عالمي

هل تتجه الأسواق لاستبدال الدولار وسط زيادة الطلب على العملات الأخرى؟

تسارع كثير من الدول حول العالم إلى استبدال الدولار في احتياطياتها من النقد الأجنبي بالذهب، مع زيادة وتيرة التحول بعيداً عن العملة الأميركية كعملة احتياط دولية. ونشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تحليلاً حول مخاطر تحول الدول النفطية إلى تسعير النفط بغير الدولار، باعتبار تلك الخطوة قد تكون حاسمة في إقصاء العملة الأميركية عن عرش الهيمنة العالمية.

يهيمن الدولار الأميركي على التجارة الدولية ويستخدم كعملة احتياط عالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن فترة الاضطراب في النظام العالمي حالياً أعادت الحديث بقوة حول التخلي عن الدولار في التعاملات الدولية، بحسب الصحيفة. وتشتري البنوك المركزية في دول من الصين إلى الهند والبرازيل الذهب بكميات كبيرة، أخيراً، لتحل محل الدولار لديها بأسرع وتيرة على الإطلاق منذ منتصف القرن الماضي.

وبحسب الصحيفة، يبدو ذلك تصرفاً منطقياً بخاصة بعد ما جمدت الولايات المتحدة 300 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية الروسية بعد الحرب في أوكرانيا، وذلك ببساطة لأن تلك الاحتياطيات كانت بالدولار الأميركي. وأدى ذلك إلى اتهامات متزايدة باستخدام الدولار كسلاح، ومن الطبيعي أن وجود الذهب في خزائن البنوك المركزية أكثر أماناً من الدولارات.

كما أن تجارة القطاع الخاص التي يهيمن عليها الدولار هي الأخرى في وضع هش بسبب العقوبات الأميركية والغربية. ويظل العامل الحاسم في تخلي العالم عن الدولار هو تسعير السلع الرئيسة في السوق الدولية، مثل النفط وغيره، بعملات أخرى غير الدولار. 

قرار سياسي

يعتمد تسعير السلع بغير الدولار على الإرادة السياسية في المقام الأول. وبحسب “فايننشال تايمز” فإنها متوفرة الآن. فالرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا يطالب الدول النامية بالقيام بذلك بالفعل.

وبحسب الصحيفة، يواجه من يريد التخلي عن الدولار تحدياً يتمثل في هيمنة العملة الأميركية على تسعير الخامات النفطية القياسية مثل برنت وكذلك على عقود النفط المستقبلية. والبديل المتاح هو التسعير باليوان الصيني كما خام القياس في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة. لكن بعض المحللين، مثل كيلي شين وانغفيلد بورغن من بنك “دي أن بي” النرويجي، يرون أن نصيب الخام القياسي المسعر باليوان من سوق التعاملات النفطية الدولية سيرتفع من خمسة في المئة إلى سبعة في المئة إذا قررت دول نفطية تسعير صادراتها للصين باليوان. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكي يتمكن خام القياس المسعر باليوان من جذب المتعاملين بشكل كبير بعيداً عن خام برنت مثلاً، سيحتاج الأمر إلى زيادة عمق السوق الصينية وارتفاع السيولة فيها. وكما يقول كلوديو غاليمبرتي من “ريستاد إنرجي” فإن المصدرين سيراكمون اليوان الذي ما زال غير قابل للتداول بحرية مثل الدولار أو اليورو.

ومع أن خطر تخلي العالم نهائياً عن الدولار يظل بعيد الاحتمال في المستقبل القريب، فإن القرار السياسي لعدد متزايد من الدول باستبعاد التعامل به في كثير من احتياطياتها وتجارتها يشير إلى أن ذلك الاحتمال وارد الآن أكثر من أي وقت مضى. بخاصة مع لجوء الولايات المتحدة المتزايد لاستخدام العملة الخضراء كسلاح، كما حدث في تجميد الأصول مع روسيا والتوسع في العقوبات على روسيا والصين وغيرهما.

تراجع مستمر

وتشهد مكانة الدولار كعملة احتياط دولية وتبادل تجاري أيضاً تراجعاً شديداً وبشكل متسارع بخاصة في العام الأخير. حتى إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرح بضرورة تقليل أوروبا اعتمادها عليه في تعاملاتها الخارجية. وجاءت تصريحات ماكرون في مقابلة صحافية بعد زيارته للصين وفي سياق التأكيد على ألا تبدو أوروبا “تابعة للسياسة الأميركية”.

كانت نسبة الدولار من الاحتياطيات النقدية لدى البنوك المركزية حول العالم لدى طرح العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) عام 1999 عند أكثر من ثلثي الاحتياطيات العالمية (71 في المئة). وقبل عامين، أوضحت أرقام صندوق النقد الدولي في شأن الاحتياطيات الدولية بالعملات الأجنبية تراجع نصيب الدولار من الاحتياطيات النقدية لدى البنوك المركزية حول العالم إلى 59 في المئة في الربع الأخير من عام 2020. وذلك أدنى مستوى له في ربع قرن.

في مذكرة للعملاء من بنك “مورغان ستانلي” الشهر الماضي أشار محلل العملات الشهير ستيف جين إلى التراجع المستمر في دور الدولار العالمي. ووصف فقدان الدولار مكانته كعملة احتياط دولية بأن العملة الأميركية “تعاني من انهيار مدهش”. ويشير إلى أنه مع تعديلات سعر الصرف يكون نصيب الدولار من الاحتياطيات الدولية أصبح أقل من 47 في المئة. في المقابل زاد نصيب اليورو من الاحتياطيات الدولية بنسبة خمسة في المئة، أخيراً.

وبحسب بيانات الشهر الماضي، زاد نصيب العملة الصينية في تمويل التجارة الدولية بأكثر من الضعف بالعام الأخير منذ بدأت حرب أوكرانيا. وأرجع المحللون ذلك إلى زيادة استخدام اليوان بكثافة في تسهيل التجارة مع روسيا نتيجة العقوبات الاقتصادية المشددة المفروضة على موسكو، إلى جانب ارتفاع كلفة التمويل بالدولار الأميركي.

وأشارت بيانات تمويل التجارة من نظام المراسلات المصرفية الدولية “سويفت” المستخدم في المدفوعات ومنصات التمويل الدولية إلى أن نصيب اليوان من تمويل التجارة الدولية ارتفع من أقل من نسبة اثنين في المئة في فبراير (شباط) 2022 إلى نسبة 4.5 في المئة في فبراير الماضي. ومع أن تلك النسبة تظل صغيرة مقارنة بنصيب الدولار الأميركي من تمويل التجارة الدولية، الذي يصل إلى نسبة 84.3 في المئة، فإنها قفزة كبيرة في نصيب اليوان يجعله يقترب من نصيب العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، في تمويل التجارة الدولية. 

وكان نصيب الدولار تراجع العام المنصرم عن نسبة 86.8 في المئة، بينما ظل نصيب اليورو في تمويل التجارة الدولية عند نسبة ستة في المئة. ويعني ذلك أن الزيادة الكبيرة في نصيب اليوان جاءت على حساب نصيب الدولار الأميركي تقريباً.




Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى