عالمي

الاقتصاد الأفغاني يغرق… ولكن بعض القطاعات تزدهر

يونس صافي، وهو رجل أعمال في كابول، يعرف جيداً أهمية تباهي المرء بهاتفه إذا أراد القيام بشيء ما.

“في أفغانستان، هاتف المرء هو مرآة شخصيته [بطاقة تعريفه]”، قال ذلك مبتسماً، وخاتم مرصع بجوهرة في كل يد من يديه. يحمل خاتم حجر زمرد، والآخر ألماسة روسية ضخمة. وأضاف: “عندما يذهب المرء لحضور اجتماع مع الحكومة، كلما كان هاتفه أفضل نوعاً، زاد احترام المسؤولين له”.

يدير صافي متجراً للهواتف في حي شاري ناو الفاخر. يقف حارس مسلح في الخارج. يزيّن الهاتف “آيفون 15 برو ماكس” رفوف المتجر، ويُباَع بالتجزئة في مقابل ألف و400 دولار. لدى صافي زبائن مستعدون لدفع هذا المبلغ من المال، مما قد يشكل مفاجأة لبعضهم نظراً إلى المشكلات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد واعتماد أكثر من نصف السكان على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

كانت الموارد المالية لأفغانستان غير مستقرة حتى قبل استيلاء حركة “طالبان” على السلطة عام 2021. فقد اعتمدت الموازنة بصورة كبيرة على المساعدات الخارجية وكان الفساد متفشياً. وأدى استيلاء الحركة على السلطة إلى انهيار الاقتصاد الأفغاني، وجمّدت أموال دولية بالمليارات، وفر عشرات آلاف الأفغان من ذوي المهارات العالية من البلاد وأخذوا أموالهم معهم.

لكن حتى في ظل الظروف الصعبة، تجني بعض الشركات المال من حكم “طالبان”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استفاد صافي من قاعدة متنوعة من المستهلكين – أولئك المتعطشين إلى أحدث إصدار من “آيفون” وأولئك الأكثر سعادة بالهواتف البسيطة التي تشكل الجزء الأكبر من مبيعاته وتباع بسعر يراوح ما بين 20 و200 دولار.

اعتادت “طالبان” على مهاجمة أبراج الهواتف وتهديد شركات الاتصالات متهمة إياها بالتواطؤ مع الولايات المتحدة وقوات دولية أخرى للمساعدة في متابعة تحركات المتمردين من خلال إشارات الهاتف المحمول. الآن، تستثمر الحركة في شبكات الهاتف المحمول من الجيل الرابع.

وتفيد وزارة الاتصالات بأن مليوني شريحة جديدة للهواتف المحمولة أصدرت العامين الماضيين وبأن أعداد المشتركين آخذة في الازدياد. وقال المتحدث باسم الوزارة عناية الله الأوكوزاي إن الحكومة تنفق 100 مليون دولار على قطاع الاتصالات ورممت مئات الأبراج بالكامل.

هناك 22.7 مليون شريحة للهواتف المحمولة نشطة في بلد يبلغ عدد سكانه 41 مليون نسمة. وتشمل الشرائح 10 ملايين شريحة للمكالمات الصوتية والبقية للإنترنت عبر الهاتف المحمول.

ووفق أرقام وزارة التجارة، ارتفعت واردات الهواتف. لقد وصل أكثر من ألف و584 طناً من الهواتف إلى أفغانستان عام 2022. والعام الماضي، سجلت الواردات ألفاً و895 طناً.

وقال صافي إن لديه كثيراً من العملاء المنتمين إلى “طالبان” وإن الأصغر سناً بينهم هم الذين يفضلون أجهزة “آيفون”. “بالطبع يحتاجون إلى هواتف ذكية. هم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، ويحبون تسجيل مقاطع فيديو. يتمتع ’آيفون‘ بأمان أفضل مقارنة بـ’سامسونغ‘. دقة الكاميرا والمعالج والذاكرة كلها أفضل. يستخدم الأفغان هواتفهم الذكية شأن غيرهم”.

يمتلك صافي هاتفاً من طراز “آيفون 15 برو ماكس”، ويرتدي ساعة من طراز “آبل ووتش ألترا” ويمتلك ثلاث سيارات.

وقال صافي إن الأعمال ساءت فور استيلاء “طالبان” على السلطة لكنها تتحسن. “الأشخاص الذين يشترون الإصدار الجديد من أجهزة ’آيفون‘ هم الذين لديهم أقارب في الخارج يرسلون الأموال إلى أفغانستان”.

التحويلات هي شريان الحياة، على رغم أنها تقل عن نصف ما كانت عليه قبل استيلاء “طالبان” على السلطة وانهيار القطاع المصرفي.

في سوق شاهزاده الصاخبة في كابول، يمسك مئات الصرافين بأكوام من العملة المحلية، الأفغاني، ويبيعون بضاعتهم بصخب. يشغلون كل طابق ودرج وزاوية وركن.

يقدّر عبدالرحمن زيراك، وهو مسؤول بارز في سوق الصرافة، بأن 10 ملايين دولار تتداول يومياً. ويرسل المغتربون في الغالب دولارات أميركية إلى العائلات التي تصرفها إلى العملة الأفغانية.

توافرت طرق إضافية لإرسال الأموال إلى أفغانستان قبل سيطرة “طالبان”. لكنه أكد انقطاع الروابط مع نظام “سويفت” للخدمات المصرفية الدولية وهذا سبب رئيس وراء ازدهار الأعمال في السوق.

ويشرح: “لقد زاد عمل الصرافين وتعزز. تأتي التحويلات المالية من كندا والولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا والدول العربية والدول المجاورة الأخرى”.

تصبح التجارة محمومة خلال العطلات. وأضاف أن شهر رمضان المبارك شهد زيارة 20 ألف شخص السوق يومياً وأن الدخول إلى السوق كان يستغرق أكثر من 90 دقيقة.

وأضاف: “إذا رفعت العقوبات ورفع التجميد عن الأصول فربما تتراجع أعمالنا. لكنني لا أرى ذلك يحدث. لا يملك كثير من الناس حسابات مصرفية. ومعدل البطالة مرتفع، لذلك يرسل الناس الأموال إلى أفغانستان. ستكون هناك حاجة إلى أعمالنا لأعوام مقبلة”.

عرفان الله عارف الذي يدير “حقاني للكتب”، وهي شركة متخصصة في بيع النصوص الإسلامية، متفائل أيضاً في شأن حظوظه، ذلك أن غالبية زبائنه هم من المدرّسين والطلاب في المدارس الدينية.

هناك ما لا يقل عن 20 ألف مدرسة دينية في أفغانستان. وتريد “طالبان” بناء مزيد منها. العام الماضي، ورد أن المرشد الأعلى أمر بتوظيف 100 ألف معلم في المدارس الدينية.

وفي حين عانت أعمال عارف مثل أعمال أي شخص آخر في أعقاب الفوضى التي تلت استيلاء “طالبان” على السلطة، كان لمعاناته سبب آخر. قال عارف: “ترك الطلاب جميعاً المدارس الدينية وذهبوا إلى العمل لمصلحة حكومة (’طالبان‘)”.

يستفيد من حملة “طالبان” في مجال التعليم الديني [تخفف عنه ضيق ذات الحال]. العام الماضي، باع 25 ألف كتاب مدرسي.

لكن ثمة ثمناً يجب دفعه في مقابل النجاح. يستورد عارف كل شيء وتركز “طالبان” على جمع الإيرادات، حتى من الأدب الإسلامي.

يدفع عارف ضريبة قدرها 170 أفغانياً (2.36 دولار) في مقابل كل صندوق يحوي 100 كتاب، وتبلغ كلفة الشحن 500 أفغاني (6.95 دولار). وتضاعفت الضرائب على مكتبته ثلاث مرات في ظل حكم “طالبان”.

يقول متنهداً: “هذا هو السبب في أن الكتب باهظة الثمن في أفغانستان. مع زيادة المدارس الدينية، تحسنت تجارتنا، وكذلك الضرائب”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى