لماذا لا يشعر المصريون بانتهاء أزمة شح الدولار؟

على رغم تسجيل الدولار الأميركي خسائر عنيفة أمام الجنيه المصري، فإنه حتى الآن لا تعترف شريحة كبيرة بانتهاء أزمة شح الدولار، ربما يعود ذلك بصورة مباشرة إلى ترقبهم مشاهدة انتهاء الأزمة في انخفاض أسعار السلع التي سجلت زيادات كبيرة خلال العامين الماضيين.
في التعاملات الأخيرة سجل متوسط سعر صرف الدولار الأميركي في البنك المركزي المصري مستوى 48.23 جنيه للشراء و48.36 جنيه للبيع، وهو المستوى الأدنى منذ تحرير سعر الصرف في مارس (آذار) 2024.
وفي بنوك الأهلي المصري وبنك مصر وبنك القاهرة بلغ سعر صرف الدولار الأميركي نحو 48.28 جنيه للشراء و48.38 جنيه للبيع. وبلغ سعر صرف الدولار في البنك التجاري الدولي – مصر، مستوى 48.26 جنيه للشراء و48.36 جنيه للبيع.
مطالب بتوسع الحكومة في الرقابة على الأسواق
ويقول محمود كامل الذي يمتلك شركة للتطوير العقاري في محافظة القاهرة، إن “المشكلة ليست في نزول أو صعود سعر صرف الدولار في البنوك أو البنك المركزي، لكن الأزمة الكبيرة في الأسعار التي لم تنخفض على رغم تراجع سعر صرف الدولار”.
وأوضح في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، أن الجنيه المصري بالفعل يصعد بصورة تدرجية مقابل الدولار، لكن أسعار السلع شهدت زيادات بنسب ضخمة خلال العامين الماضيين، بالتالي وحتى يشعر المواطن البسيط باستقرار العملة، فإنه يترقب نزول أسعار السلع بنفس نسب الزيادات التي سجلتها خلال الفترة الماضية.
وأشار إلى أن النقطة الإيجابية في أزمة الدولار تمثلت في تمكن الحكومة المصرية من توفير جميع أنواع السلع في السوق المحلية، لكن انخفاض أسعار السلع يحتاج إلى تدخل مباشر من قبل أجهزة الدولة، وهذا التدخل يكون رقابياً على جميع الأسواق والمحال، إذ تباع السلعة الواحدة بأكثر من سعر وبحسب المنطقة، ومن ثم لن نتجاوز أزمة ارتفاع الأسعار قبل أن تتوسع الحكومة في الرقابة على الأسواق ومواجهة الاحتكار الذي يمارسه بعض التجار.
وفق البيانات الرسمية، فقد تراجع معدل التضخم في مصر إلى 13.9 في المئة خلال يوليو (تموز) الماضي، من 14.9 في المئة خلال يونيو (حزيران) الماضي، وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن التراجع جاء بدعم من انخفاض أسعار الطعام والمشروبات بنسبة 3.1 في المئة، بعدما تراجعت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 4.9 في المئة، والفاكهة بنسبة 11 في المئة، والخضراوات بنسبة سبعة في المئة، وذلك على رغم ارتفاع أسعار سلع أخرى مثل الألبان والخبز والمشروبات.
في المقابل، فقد ارتفعت أسعار مجموعة الدخان بنسبة 7.8 في المئة، وكذلك صعدت أسعار مجموعة المشروبات الكحولية بنسبة 5.3 في المئة، وذلك على خلفية الزيادات التي أقرتها الموافقات التشريعية الأخيرة التي مست تعديلات ضريبة القيمة المضافة.
مؤشرات إلى انتهاء أزمة شح الدولار
في سياق المؤشرات هناك كثير من الأرقام التي تشير إلى انتهاء أزمة شح الدولار الأميركي، إذ سجل احتياط البلاد من النقد الأجنبي ارتفاعات قياسية بعدما كسر حاجز 48 مليار دولار، وتواصل تحويلات المصريين العاملين في الخارج ارتفاعها إلى أرقام تاريخية، وأيضاً بدأت السياحة تتعافى لتشهد عائداتها ارتفاعات قوية، وفي السياق فقد بدأت إيرادات قناة السويس في التحسن بصورة تدرجية خلال الفترة الماضية.
ومع ظهور هذه المؤشرات بدأ البنك المركزي المصري تخفيف القيود على تعاملات الدولار، وأعلن تعديلات على استخدام بطاقات الائتمان في الخارج، وأعلنت بنوك عدة عودة السماح للمسافرين بسحب مبالغ دولارية وفق الأرقام التي يحددها البنك المركزي المصري.
في تعليقه، قال المتخصص في الشأن الاقتصادي الدكتور أشرف غراب، إن مجموعة القرارات التي أصدرها البنك المركزي المصري والتي تتضمن تخفيف قيود استخدام البطاقات الائتمانية خارج البلاد، تؤكد توافر النقد الأجنبي بكميات كافية ويؤكد تحسن الوضع المالي في السوق المحلية، كذلك فإن القرار يعكس ثقة البنك المركزي المصري في استقرار وتحسن وضع السيولة الدولارية في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أوضح إلى “اندبندنت عربية” أن من بين هذه القرارات المهمة إلغاء البند الخاص بمتابعة العملاء المسافرين لإثبات استخدام البطاقة الائتمانية أثناء الوجود خارج مصر، إضافة إلى رفع البنوك الحد الأقصى للمسافرين إلى 10 آلاف دولار، وخفض الهامش على أسعار صرف العملات الأجنبية لتصبح ثلاثة في المئة على البطاقات الائتمانية، وخفض عمولة بطاقات الائتمان من خمسة في المئة إلى ثلاثة في المئة في حال الشراء من خارج مصر بالعملات الأجنبية.
وأشار إلى أن هذه القرارات تسهم في تسهيل سفر العملاء وتقليل كلف الشراء عند استخدام بطاقات الائتمان بالخارج، فعلى سبيل المثال من كان يشتري بـ100 دولار مشتريات فكان يتم حسابه بالعمولة بـ105 دولارات حالياً سيصبح 103 دولارات فحسب.
توافر النقد الأجنبي لدى البنوك
وقال غراب إن هذه القرارات تؤكد توافر النقد الأجنبي بكميات كبيرة لدى المصارف الرسمية، كذلك تسهم في زيادة القدرة الشرائية للأفراد والشركات وتسهل لهم عمليات البيع والشراء وتحويل الأموال، وتسهل التعاملات المالية بين الشركات، وتتوافق مع متطلبات أصحاب الشركات والأفراد، كذلك فإنها تزيد القوة الشرائية للمواطنين.
ولفت إلى أن رفع الحد الأقصى لبطاقات الائتمان يهدف إلى توفير حاجات العملاء من النقد الأجنبي، وهذا يؤدي إلى تنشيط عجلة الإنتاج بالسوق المصرية وتنشيط وتعزيز الاقتصاد الوطني، مؤكداً أن هذه القرارات تؤكد نجاح الإصلاحات التي اتخذها البنك المركزي منذ مارس 2024 من إقرار سعر عادل ومرن للدولار مما أسهم في القضاء على السوق الموازية للعملة وزيادة الثقة في الاقتصاد المصري وزيادة تحويلات العاملين للخارج لتصل لنحو 33 مليار دولار في 11 شهراً وزيادة الاحتياط النقدي الأجنبي لأكثر من 49 مليار دولار.
وأشار غراب إلى أن القرار يمثل رسالة طمأنة لعملاء البنوك من الأفراد والشركات والمستثمرين بتوافر النقد الأجنبي، خصوصاً مع تراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في ظل زيادة تدفقات النقد الأجنبي وزيادة إيرادات مصر السياحية وإيرادات الصادرات ودخول استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة، مضيفاً أن القرار ييسر على المسافرين بالخارج ويخفف الضغوط عنهم ويؤكد نجاح القطاع المصرفي في زيادة السيولة الدولارية وأنه يسير في الطريق الصحيح، مما يسهم في زيادة معدلات الشمول المالي وزيادة القدرة الشرائية وتدعيم النشاط الاقتصاد المصري.