الصين تهدف لتعزيز التجارة والخدمات إلى 37 تريليون دولار بحلول عام 2028
حذر الرئيس الصيني شي جينبينغ من الانفصال عن الصين أثناء افتتاح منتدى مبادرة “الحزام والطريق” في بكين اليوم الأربعاء، منتقداً الجهود الغربية لتقليل الاعتماد على الاقتصاد الصيني، وأشاد شي بخطته الكبرى التي أطلقها قبل 10 سنوات لبناء بنية تحتية عالمية وشبكات طاقة تربط آسيا بأفريقيا وأوروبا عبر طرق برية وبحرية، قائلاً إن “المخططات تحولت إلى مشاريع حقيقية”. وكشف شي عن خطة عمل جديدة لمبادرة “الحزام والطريق”، وألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول خطاب دولي منذ حرب أوكرانيا.
وكانت خطة شي تتألف من ثمان نقاط، يرتبط عديد منها بشكل وثيق بأهداف بكين المتمثلة في تحقيق نمو “عالي الجودة” على المدى الطويل، وهي ممر لوجيستي عبر أوروبا وآسيا، ومنطقة التجارة الإلكترونية لـ”طريق الحرير”، مع مزيد من اتفاقيات التجارة الحرة ومعاهدات الاستثمار، وكذلك التعهد بإنشاء نافذة تمويل بقيمة 47.8 مليار دولار أميركي من بنوك التنمية الصينية، والدفع نحو التنمية الخضراء، إضافة إلى تعهدات في شأن التطوير العلمي والذكاء الاصطناعي، ومزيد من التبادلات الثقافية والشعبية، بما في ذلك التحالف السياحي، ومزيد من “التعاون النظيف” لتحسين الشفافية، وأخيراً تعزيز الجهود المبذولة لإنشاء مؤسسات الحزام والطريق بما في ذلك الأمانة العامة.
تعهد التمويل
وقال الرئيس الصيني، إن بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد سينشئان نافذة تمويل بقيمة 350 مليار يوان (47.8 مليار دولار أميركي)، للمساعدة في دفع المشاريع “الصغيرة ولكن الجميلة” إلى الأمام، وسيتم تخصيص 80 مليار يوان (10.9 مليار دولار) أخرى لمشاريع الحزام والطرق الأخرى.
ويقول شي، إن الصين تهدف إلى تعزيز التجارة السلعية إلى 32 تريليون دولار أميركي وتجارة الخدمات إلى خمسة تريليونات دولار أميركي على مدى السنوات الخمس المقبلة بحلول عام 2028.
ووعد بدفع التنمية الخضراء، وتعميق البنية التحتية الخضراء، والتعاون في مجال الطاقة والنقل، واستضافة مزيد من مؤتمرات التنمية الخضراء، وزيادة الدعم لتحالفات الحزام والطريق الدولية.
سياحة طريق الحرير
وأعلن شي خططاً لإنشاء تحالف سياحي يسمى “طريق الحرير” لتعزيز التبادلات الثقافية، وقال إن الصين ستعمل مع المنظمات الدولية ووسائل الإعلام ومراكز الفكر والمنصات الثقافية لتعزيز “النزاهة” وتحسين البناء المؤسسي لمنصة “الحزام والطريق”، وأعلن أنه سيتم إنشاء أمانة لمنتديات “الحزام والطريق” المستقبلية.
وقال شي، إن الصين ستعزز التنمية الخضراء ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، بما في ذلك عقد مؤتمرات وتدريب 100 ألف شخص من الدول النامية، وتعهد بتقليل القيود المفروضة على دخول السوق وتوسيع التجارة الرقمية، بما في ذلك إقامة معرض تجاري رقمي عالمي سنوي.
وتعهد الزعيم الصيني بالعمل مع الدول الأخرى لبناء مختبرات لدفع تطوير العلوم قدماً، ومبادرة لتعزيز أبحاث الذكاء الاصطناعي، وقال إنه يريد تعزيز التنمية الآمنة للذكاء الاصطناعي واستضافة قمة علوم “الحزام والطريق”.
وتعتزم الصين دعم الاقتصاد العالمي المفتوح، وإنشاء مناطق رائدة للتجارة الإلكترونية على “طريق الحرير”، والتوقيع مع دول على اتفاقيات التجارة الحرة، والإلغاء الكامل للقيود المفروضة على وصول الاستثمار الأجنبي في قطاع التصنيع.
وأعلن شي، أن الصين ستستضيف “المعرض الرقمي” السنوي لتعميق إصلاحات الشركات المملوكة للدولة وحقوق الملكية الفكرية.
خطة عمل شي
بدأ شي في فهم الجوهر، وكشف النقاب عن خطة عمل “الحزام والطريق”، وتعهد بتسريع خط السكك الحديدية بين الصين وأوروبا وبناء ممر لوجيستي جديد عبر آسيا.
ووعد باتفاقيات التجارة الحرة ومعاهدات الاستثمار مع مزيد من الدول وإزالة القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في التصنيع الصيني.
من جانبه أعرب بوتين عن ثقته في أن مبادرة “الحزام والطريق”، إلى جانب الأولويات الروسية والمقترحات المقدمة من الدول الأخرى، ستسمح “بحلول جماعية وفعالة حقاً للمشكلات الدولية المهمة وذات الصلة”.
وهنأ الصين على نجاح المبادرة قائلاً، “عندما نبدأ شيئاً نتوقع أن يكون ناجحاً، ولكن عند فهم النطاق العالمي للمشروع الذي بدأه شي جينبينغ قبل 10 سنوات، كان من المتوقع أن الأمور لن تسير على ما يرام، لكن الصين تمكنت من القيام بذلك ونحن سعداء برؤيته”.
وفي كلمة له أمام المنتدى قال بوتين، إن خطة “الحزام والطريق” التي أطلقها شي، تهدف إلى خلق منصة عادلة للتعاون العالمي، وأضاف “إن روسيا والصين وعديد من الدول تتقاسم رؤية التعاون المتساوي مع احترام التنوع.”
وقال بوتين، إن مبادرة “الحزام والطريق” تتكامل “بشكل جيد للغاية” مع مختلف المشروعات في العالم، وإن إطار التعاون يناسب العقلية الروسية.
روسيا وإنشاء مزيد من خطوط النقل
وقال بوتين، إن من المقرر إنشاء مزيد من خطوط النقل، بما في ذلك السكك الحديدية، من القطب الشمالي إلى الجنوب، ودعا الدول المهتمة إلى المشاركة بشكل مباشر في تطوير طريق بحر الشمال، وأضاف أنه اعتباراً من العام المقبل، ستكون الملاحة على سفن الشحن من فئة الجليد على مدار العام.
وشدد بوتين أيضاً على أن روسيا ستستغل رئاستها لمجموعة “بريكس” العام المقبل لزيادة الاتصال بمنطقة أوراسيا، وسرد عدداً من المشاريع التي بدأها الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والتي قال إنها توضح كيف يكمل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي و”الحزام والطريق” بعضهما بعضاً، وكان من بينها خط سكة حديد غرب سيبيريا، والممر الشمالي الجنوبي الذي يربط بحر البلطيق بالخليج العربي والمحيط الهندي.
“شراكة أوراسيا”
ووفقاً لبوتين، فإن خطة “الحزام والطريق” تتماشى مع رؤية روسيا لإنشاء شراكة أوراسيا، إذ سلط الضوء على الأدوار التكميلية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) والمبادرة، وأضاف أن روسيا والصين تعملان معاً من أجل ربط الاتحاد الاقتصادي الأوراسي و”الحزام والطريق”.
وعارض شي الجهود الغربية لتقليل الاعتماد على الاقتصاد الصيني، قائلاً إن “حياتنا لن تكون أفضل ولن تكون تنميتنا أسرع إذا نظرنا إلى تنمية الآخرين على أنها تهديد، والترابط الاقتصادي المتبادل مخاطرة”.
وخلال السنوات القليلة الماضية أصبح تقليل الاقتصادات الغربية اعتمادها على سلاسل التوريد مع الصين أولوية قصوى، إذ تزيد تهديدات بكين لتايوان من الأخطار الجيوسياسية في آسيا، وأدت الاضطرابات التجارية التي شهدتها سنوات الوباء إلى زيادة إلحاح الرغبة في الحد من اعتمادها على الصين.
انخراط الصين في أفغانستان
وعلى رغم أن مبادرة “الحزام والطريق” كانت في البداية تهدف إلى ربط الصين بأوروبا الغربية، إلا أن كبار الشخصيات في الاتحاد الأوروبي كانوا غائبين في المنتدى، وكان رئيس الدولة الوحيد الحاضر من الكتلة هو الرئيس المجري الشعبوي فيكتور أوربان، ومن بين الحضور البارزين الآخرين وزير التجارة في حكومة “طالبان” الأفغانية الحاج نور الدين عزيزي.
وقال عزيزي لمجموعة من الصحافيين في الحفل بحسب “رويترز” “إن الصين لديها اهتمام أكبر الآن بتطوير أفغانستان في هذه اللحظة، لذلك نحن منخرطون بشكل أكبر مع الصين، والصينيون لديهم اهتمام أكبر بالشؤون الاقتصادية، ولهذا السبب نحن هنا”.
ويقول محللون، إن الشكوك الغربية في خطط شي الكبرى تنبع من الشكوك حول الطريقة التي ستوسع بها نفوذ الصين العالمي، وكانت الصين في بعض الأحيان غاضبة من الانتقادات الموجهة إلى مبادرة “الحزام والطريق”، قائلة إنها تحمل تحيزاً مناهضاً للصين ورغبة في احتواء صعودها، في حين تتجاهل ما تقول إنها نوايا حسنة حقيقية.
وفي خطاب أعقب كلمة شي، أشاد بوتين بالمبادرة ودعا إلى الاستثمار العالمي في طريق بحر الشمال الذي قال إنه يمكن أن يعمق التجارة بين الشرق والغرب، ومع الإشارة إلى مغادرة عديد من المسؤولين الأوروبيين القاعة بينما اعتلى بوتين المسرح.
ويعمل شي على جعل مبادرة “الحزام والطريق” أصغر حجماً وأكثر مراعاة للبيئة، مبتعداً من المشاريع الباهظة الثمن مثل السدود إلى مشاريع التكنولوجيا الفائقة مثل التمويل الرقمي ومنصات التجارة الإلكترونية.
ويقول المحللون، إن الهدف هو المساعدة في دفع أوسع نطاقاً لنظام عالمي متعدد الأقطاب ويمنح الجنوب العالمي مزيداً من الوكالة، بدلاً من النظام الذي تهيمن عليه واشنطن وحلفاؤها.
وأصبحت مبادرة “الحزام والطريق” أكثر تركيزاً على قضايا مثل تغير المناخ والذكاء الاصطناعي، إذ يسعى شي إلى استخدامها لتصدير الأفكار الصينية حول الحكم وبناء الإجماع حول المعايير الصينية ونموذجها التنموي، وفق ما يقول المحللون.
وتعهد شي “بتعميق التعاون في البنية التحتية الخضراء والطاقة والنقل” و”طرح مبادرة عالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي”.
وقال ممثل أعمال أوروبي، الذي لم يرغب في ذكر اسمه لأسباب حساسة، على هامش الحفل، لـ”رويترز”، إن مبادرة “الحزام والطريق”، “تخلق تأثيراً لبعض الدول المعنية، وأعتقد أن هناك بعض الحقيقة في بعض الخطب حول تحسين سبل العيش والتواصل”.
الصين “تعارض الانفصال”
وقال شي، “أولئك الذين يتطور اقتصادهم بشكل أفضل يجب أن يساعدوا الشركاء الذين يتخلفون موقتاً عن الركب”، مضيفاً أن “المواجهة الأيديولوجية والتنافس الجيوسياسي وسياسات التكتل ليست خياراً بالنسبة إلينا”.
وأضاف أن الصين لا تشجع المواجهة بين الكتلة وتعارض العقوبات الأحادية والإكراه الاقتصادي والفصل.
ويواصل شي حديثه قائلاً، إن السوق الصينية أصبحت مرتبطة بشكل أوثق بالسوق الدولية، مضيفاً أن الصين ستفتح المبادرة بشكل أكبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال شي، إن الاستثمار الصيني في الدول الأجنبية والاستثمار المباشر في الصين يظهر الثقة والأمل، ويقول “فقط من خلال التعاون المربح للجانبين يمكن إنجاز الأمور وتنفيذها بشكل جيد”.
هجوم مستتر على أميركا
وفي هجوم مستتر على الولايات المتحدة، دعا شي في كلمته أمام المنتدى الدول إلى احترام بعضها بعضاً، منتقداً أولئك الذين يحبون رؤية الآخرين على أنهم “تهديد”.
وقال إن الصين لم تستخدم الأسلحة لغزو دول أخرى منذ زمن طريق الحرير القديم، وواصل قائلاً، “إن النظر إلى تنمية الآخرين كتهديد، والترابط الاقتصادي كخطر، لن يسمح لك بالعيش بشكل أفضل والتطور بشكل أسرع”.
وأضاف “إن التعامل مع الآخرين باعتبارهم مخاطرة لن يجعل حياتك أفضل أو يتطور بشكل أسرع”.
وحضر ممثلو أكثر من 130 دولة، معظمهم من الجنوب العالمي، المنتدى بما في ذلك عديد من رؤساء الدول، وقال شي أمام أكثر من 1000 مندوب تجمعوا في قاعة مؤتمرات مزخرفة في قاعة الشعب الكبرى غرب ميدان تيانانمن، “إننا نقف ضد العقوبات الأحادية والإكراه الاقتصادي والفصل وتعطيل سلسلة التوريد”.
وجلس بوتين وغيره من الزعماء الأجانب مع مسؤولين صينيين رئيسين من المكتب السياسي المؤلف من 25 عضواً في الصف الأمامي، بينما ألقى شي كلمته الافتتاحية.
اللافت في المنتدى عدم تطرق بوتين ولا شي للقضايا العالمية الكبرى، مع التركيز بشكل صارم على المسائل الاقتصادية والمسائل المتعلقة بـ”الحزام والطريق”، ولم يتم ذكر للصراعات في أوكرانيا وغزة.