عالمي

ما تبعات فشل واشنطن وبكين في نزاع الرسوم بعد الـ90 يوما؟

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ أيام تمديد وقف الرسوم الجمركية على الصين 90 يوماً قبل ساعات من انتهاء آخر اتفاق تجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.

ووقع ترمب الإثنين الماضي أمراً تنفيذياً يمدد مهلة رفع الرسوم الجمركية على الصين حتى الـ10 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ومن جانبها أعلنت وزارة التجارة الصينية الثلاثاء الماضي أنها ستعلق فرض رسوم إضافية على السلع الأميركية 90 يوماً أخرى، بعد توقيع ترمب على الأمر التنفيذي بتمديد الهدنة الجمركية.

وقالت الصين إنها ستبقي الرسوم على السلع الأميركية عند مستوى 10 في المئة وستتخذ خطوات لمعالجة الحواجز غير الجمركية التي تواجه المنتجات الأميركية، وستؤجل لمدة 90 يوماً إضافة الشركات الأميركية المستهدفة منذ أبريل (نيسان) الماضي إلى قوائم القيود على التجارة والاستثمار.

وحذر ترمب من أن الفشل في التوصل إلى اتفاق قد تكون له تبعات كبيرة، مهدداً بفرض رسوم جمركية على الصين تصل إلى 245 في المئة، فيما هددت بكين برد مماثل عبر رسوم تصل إلى 125 في المئة، مما كان سيمهد لاندلاع حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

وتخضع الصادرات الأميركية إلى الصين حالياً لرسوم تقارب 30 في المئة، في حين تفرض الولايات المتحدة رسوماً أساسية بنسبة 10 في المئة على الواردات الصينية، إضافة إلى 20 في المئة كإجراء عقابي على خلفية اتهامات لبكين بتهريب مادة الفنتانيل، وتفرض على بعض المنتجات رسوماً أعلى.

ودخلت الرسوم الجمركية الجديدة على الواردات من عشرات الدول حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، بينما تتسلل الرسوم المفروضة على الواردات من الصين وغيرها تدريجاً إلى الاقتصاد، إذ تتحمل الشركات الجزء الأكبر من هذه الكلفة الإضافية، فيما يدفع المستهلكون جزءاً منها.

وقلل ترمب من المخاوف في شأن التضخم، مشيداً بعشرات المليارات من الدولارات التي تدخل خزانة الحكومة الفيدرالية من هذه الرسوم.

ويعد هذا التأجيل الثاني من قبل إدارة ترمب لفرض رسوم جمركية أعلى على الصين، التي تعد من أكبر الشركاء التجاريين لأميركا، ففي عام 2024 استوردت الولايات المتحدة بضائع صينية تزيد قيمتها على 438 مليار دولار، شملت كل شيء من الملابس إلى الإلكترونيات والألعاب.

ويمنح التأجيل 90 يوماً البلدين وقتاً إضافياً لمعالجة بعض الخلافات بينهما، مما قد يمهد لعقد قمة في وقت لاحق من هذا العام بين ترمب والرئيس الصيني شي جينبينغ، ولقي هذا القرار ترحيباً من الشركات الأميركية التي تمارس أعمالاً في الصين.

وقال رئيس مجلس الأعمال الأميركي – الصيني شون ستاين لصحيفة “اندبندنت” إن التمديد “حاسم” لأنه يمنح الحكومتين وقتاً للتفاوض على اتفاق تجاري تأمل الشركات الأميركية أن يسهم في تحسين وصولها إلى السوق الصينية، ويوفر لها اليقين اللازم لوضع خطط متوسطة وطويلة الأجل.

 وأضاف ستاين “إن التوصل إلى اتفاق في شأن الفنتانيل يؤدي إلى خفض الرسوم الجمركية الأميركية والتراجع عن الإجراءات الانتقامية الصينية أمر ملح للغاية لإعادة إطلاق صادرات الولايات المتحدة من الزراعة والطاقة”.

ولا يزال إبرام اتفاق مع الصين بمثابة “ملف غير مكتمل” بالنسبة إلى ترمب الذي قلب النظام التجاري العالمي رأساً على عقب بفرض ضرائب جمركية برسوم مضاعفة على معظم دول العالم تقريباً.

هل كانت التداعيات محسوبة بعناية؟

قال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد” للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات وضاح الطه لـ”اندبندنت عربية” إن تأجيل فرض الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين 90 يوماً يمثل خطوة مهمة لتجنب تصعيد خطر، كان سيحدث في حال قررت الولايات المتحدة رفع الرسوم على السلع الصينية من جانب واحد. وأضاف أن هذا التصعيد لم يكن ليؤثر فقط في أكبر اقتصادين في العالم، بل كان سيترك أيضاً أثراً سلبياً في الاقتصاد العالمي.

وأوضح الطه أن رفع الرسوم الجمركية من دون اتفاق مسبق يؤدي عادة إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما يضغط على دخل الأفراد ويجبرهم على دفع مبالغ أكبر، وهو ما قد يرفع مؤشر التضخم. وحذر من أن عدم السيطرة على التضخم قد يقود بدوره إلى زيادة البطالة، مؤكداً أن هذه التداعيات كانت محسوبة بعناية في تقييم التأجيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف الطه أن قرار التأجيل يمنح الطرفين فرصة للتوصل إلى حلول مقبولة، وهو ما يعكس إدراك الرئيس دونالد ترمب لتداعيات هذه الخطوة، ولذلك أقدم على قرار التأجيل مع الصين، فلم يقدم على قرار التأجيل مع اقتصادات أخرى بسبب حجومها قياساً بالولايات المتحدة الأميركية التي يتجاوز حجمها 30 تريليون دولار كإجمال ناتج محلي. وأشار إلى أن التفاهم بين الولايات المتحدة والصين قد يشمل ترتيباً لتجنب استخدام أدوات ضغط أخرى، مثل التكنولوجيا والرقائق الدقيقة والمعادن النادرة التي قد تؤدي إلى تصعيد أوسع.

واختتم الطه قائلاً “قرار تأجيل فرض الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين خطوة صائبة لإتاحة فرصة للطرفين للتوصل إلى حل مُرضٍ للطرفين”.

هل هي تهدئة لشراء الوقت وتحسين شروط التفاوض؟

من جانبه قال نائب الرئيس التنفيذي لشركة “أف أتش كابيتال” طارق قاقيش، لنا، إن تأجيل فرض الرسوم الجمركية بين أميركا والصين ليس سوى هدنة تكتيكية أكثر من كونه خطوة نحو حل جذري. وأضاف أن القرار يمنح الطرفين مساحة إضافية للمفاوضات، لكنه لا يغير حقيقة أن الخلافات العميقة ما زالت قائمة وبعيدة من التسوية السريعة.

وأوضح قاقيش أن كلتا العاصمتين تدرك أن أي تصعيد الآن سيضر باقتصادهما في توقيت حساس، لذلك تبدو هذه التهدئة الموقتة أقرب إلى شراء الوقت لتحسين شروط التفاوض، لا أكثر. وتوقع أن تركز المرحلة المقبلة على جولات مفاوضات للملفات الأقل تعقيداً، مثل زيادة الواردات أو تحسين آليات الرقابة، في حين ستظل القضايا الجوهرية، كالدعم الحكومي للشركات الصينية وحماية الملكية الفكرية، العقدة الأصعب. وأشار إلى أنه إذا لم يتوصل إلى أرضية مشتركة لهذه الملفات، فإن احتمالات عودة التصعيد فور انتهاء فترة التأجيل ستكون مرتفعة وربما أكثر حدة من السابق.

أما الأسواق فاستقبلت القرار بارتياح موقت، لكنها تتعامل بحذر ولا تراهن على انتصار كامل لأي طرف. وقال قاقيش إن التأجيل منح دفعة نفسية للأسهم، بخاصة في القطاعات المعرضة للتجارة العالمية، لكنه أبقى الباب مفتوحاً أمام القلق والتحوط. وأضاف “المستثمر الواعي لن ينظر إلى هذه الهدنة كنهاية للحرب التجارية، بل كفرصة لإعادة ترتيب محافظه تحسباً لأي سيناريو، سواء كان انفراجاً تدريجاً أو تصعيداً مفاجئاً”.

كيف حول ترمب أميركا لـ”حصن حمائي” مغلق؟

 حولت سياسات ترمب التجارية الولايات المتحدة من واحد من أكثر الاقتصادات انفتاحاً في العالم إلى ما يشبه “حصناً حمائياً” مغلقاً، إذ ارتفع متوسط التعرفة الجمركية الأميركية من نحو 2.5 في المئة في مطلع العام إلى 18.6 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ عام 1933، بحسب “موازنة لاب” في جامعة ييل.

لكن الصين اختبرت حدود سياسة التجارة الأميركية التي اعتمدت على الرسوم الجمركية كسلاح لانتزاع التنازلات من الشركاء التجاريين، إذ كان لدى بكين سلاحها الخاص، وهو وقف أو إبطاء تصدير معادن وعناصر أرضية نادرة ومغناطيسات تستخدم في كل شيء من السيارات الكهربائية إلى محركات الطائرات.

وقالت المستشارة العليا في مكتب “أرنولد أند بورتر” والمساعدة السابقة للممثل التجاري الأميركي لشؤون الصين كلير ريد لنا “أدركت الولايات المتحدة أنها لا تملك اليد العليا”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى