عالمي

هل الدينار التونسي أقوى عملة في أفريقيا؟

على رغم أن المشهد الاقتصادي قاتم ووضعية البلاد المالية ليست جيدة، في ظل تسارع وتيرة الاقتراض الخارجي، إلا أن العملة التونسية أظهرت تعافياً نسبياً واحتلت مرتبة جيدة لمدى صلابتها.

فوفقاً لتصنيف أعده موقع “Business Inside Africa”، احتل الدينار التونسي المرتبة الأولى في قائمة أقوى العملات الأفريقية في شهر فبراير (شباط) 2025 متفوقاً على “الدينار الليبي” و”الدرهم المغربي”.

ويبلغ سعر صرف الدينار التونسي بحسب هذا التصنيف، 3.14 دينار لكل دولار أميركي واحد، والدينار الليبي 4.86 دينار لكل دولار أميركي واحد، والدرهم المغربي 9.89 درهم لكل دولار أميركي واحد، بينما جاءت العملة البوتسوانية الـ”بولا” في المرتبة الرابعة بسعر صرف 13.73 بولا لكل دولار أميركي واحد، وبلغ سعر صرف الروبية السيشيلية 14.41 روبية لكل دولار أميركي واحد، بينما احتلت العملة الغانية الـ”سيدي” على المركز السادس بسعر صرف 14.25 سيدي لكل دولار أميركي واحد.

إلى ذلك، فإن الدينار التونسي خلال السنوات الخمس الماضية واصل صموده وتماسكه بصورة لافتة بفضل السياسة النقدية التي اعتمدها البنك المركزي التونسي في إقرار سياسة نقدية حذرة والإبقاء على نسب فائدة رئيسة عالياً (معدل ثمانية في المئة) لتطويق التضخم أعطت نوعاً من الاستقرار للعملة التونسية.

المعايير الحذرة

وتعليقاً على ذلك، قال أستاذ القانون المصرفي محمد النخيلي إن “العملة التونسية تعد أقوى عملة في أفريقيا على رغم الفارق بينها وبين الدولار واليورو”، مرجعاً ذلك إلى المعايير الحذرة التي وضعها البنك المركزي التونسي التي حافظت على قيمة الدينار التونسي.

وأشار إلى أن “المركزي” رفع في نسبة الفائدة المديرية سابقاً، حتى يمتنع التونسي عن الإقبال على القروض الاستهلاكية على رغم أنه يؤثر سلباً في الاستثمار، لافتاً إلى أنه كلما زادت نسبة الفائدة المديرية زاد استقرار الدينار.

تحسن مرض

وبحسب البيانات الصادرة عن “المركزي” أظهر الدينار خلال شهر فبراير (شباط) الماضي تحسناً، في مقابل الدولار الأميركي بنسبة 0.6 في المئة و0.1 في المئة إزاء اليورو.

وخلال الشهرين الأولين من هذا العام، سجلت العملة التونسية تحسناً بمعدل نسبة 1.9 في المئة أمام اليورو ومعدل 1.4 في المئة إزاء العملة الخضراء.

اضطرابات على الدولار

في المقابل، رأى المتخصص المالي بسام النيفر أن الأمر لا يتعلق بقوة العملة التونسية بقدر ما هو مرتبط بالأوضاع المالية وحالة الدولار هذه الفترة. وأوضح أن “البيانات الحالية تشير إلى أنه عند احتساب سعر صرف الدولار على السوق التونسية هي نفسها على السوق العالمية”. وأضاف أنه “في الفترة الأخيرة حدثت اضطرابات في العالم، إذ كانت الأسواق المالية الدولية تنتظر دولاراً قوياً، ولكن ما حدث هو العكس، خصوصاً مع قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ما يخص فرض رسوم جمركية على أكثر من 100 دولة جعلت العملة الخضراء تتراجع في مقابل تطور بقية العملات”.

وأشار النيفر إلى أن تونس أنهت عام 2024 بسعر صرف بـ3.10 دينار للدولار، وحالياً نزل إلى 3.06 دينار دولار، وبالنسبة إلى اليورو أنهى العام الماضي بـ3.38 دينار في مقابل يورو والآن سعر صرف العملتين يعادل 3.36 دينار، مؤكداً على أن العملة التونسية تسير في اتجاه أسواق الصرف العالمية نفسها، وليس له أي تأثير في الصمود أو قوة العملة التونسية.

المقارنة لا تجوز

من جانبه قال المتخصص في الأسواق المالية معز حديدان إن ما يروج له أن العملة التونسية هي الأقوى في القارة الأفريقية، أمر يخالف الواقع، موضحاً أن الأمر يخضع إلى حزمة من المعايير الموضوعية. وأضاف أن مسألة إثبات أن الدينار التونسي الأقوى أفريقياً تقنية بحتة، تحتاج إلى دراسات وبيانات دقيقة وربط حزمة من العوامل والمحددات المالية والاقتصادية لتحديد هذه المسألة من عدمها. وأشار إلى أن بعض العملات يجري احتسابها سواء 10 وحدة على غرار الدرهم المغربي أو 1000 وحدة مثل اليان الياباني، مبرزاً أن يورو واحداً يعادل 3.36 دينار تونسي و10 دراهم مغربية تعادل 3.23 درهم. ولفت إلى أن الدرهم المغربي يعد أقوى بمقدار ثلاث مرات في مقابل الدينار التونسي، مضيفاً أن المقارنة في المطلق بين العملات ليس لها قيمة. وشدد في السياق على أن المقارنة الحقيقية لمعرفة قوة العملات من عدمها يجب أن تطرح على مستوى القدرة الشرائية لأي بلد من خلال تحويل الأجر الأدنى المضمون باليورو وإجراء المقارنة الضرورية.

الدينار يتماسك

وللعام الخامس تسجل العملة التونسية استقراراً أمام أبرز العملات الأجنبية في مقدمها اليورو والدولار، فعلى عكس التوقعات حقق الدينار صموداً أسهم في التخفيف من وطأة وتداعيات الظرف الاقتصادي، لكنه يظل محفوفاً بالأخطار التي لا تزال تحدق باقتصاد تونس.

في الأثناء، أفصحت بيانات البنك المركزي التونسي أن الدينار واصل صموده أمام الهزات المتتالية للاقتصاد الضعيف، بعد سنوات صعبة عصفت به قبل عام 2019.

سلاح نسبة الفائدة

ويعتبر البنك المركزي التونسي في مختلف تحاليله الصادرة عن بيانات مجالس إدارته أن “الانخفاض الكبير للمخزون من العملة الأجنبية خلال عامي 2017 و2018 (من 112 إلى 70 يوم توريد) تزامن مع انخفاض سريع لقيمة الدينار التونسي بنسبة 40 في المئة”.

وتزامن الارتفاع المهم لحجم إعادة التمويل للسوق المالية خلال عامي 2017 و2018 من نحو 6 مليارات دينار (1935 مليون دولار) إلى 17 مليار دينار (5.4 مليار دولار)، مع تسارع انخفاض مخزون العملة الأجنبية إلى أقل من 70 يوم توريد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، تزامن التقليص التدرجي في حجم إعادة المويل للسوق الذي انطلق في عام 2019 مع ارتفاع المخزون من العملة الأجنبية إلى مستوى 160 يوم توريد نهاية عام 2020.

ويرى المركزي التونسي أن رفع سعر الفائدة الرئيس وتقليص حجم إعادة التمويل هما العاملان الأساسيان وراء نجاح البنك المركزي في السيطرة على انخفاض الدينار، وتأمين استقراره منذ عام 2019.

أيضاً أن الارتفاع المهم في نسب الفائدة على الدولار واليورو منذ عام 2022 (5.50 في المئة بالنسبة إلى الدولار حالياً وأربعة في المئة على اليورو) قلص فارق نسب الفائدة مقارنة بالدينار، مما خفض كلفة التغطية وشجع على المضاربة في ظل تراكم التوقعات السلبية للمتعاملين الاقتصاديين.

دور مهم في تقلص العجز الجاري

ورأى حديدان أن “عوامل موضوعية عدة أسهمت بصورة مهمة في استقرار الدينار التونسي، أبرزها تقلص عجز الميزان الجاري إلى أقل من اثنين في المئة في عام 2024”. وأوضح أن جانباً كبيراً من تماسك العملة المحلية التونسية إزاء أهم العملات العالمية يعود لأهمية تحويلات المغتربين التونسيين ولعائدات السياحة بالعملة الأجنبية. وتابع أن تونس في السنوات الماضية كانت تحصل على قروض أجنبية خارجية بالعملات الأجنبية، مما أسهم بدوره في تماسك العملة المحلية وتعزيز رصيد احتياط العملة الأجنبية.

واعتبر أن عملية حصول الحكومة على قروض مباشرة من البنك المركزي التونسي، قد تؤثر سلباً في قيمة الدينار التونسي، لا سيما أن الحكومة ستلجأ إلى الحصول على العملة الأجنبية من البنك المركزي لسداد ديونها الخارجية على أن تعيد في مقابل ذلك بالدينار، لافتاً إلى أن هذا يؤثر في مخزون احتياطي العملة الأجنبية بما سيزيد حقاً الضغط على العملة المحلية.

وخلص حديدان إلى أنه من المهم أن يكون الدينار التونسي قوياً أمام الدولار، خصوصاً من منطلق أن جل المعاملات التجارية على مستوى توريد المواد النفطية والمواد الأساسية وسداد القروض تتم بالدولار، وفي مقابل ذلك شدد على أهمية تحسين مستوى علاقة الدينار باليورو من منطلق أن جل صادرات تونس تتوجه نحو منطقة اليورو.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى