كيف أعاد بوتين تنظيم اقتصاد روسيا للتركيز على الحرب؟

تشكل النجاحات الميدانية للجيش الروسي في أوكرانيا سبباً رئيساً وراء عدم استعداد الرئيس فلاديمير بوتين للانضمام إلى جهود السلام التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ويخشى بعض جيران روسيا أن تمنع الآلة الحربية التي أصبحت تقود الاقتصاد الروسي الآن بوتين من الإقدام على هذه الخطوة أصلاً.
ومنذ الأيام الأولى للحرب، وضع الرئيس الروسي البلاد على مسار طويل المدى للصراع، إذ أعاد هيكلة الاقتصاد لإنتاج أعداد قياسية من الدبابات ومدافع “هاوتزر”، وعرض مكافآت توقيع تعادل راتب عام كامل لاستقطاب آلاف المقاتلين، وفي إحدى الفترات، كان أكثر من ألف رجل يتطوعون يومياً للقتال.
وساعد هذا الزخم على إنقاذ موسكو من الخسائر الفادحة التي منيت بها بعد فشلها في السيطرة السريعة على كييف قبل ثلاثة أعوام.
واليوم يدعم هذا الاندفاع قوات روسيا في التقدم مجدداً غرباً، إذ سيطرت خلال الشهر الماضي وحده على أكثر من 100 ميل مربع، ومنح هذا التقدم بوتين هامشاً لتأخير مفاوضات السلام وتجاهل الدعوات إلى إجراء محادثات مباشرة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على رغم تزايد الضغوط الأوروبية، وإحباط ترمب من غياب أي تقدم نحو إنهاء الحرب.
لكن حتى لو قرر بوتين في نهاية المطاف السعي إلى السلام، فإن تفكيك هذا التصعيد العسكري سيكون مهمة شاقة.
مجاراة الرواتب المقدمة للجنود
ويقول الزميل البارز في مركز التحليل الأوروبي للسياسات ألكسندر كولياندر لصحيفة “وول ستريت جورنال” إنه “من الضروري تماماً بالنسبة إلى روسيا الاستمرار في الاعتماد على قطاعها العسكري لأنه بات المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي، ولأمد ليس قصيراً، سيكون من شبه المستحيل خفض الإنفاق العسكري”.
وشهد قطاع التصنيع العسكري الروسي تدفق مليارات الدولارات من التحفيز خلال الأعوام الأخيرة، مما أسهم في تعزيز خطوط الإنتاج وتشغيلها على مدى الساعة.
وأدى تدفق الأموال إلى رفع الأجور جزئياً لمجاراة الرواتب المقدمة للجنود وتحسين مستويات المعيشة ضمن بعض المناطق الفقيرة في روسيا.
وقال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس عقب اجتماعه مع البابا لاوون الرابع عشر، إنه “غير متأكد من وجود استراتيجية لدى بوتين لإنهاء الحرب”، مضيفاً في حديثه إلى الصحافيين أن هذا يفسر ربما رفض بوتين جهود ترمب لوقف القتال.
وخلال الآونة الأخيرة أصبح ترمب أكثر جرأة في انتقاد بوتين بسبب استمرار الحرب، فكتب نهاية الأسبوع الماضي منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي قال ضمنه إن “الرئيس الروسي فقد صوابه”، مردفاً أنه “يقتل كثيراً من الناس، وأنا لست سعيداً بذلك”، وعبّر ترمب عن إحباطه مجدداً في منشور آخر أول من أمس الثلاثاء.
وكتب “ما لا يدركه بوتين أنه لولا تدخلي، لكانت حدثت أمور سيئة جداً بالفعل لروسيا، وأعني حقاً سيئة جداً إنه يلعب بالنار!”.
وإذا انتهت الحرب في أوكرانيا، فهناك مخاوف لدى بعض جيران روسيا من أن يتحول اقتصاد الحرب الروسي صوبهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي دول البلطيق، يناقش المخططون العسكريون في إستونيا بقلق احتمال امتداد الحرب إلى أراضي “الناتو”، وفي كازاخستان يراقب المحللون عن كثب أية إشارات إلى احتمال تحرك روسي في شمال البلاد، حيث لا يزال يعيش عدد كبير من السكان من أصول روسية.
وتنطلق هذه المخاوف جزئياً من الاعتقاد بأن الكرملين يفضل إبقاء عشرات آلاف الجنود يقاتلون على جبهات أخرى بدلاً من إعادتهم لديارهم، خصوصاً أنهم رجال خاضوا المعارك وأصبحوا محملين بصدمات نفسية، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اعتبر الزعيم السوفياتي السابق جوزيف ستالين أن عودة قدامى المحاربين تشكل تهديداً له، فأرسل كثيراً منهم إلى معسكرات العمل القسري (غولاغ) لتفادي الضغوط الداخلية التي من الممكن أن يتسببوا فيها.
واليوم قد يعني السلام أن يسرح مئات آلاف الجنود الذين كانوا في أوكرانيا، ولا سيما أولئك الذين وقعوا عقوداً قصيرة الأجل وإعادتهم للحياة المدنية، في وقت يتباطأ النمو الاقتصادي وتقل معدلات الأجور.
وقال فولوديمير إشينكو من جامعة برلين الحرة، “لن تكون فكرة جيدة أن تخفض تلك الأجور بصورة جذرية أو في وقت قصير للغاية، فليس من الحكمة أن يخيب أمل الرجال المسلحين من جانب الدولة”.
ضخ الأموال في صناعة الدفاع
وإذا توقفت المعارك في أوكرانيا، فسيظل الجيش الروسي في حاجة إلى الرجال، وستستمر صناعة الأسلحة في بناء الأسلحة والمركبات لتعويض مخزونات الحقبة السوفياتية التي فقدت على الجبهة، ولكن بوتيرة أبطأ مما كانت عليه خلال الحرب. وقد تؤدي خسائر الوظائف في خطوط الإنتاج، فضلاً عن ركود الاقتصاد بصورة متزايدة، إلى إثارة بعض الاستياء لدى أولئك الذين شهدوا أكبر عملية لإعادة توزيع الثروة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
وقال رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات ومقره موسكو رسلان بوكهوف للصحيفة نفسها “من دون أزمة وجودية مثل الحرب في أوكرانيا، سيكون من الصعب تبرير مواصلة ضخ الأموال في صناعة الدفاع بهذا المعدل الذي نقوم به حالياً”. وأضاف “حتى إن قالوا إن بوتين ديكتاتور شرير، فهو حساس للغاية تجاه ما يفكر فيه الناس وما يريدونه”.
واليوم يبحث بعض العاملين في صناعة الأسلحة خيار تصدير فائض إنتاجهم، في محاولة لاستعادة أمجاد روسيا عندما كانت ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، وهو المركز الذي كانت تحتله قبل اندلاع الحرب، لكن محللين يقولون إن هذا أمر غير مرجح لصناعة فقدت بالفعل حصتها السوقية في آسيا وأفريقيا، وتعتمد على عملاء يحتاجون إلى قروض من روسيا لشراء الأسلحة، وتركز على الكم أكثر من الجودة.
وفي بعض النواحي، تجد روسيا نفسها في وضع مشابه لما كانت عليه الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية أو ألمانيا النازية قبل الحرب، عندما كانت صناعات الأسلحة محركاً للنمو، لكن على عكس الولايات المتحدة، إذ انسكبت التطورات العسكرية على القطاع المدني، مثل إنتاج “البنسلين” على نطاق واسع أو الإنترنت، فمن غير المرجح أن تنتج صناعة الدفاع الروسية اختراقات تكنولوجية تدفع بالنمو المستدام.
وبينما يعاني الاقتصاد المدني نقص الأيدي العاملة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار البيض والبطاطا، يرى بعض المحللين أن تقلص صناعة الأسلحة أمر لا مفر منه، والطريقة التي تجري وفقها إدارة هذا التباطؤ ستكون حاسمة.
وقال كولياندر “عندما تقلل من الحوافز المالية، يجب أن تكون حذراً للغاية، فهناك كثير من الأشخاص الذين لهم مصلحة في استمرار هذه الدوامة”.