عالمي

كيف فقدت الصين أحد أكبر محركات نموها العقاري؟

تعيش سوق العقارات في الصين، التي شكلت يوماً أحد أكبر محركات النمو في البلاد، حال تراجع مستمرة منذ خمسة أعوام من دون أية علامات على التوقف. فقيم العقارات تواصل الانخفاض، وتُجبر الأسر المتعثرة مالياً على بيع ممتلكاتها، فيما يوشك مطورو الشقق على الانهيار بعدما تراكمت عليهم ديون ضخمة نتيجة مشاريع المضاربة.

وكان هناك بعض التفاؤل بأن إجراءات الحكومة لإنهاء الأزمة يمكنها إنعاش السوق، لكن في مارس (آذار) الماضي أعلنت شركة فانكي المطورة المرتبطة بالحكومة عن خسارة سنوية قياسية بلغت 49.5 مليار يوان (6.8 مليار دولار) لعام 2024، مما يظهر مدى عمق المشكلة. ثم أعلنت مجموعة الصين “إيفرغراندي” العقارية أول من أمس عن نيتها شطب أسهمها من بورصة هونغ كونغ، مما يمثل مرحلة قاتمة لقطاع العقارات في البلاد.

كيف تورطت “إيفرغراندي” في هذه الأزمة؟

يعد انهيار “إيفرغراندي” الأكبر في الأزمة التي أدت إلى تراجع النمو الاقتصادي في الصين وظهور عدد قياسي من المطورين المتعثرين.

وقد أسست الشركة عام 1996 على يد هوي كا يان، وكان توسعها السريع مدفوعاً من البداية بالاقتراض المكثف. وأصبحت “إيفرغراندي” الأكثر مديونية بين نظرائها، إذ بلغ إجمال التزاماتها نحو 360 مليار دولار في نهاية 2021. فترة من الزمن، كانت أكبر مطور في البلاد من جهة المبيعات المتعاقد عليها، وكانت قيمتها تتجاوز 50 مليار دولار في عام 2017 في ذروتها. أصبح المؤسس والرئيس هوي ثاني أغنى شخص في آسيا. على مر الأعوام استثمرت الشركة أيضاً في صناعة السيارات الكهربائية وامتلكت نادي كرة قدم محلياً.

في 2020 بدأت بكين في تشديد الرقابة على قطاع العقارات، ووضعت الإجراءات الجديدة حداً لقدرة المطورين على الاقتراض، مما قطع بصورة فعالة شريانهم المالي من الأسواق الائتمانية. وبعد محاولات إعادة هيكلة فاشلة، صدرت في 2024 أوامر تصفية لشركة “إيفرغراندي” في هونغ كونغ. وفي وقت لاحق من العام نفسه، قبلت محكمة صينية في البر الرئيس طلب تصفية مقدم ضد إحدى وحداتها الرئيسة المحلية.

بعد توقف طويل للتداول، أعلنت الشركة التي تتخذ من قوانغتشو مقراً لها أن شطب إدراجها في بورصة هونغ كونغ سيتم في الـ25 من أغسطس (آب)، وأنها لن تتقدم بطلب لمراجعة القرار. لا تزال لشركة “إيفرغراندي” وحدتان أخريان مدرجتان في هونغ كونغ: مزود خدمات عقارية وصانع سيارات كهربائية، والأخيرة، تشاينا “إيفرغراندي” متوقفة عن التداول منذ أبريل (نيسان).

كيف تورط بعض المطورين في الصين في هذه المشكلة؟

في 1998 أنشأت الصين سوقاً عقارية وطنية بعدما كانت تقيّد المبيعات الخاصة لعقود. آنذاك، كان ثلث السكان فقط يعيشون في المدن، وارتفع هذا الرقم إلى ثلثي السكان مع توسع عدد سكان المدن بمقدار 480 مليون نسمة. مثلت هذه الهجرة من الريف فرصة تجارية ضخمة لشركات البناء والمطورين.

تدفق المال إلى قطاع العقارات إذ انتشرت الطبقة الوسطى الناشئة على ما كان أحد الاستثمارات الآمنة القليلة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المنازل ستة أضعاف خلال 15 عاماً حتى 2022. شجعت السلطات المحلية والإقليمية، التي تعتمد على بيع الأراضي العامة للحصول على جزء من إيراداتها، هذا الازدهار العقاري. في ذروته، شكل القطاع نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي بصورة مباشرة وغير مباشرة، وما يقرب من 80 في المئة من أصول الأسر. وتقدر قيمة القطاع، عند احتساب المنازل الجديدة والقائمة والمخزون، بنحو 52 تريليون دولار في 2019، أي ضعف حجم سوق العقارات الأميركية تقريباً.

كان جنون العقارات مدفوعاً بالديون مع تسابق المطورين لتلبية الطلب المستقبلي المتوقع. شجع هذا الازدهار على المضاربة، مع بيع المنازل الجديدة مسبقاً بواسطة المطورين الذين لجأوا بشكل متزايد إلى المستثمرين الأجانب للحصول على التمويل. جعلت الالتزامات الغامضة من الصعب تقييم مخاطر الائتمان. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار فلكية، إذ أصبحت المنازل في مدن الازدهار مثل شنتشن أقل قدرة على التحمل مقارنة بالدخل المحلي وذلك مقارنةً بلندن أو نيويورك. رداً على ذلك، تدخلت الحكومة في 2020 لتقليل خطر الفقاعة وتخفيف التفاوت الذي يمكن أن تخلقه السكنة غير القابلة للتحمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حرصاً على ضبط ديون القطاع وخوفاً من أن تتسبب حالات التخلف المتكررة عن السداد في إلحاق الضرر بالنظام المالي الصيني، بدأ المسؤولون في تقييد التمويل الجديد للمطورين وطلبوا من البنوك إبطاء وتيرة منح القروض العقارية. فرضت الحكومة قواعد صارمة على نسب الديون والنقد لدى المطورين، والتي أطلقت عليها وسائل الإعلام المملوكة للدولة اسم “الخطوط الحمراء الثلاثة”. أثارت هذه الإجراءات أزمة سيولة للمطورين، زادتها تأثيرات الإجراءات الصارمة للحد من كوفيد-19 مثل توقف مواقع البناء.

لم يتمكن كثير من المطورين من التزام القواعد الجديدة لأن أوضاعهم المالية كانت متوترة بالفعل. في 2021، تخلفت “إيفرغراندي” عن سداد أكثر من 300 مليار دولار، مما أدى إلى بداية أزمة العقارات في الصين. وتخلف عملاقان عقاريان آخران، “غاردين كنتري” و”سوناك” عن السداد في 2022.

كيف أثر التشدد الصيني في السوق العقارية؟

بعد أعوام من الطلب الهائل من المشترين، توقفت السوق عن الحركة، إضافة إلى قيود الإقراض الحكومية، وعززت الصدمة الاقتصادية الناتجة من إغلاقات كوفيد ثقافة الاقتصاد، وأدى تدهور سوق العمل إلى مواجهة الناس فجأة لتسريحات ورواتب مخفضة.

بدأت أسعار العقارات في الانخفاض عام 2022، وفي أغسطس 2024، سجلت البلاد أكبر انخفاض سنوي في قيم العقارات خلال تسعة أعوام، إضافة إلى ملايين الأقدام المربعة من الشقق غير المكتملة التي تركها المطورون المثقلون بالديون لتتراكم، أدى عدم التوازن بين العرض والطلب إلى بقاء 400 مليون متر مربع من الشقق الجديدة غير مباعة حتى مايو (أيار) 2024.

مع ارتفاع ديون الأسر إلى 145 في المئة من الدخل المتاح للفرد في نهاية 2023، يزداد الضغط المالي على أصحاب المنازل. وارتفع معدل التخلف عن السداد العقاري السكني إلى أعلى مستوى له خلال أربعة أعوام في أواخر 2023. يُجبر بعض أصحاب المنازل على بيع ممتلكاتهم بأسعار مخفضة، مما يزيد المشكلة تفاقماً.

استمر ضعف السوق في زعزعة استقرار المطورين الذين يعانون ضيق السيولة، وأُمرت شركة البناء متوسطة الحجم “تشينا ساوث سيتي هولدينغ” بتصفية أصولها من قبل المحكمة العليا في هونغ كونغ في الـ11 من أغسطس بعد تخلف عن السداد قبل أكثر من عام. أصدرت المحاكم في هونغ كونغ ما لا يقل عن ستة أوامر تصفية لشركات تطوير صينية منذ بداية الأزمة في 2021.

ما الذي قامت به الحكومة الصينية لدعم السوق؟

في 2022 أدركت السلطات أن القواعد للحد من السوق قد ذهبت بعيداً جداً. بهدف تجنب “لحظة ليمان” عندما أدى انهيار بنك أميركي في 2008 إلى صدمة في الأسواق العالمية، أعلنت الحكومة عن إجراءات تركز على تعزيز التمويل بالأسهم والسندات والقروض للمطورين لتخفيف أزمة السيولة.

سُمح للمطورين بالوصول إلى مزيد من الأموال من المبيعات المسبقة للشقق، وهو أكبر مصدر للتمويل في القطاع، وتم تقديم 200 مليار يوان (27 مليار دولار) كقروض خاصة لإكمال المشاريع السكنية المتوقفة. عدلت الحكومة القواعد المالية، مما سمح للبنك المركزي بزيادة الدعم للمطورين المتعثرين، وأمرت البنوك بضمان نمو القروض العقارية السكنية والقروض للمطورين في بعض المناطق، لكن المشكلة ما زالت قائمة على رغم كل هذه المحاولات.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى