محللون يحذرون: 70 في المئة من رسوم ترمب تتحملها الأسر الأميركية

حذر اقتصاديون وباحثون ومحللون من أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجارية الشاملة، المتمثلة في فرض رسوم جمركية باهظة على معظم السلع الواردة إلى أميركا، ستوجه ضربة ضريبية للمستهلكين من خلال ارتفاع الأسعار.
ومع ذلك أظهرت البيانات الاقتصادية للأشهر الأخيرة أن التضخم الإجمالي ظل معتدلاً إلى حد ما.
ويشيد ترمب وأعضاء إدارته بالتقارير الاقتصادية الإيجابية باعتبارها مؤشرات على فاعلية الرسوم الجمركية، ومع ذلك يتزايد القلق، فالأسعار ترتفع، ويقول اقتصاديون إن هذه مجرد البداية.
وقد جرى تطبيق الرسوم الجمركية على مراحل، فدخلت الرسوم الجمركية الأولى حيز التنفيذ في فبراير (شباط) الماضي، خصوصاً مع الصين، وعلى السلع غير المدرجة في اتفاق الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وفي مارس (آذار) الماضي على الصلب والألمنيوم، ولكن لم يعلن عن معظمها أو يطبق إلا في أبريل (نيسان) الماضي أو بعده.
زيادات في كلفة الشحن وتخزين البضائع
وفي ظل هذه الأجواء الساخنة، تتقلب السياسات التجارية والتعريفات الجمركية، فقد شهدت حالات عدة تأجيل التعريفات الجمركية المعلنة، أو إلغاءها فجأة، أو زيادتها أو خفضها بصورة غير متوقعة.
ويستغرق الشحن وقتاً، إذ تستغرق شحنات البضائع البحرية أسابيع إلى أكثر من شهر للوصول إلى الولايات المتحدة من دول أخرى، وتستغرق سلاسل التوريد المحلية وقتاً أيضاً، فبمجرد وصول البضائع إلى الأراضي الأميركية، لا تعرض في اليوم التالي. وإضافة إلى أوقات النقل المحلي، لا تزال المنتجات المستوردة (التي لا تكون دائماً سلعاً تامة الصنع، بل قطع غيار ومواد) تخضع لعمليات التصنيع والإنتاج قبل توزيعها على قنوات البيع.
وتكدست المخزونات قبل تطبيق التعريفات الجمركية، فمع اقتراب نهاية العام الماضي قامت الشركات بتعبئة طلبات الاستيراد مسبقاً استعداداً لأية اضطرابات قد تنجم عن إضراب واسع النطاق وقصير الأمد في موانئ الساحل الشرقي والخليج، وكذلك لاستباق التعريفات الجمركية المحتملة.
وازدادت جهود التخزين هذا العام مع ظهور تعريفات جمركية باهظة وواسعة النطاق بصورة غير متوقعة وخلال فترات تأجيلها أو خفضها.
وفي السياق، فإن بعض الكلف تؤخذ على محمل الجد، أولاً، يتحمل المصدرون الأجانب بعض الكلف الإضافية، فيشير تحليل لبنك “غولدمان ساكس”، إلى أن هذه النسبة تبلغ نحو 20 في المئة، مما يعني أن نسبة 80 في المئة الباقية من الكلف المرتفعة الناجمة عن الرسوم الجمركية (التي تُضاف إلى سعر سلع الجملة عند وصولها إلى الأراضي الأميركية) قد قسمت بين الشركات الأميركية والمستهلكين الأميركيين.
الشركات مترددة في تحمل ارتفاعات الأسعار
ويتوقع محللو الاقتصاد في “غولدمان ساكس” أن نحو 70 في المئة من الكلفة المباشرة للرسوم الجمركية ستنتقل في نهاية المطاف إلى المستهلكين من خلال ارتفاع الأسعار، ومع ذلك قد ترتفع هذه النسبة، اعتماداً على مدى تغيير المنتجين المحليين لأسعارهم أيضاً.
كذلك، تتردد الشركات في تحمل ارتفاع الأسعار، فالمستهلكون الذين عانوا لأعوام موجة تضخم مرتفعة، لا يملكون الرغبة أو المدخرات لتحمل ارتفاع الأسعار.
ففي مذكرة بحثية حديثة، قالت المحللة الاقتصادية في “ويلز فارغو” نيكول سيرفي إن “قوة تسعير الشركات تضعف قليلاً لأن إنفاق المستهلكين بدأ يتراجع”.
كما أن الوعي بأسعار السلع أقل في الصيف منه في الخريف والشتاء، إذ يعتمد الاقتصاد الأميركي بصورة كبيرة على الخدمات، خصوصاً في فصل الصيف، ويوجه الإنفاق بصورة أكبر نحو السفر والترفيه، ومع ذلك تشهد أسعار بعض السلع ارتفاعاً بالفعل، وتحذر الشركات من ارتفاعها في المستقبل.
لكن ستقوم السلع بدور محوري في موازنات الأسر مع حلول فصلي الخريف والشتاء، وعن ذلك يقول الأستاذ المشارك في الاقتصاد وتحليل البيانات بجامعة “سانت توماس” في سانت بول تايلر شيبر إن “بعض هذا قد يصبح واقعاً ملموساً للناس في وقت لاحق من هذا العام”.
التضخم الأميركي عند نقطة تحول
لكن غالباً ما تكون البيانات الاقتصادية متأخرة، فعلى سبيل المثال سيصدر مكتب إحصاءات العمل الأسبوع المقبل بيانات تضخم مهمة تغطي يونيو (حزيران) الماضي، كذلك فإن مؤشرات التضخم شاملة، وتظهر ارتفاعات أسعار السلع في بيانات التضخم، ومع ذلك طغت عليها إلى حد كبير عوامل مثل انخفاض أسعار البنزين واستمرار تباطؤ ارتفاع أسعار الخدمات، خصوصاً الإيجارات والإسكان، بالتالي ظلت بيانات التضخم حتى هذه اللحظة خافتة إلى حد ما.
وقال “غولدمان ساكس”، “ليس من المستغرب ألا تظهر آثار الرسوم الجمركية بقوة في أسعار المستهلك الرسمية حتى الآن، فالأسعار ترتفع بالفعل والتضخم عند نقطة تحول”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، فإن أرقام التضخم الرئيسة التي تبدو خافتة لا تروي القصة كاملة، فأسعار السلع، خصوصاً الفئات المعرضة للرسوم الجمركية، آخذة في الارتفاع بالفعل، وفقاً لبيانات كل من القطاع الخاص والبيانات الفيدرالية.
وأظهر مؤشر أسعار المستهلك لمايو (أيار) الماضي، ارتفاع أسعار كثير من الفئات الحساسة للرسوم الجمركية، وارتفعت أسعار الأجهزة بنسبة 0.8 في المئة في كل من أبريل ومايو الماضيين، وهي أعلى زيادة شهرية منذ ما يقارب أربعة أعوام.
وارتفعت أسعار الألعاب للشهر الثاني، إذ قفزت بنسبة 1.3 في المئة (مما يعادل أعلى مستوى لها في أربع سنوات)، وشهدت أسعار المفروشات المنزلية والأدوات واللوازم الرياضية تسارعاً في الارتفاع بعد أعوام ما بعد “كوفيد” التي شهدت انخفاضاً في الأسعار.
ارتفاعات حادة في الأسعار على نطاق واسع
وأظهر تحليل حديث أجرته شركة “داتا وييف” لنحو 200 ألف منتج على 13 موقعاً رئيساً للتجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة، أن الأسعار ارتفعت منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، وكشف عن تسارع وتيرة ارتفاع أسعار المنازل والأثاث خلال الأشهر الخمسة الماضية مقارنة بيناير الماضي، إذ ارتفعت بنسبة 1.1 في المئة في فبراير و2.1 في المئة في مارس و2.8 في المئة في أبريل و3.7 في المئة في مايو و4.7 في المئة في حزيران.
وأظهرت الألعاب مساراً مشابهاً، ولكن على نطاق أصغر، إذ زادت الأسعار 3.8 في المئة خلال يونيو الماضي مقارنة بيناير من العام الحالي، بينما استقرت أسعار الملابس والأحذية نسبياً في الفترة ما بين فبراير ومايو من العام الحالي، لكنها ارتفعت قليلاً الشهر الماضي بنسبة 1.7 في المئة مقارنة بيناير2025.
وكانت بعض الزيادات في الأسعار أكبر لدى بعض تجار التجزئة، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار الألعاب في “وول مارت” و”تارغت “بنسبة 7.4 في المئة و6.1 في المئة مقارنة بيناير2025، مقابل متوسط زيادة قدره 3.8 في المئة على التوالي.
وخلال تعليقه على نتائج التحليل، قال المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “داتا وييف” كارثيك بيتادابورا إن “التغيرات في النسبة المئوية أعلى بالتأكيد مما شهدناه خلال الأعوام الماضية، ففي يونيو 2024 على سبيل المثال، ارتفعت أسعار المنازل والأثاث بنسبة 1.9 في المئة مقارنة بيناير 2025، وارتفعت أسعار الألعاب بنسبة 0.4 في المئة، وارتفعت أسعار الملابس والأحذية بنسبة 0.7 في المئة”.
ويتوقع بيتادابورا ارتفاعاً حاداً في الأسعار على نطاق أوسع خلال الأشهر المقبلة مع امتداد تأثير الرسوم الجمركية عبر سلسلة التوريد، ونظراً إلى الرفض المستمر لارتفاع الأسعار، فإنه يتوقع أيضاً ارتفاعاً في التضخم الانكماشي (إذ قد تُقلص العلامات التجارية أحجام العبوات) وتوسعاً في العلامات التجارية الخاصة.