيرلندا يتم إصدار بضع مئات من التأشيرات كل عام، في سوق شهدت 60 ألف معاملة سكنية في عام 2022.

يقول أستاذ الاقتصاد في كلية “ترينيتي” في دبلن رونان ليونز “كان للمخطط تأثير ضئيل للغاية، حيث تمثل العقارات التي تم شراؤها عبر برنامج البرتغال ما يقرب من 0.3 في المئة من المعاملات العقارية السنوية بالبلاد والبالغ عددها 300 ألف معاملة، وفقاً لشركة (إيجينسي) للوساطة العقارية، في حين يقول الشريك الإداري لمكتب الشركة في البرتغال أيريس نيتو هذا لا يكفي للتأثير في أي شيء”. 

في حين يرى الأشخاص الذين يعملون مع البرامج أن أي رد فعل عنيف سيكون موقتاً، إذ يقول مؤسس شركة خدمات المواطنة عن طريق الاستثمار “أبيكس كابيتال بارتنرز” نوري كاتز، إن البلدان في جميع أنحاء العالم شهدت منذ فترة طويلة فائدة جذب المهاجرين المهرة والأثرياء الراغبين في تمويل أعمال جديدة. وأضاف “من غير المرجح أن يتغير هذا، بينما قد يتم إصلاحها لا إنهاؤها”.




Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى