“موديز” تغير النظرة المستقبلية للاقتصاد الأميركي إلى سلبية

ضربة جديدة تلقاها الاقتصاد الأميركي مع تحديث أجرته وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، حين غيرت النظرة المستقبلية لأميركا من مستقرة إلى سلبية، وعزت الوكالة ذلك لارتفاع أسعار الفائدة من دون اتخاذ تدابير لخفض الإنفاق أو زيادة الإيرادات، إذ من المرجح أن يظل العجز المالي كبيراً للغاية مما يضعف القدرة على تحمل الديون بشكل كبير.
بالمقابل، أبقت الوكالة على تصنيف البلاد المرتفع عند “إيه إيه إيه”، وهي أعلى درجة استثمارية، لكن حذرت من إمكان خفض التصنيف بسبب العجز الكبير في الميزانية والاستقطاب السياسي.
تصنيف موديز المرتفع الوحيد
وباتت “موديز” الوحيدة من بين وكالات التصنيف الثلاث الكبرى التي تحافظ على أعلى تصنيف للحكومة الأميركية، وكانت وكالة “فيتش” أحدثت صدمة في أغسطس (آب) الماضي بعد خفضها تصنيف الولايات المتحدة درجة واحدة من “إيه إيه إيه” إلى “إيه إيه+” في أغسطس الماضي في أعقاب المعركة الأخيرة على قانون سقف الدين التي أدت إلى الإطاحة برئيس مجلس النواب، وكانت وكالة “ستاندرد آند بورز” خفضت التصنيف للولايات المتحدة منذ عام 2011 إلى “إيه إيه+” بعد أزمة الكونغرس على سقف الديون في ذلك العام.
ومنذ تحرك “فيتش”، أصيب الكونغرس بالشلل بسبب الفراغ في مقعد رئيس مجلس النواب والأسابيع التي قضاها الجمهوريون في محاولة انتخاب رئيس جديد، وتم تجنب الإغلاق الحكومي في الأيام الأخيرة بعد أن اتفق الجمهوريون والديمقراطيون، وكلها أحداث دفعت “موديز” لوضع سيناريوهات سلبية للولايات المتحدة، إذ قالت إن الاستقطاب السياسي قد يؤدي إلى خفض التصنيف.
ارتفاع عوائد السندات
وعلى الفور بعد صدور تحديث “موديز” قفزت عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ 16 عاماً، إذ أصبحت الأسواق أكثر قلقاً مع زيادة الديون الحكومية وسط توقعات بعوائد مرتفعة على المدى البعيد، وتظهر البيانات الحكومية أن العجز تضاعف فعلياً إلى تريليوني دولار في السنة المالية الأخيرة.
وقالت وكالة “موديز” إن الارتفاع الحاد في عوائد سندات الخزانة “أدى إلى زيادة الضغوط الموجودة مسبقاً على القدرة على تحمل الديون الأميركية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتوقع الوكالة ارتفاع مدفوعات الفائدة الفيدرالية مقارنة بالإيرادات والناتج المحلي الإجمالي إلى حوالى 26 في المئة و4.5 في المئة بحلول عام 2033، على التوالي، من 9.7 في المئة و1.9 في المئة في عام 2022، وقالت الوكالة إن هذه التوقعات تعكس احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل، مع وصول متوسط العائد السنوي على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى حوالى 4.5 في المئة في عام 2024.
وكانت “وول ستريت” مغلقة عند صدور تقرير “موديز” لذا لم يظهر تأثير التخفيض في المؤشرات التي أغلقت جميعها مرتفعة.
رد البيت الأبيض
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، إن تغيير التوقعات كان “نتيجة للتطرف الجمهوري في الكونغرس والخلل الوظيفي”. وفي الوقت نفسه، عارض نائب وزير الخزانة والي أدييمو تغير التوقعات، قائلاً إن الاقتصاد “لا يزال قوياً، وأوراق الخزانة هي الأصول الآمنة والسائلة البارزة في العالم”.
وقال أدييمو، إن إدارة بايدن أظهرت التزامها الاستدامة المالية من خلال ما يزيد على تريليون دولار من إجراءات خفض العجز المدرجة في اتفاق يونيو (حزيران) المبرم مع الكونغرس في شأن رفع حد الدين الأميركي، واقتراح بايدن لخفض العجز بنحو 2.5 تريليون دولار على مدار العقد المقبل.
وقال رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، الذي أمضى أياماً في محادثات مع أعضاء أغلبيته الجمهورية الضئيلة 221 صوتاً مقابل 212 صوتاً في شأن إجراءات موقتة، إن قرار “موديز” يسلط الضوء على فشل ما أسماه “أجندة الإنفاق المتهورة لبايدن”.
وقال في بيان “ديوننا البالغة 33.6 تريليون دولار غير مستدامة وتشكل خطراً على أمننا القومي واقتصادنا… سنقاتل من أجل تنظيم شؤوننا المالية.”
مخاوف المستثمرين
وكان الإنفاق الفيدرالي والاستقطاب السياسي مصدر قلق متزايد للمستثمرين، وقالت وكالة “موديز” إن “استمرار الاستقطاب السياسي” في الكونغرس يزيد من خطر عدم تمكن المشرعين من التوصل إلى توافق حول خطط مالية متعلقة بالديون.
ودعم الديمقراطيون في عهد بايدن مجموعة واسعة من خطط الإنفاق، في حين دفع الجمهوريون بتخفيضات ضريبية حادة في وقت مبكر من رئاسة دونالد ترامب، مما أدى أيضاً إلى زيادة العجز، وارتفع إجمالي الدين الأميركي بنحو 7.9 تريليون دولار خلال سنوات حكم ترمب، ولم يتعامل أي من الحزبين بجدية مع التكاليف المتزايدة لبرامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية التي تمثل شريحة كبيرة من الإنفاق الفيدرالي.
قد يؤدي خفض تصنيف “موديز” إلى تفاقم المخاوف المالية، لكن المستثمرين قالوا إنهم يتشككون في أنه سيكون له تأثير ملموس في سوق السندات الأميركية، التي ينظر إليها على أنها أكثر الملاذات الآمنة بسبب عمقها وسيولتها.
ويأتي قرار “موديز” أيضاً في الوقت الذي شهد فيه بايدن، الذي يسعى لإعادة انتخابه في عام 2024، انخفاضاً حاداً في دعمه في استطلاعات الرأي، وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” أن بايدن يتخلف عن الرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الجمهوري الأبرز، في خمس من الولايات الست الحاسمة، نيفادا وجورجيا وأريزونا وميشيغان وبنسلفانيا، وكان بايدن متقدماً على ترامب في ولاية ويسكونسن، وستساعد النتيجة في تلك الولايات الست في تحديد من سيفوز بالانتخابات الرئاسية.
ووضعت خطوة “موديز” الولايات المتحدة في موقف حرج بينما تستعد لاستضافة تجمع ضخم من القادة والوزراء والرؤساء التنفيذيين في منطقة المحيط الهادئ في سان فرانسيسكو، حيث سيجتمع الرئيس جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ على الهامش في أول اجتماع لهما وجهاً لوجه منذ عام.