عالمي

كم تصل كلفة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي؟

الشائع والمعروف في الصحافة والإعلام الاقتصادي في ما يخص القطاع الصاعد لصناعة الذكاء الاصطناعي هو كبرى شركات التكنولوجيا الجديدة من “أوبن أي آي” الأميركية، التي أطلقت “تشات جي بي تي” والشركة الصينية التي أطلقت “ديب سيك” إلى جانب الشركات الكبرى التقليدية مثل “مايكروسوفت” و”أمازون” و”آبل” و”ميتا” و”غوغل” وغيرها.

إلا أن هذا القطاع يشهد الآن عمليات اندماج واستحواذ وصفقات شراكة وعقود استغلال كبرى بين شركات مختلفة، من شركات بناء وخدمات لوجيستية وطاقة وغيرها.

وتقدر شركات الاستشارات أن تلك الشركات التي تبني مراكز البيانات الهائلة اللازمة لعمل الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى استثمارات تصل إلى 3 تريليونات دولار، وأنه إذا كانت شركات التكنولوجيا الكبرى مولت عملياتها من عائداتها وأرباحها في السابق فإن أكثر من نصف الاستثمارات في بناء الذكاء الاصطناعي وتطويره ستأتي من الديون التي تشارك فيها صناديق رأس المال الخاص، وصناديق الاستثمار المغامر وقروض البنوك والقروض الخاصة.

واذا كان تمويل صناعة الذكاء الاصطناعي حتى الآن بمئات مليارات الدولارات لم يواجه مشكلة، فإنه بحسب تحليل مطول مدعم بالأرقام والجداول والرسوم البيانية نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” هناك أخطار تتعلق بالدين والاقتراض حالياً ولأعوام مقبلة.

فالفورة الحالية في بناء وتجهيز متطلبات تطوير الذكاء الاصطناعي تتضمن احتمالات المغامرة الخطرة، بإقراض شركات قد لا تتمكن من الصمود وتعرض أموال المستثمرين للخطر.

ما حجم الاستثمار والتمويل؟

تبني شركة “ميتا” المالكة لـ”فيسبوك” مركزي “بروميثيوس” و”هايبريون”، ولدى “أكس أي آي” لصاحبها إيلون ماسك مركز “كولوسس” بينما تطور شركة “أوبن أي آي” مركز “ستارغيت”، وتزيد كلفة كل مشروع من هذه المشروعات على 100 مليار دولار، إلا أن كلاً من هذه المشروعات لا يمثل سوى جزء بسيط من الإنفاق المطلوب على إنشاء مراكز البيانات الهائلة اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ويشهد قطاع الذكاء الاصطناعي حالياً أكبر حركة لرؤوس الأموال في التاريخ الحديث، إذ يقول مدير البنية التحتية والإقراض مقابل الأصول في صندوق رأس المال الخاص “بلاكستون” روب هورن إن “كمية رأس المال المطلوبة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي مهولة”، مضيفاً “حجم الفرص الاستثمارية يستنفد رأس المال في أي سوق مالي ويتطلب إسهام كل مصادر الاستثمار، ويلعب رأس المال الخاص دوراً كبيراً”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويدير صندوق “بلاكستون” منصة للاستثمار في مراكز البيانات الهائلة بنحو 85 مليار دولار، ومن المخطط أن تنفق “غوغل” و”أمازون” و”مايكروسوفت” و”ميتا” أكثر من 400 مليار دولار على مراكز البيانات الهائلة العام المقبل 2026، إضافة إلى إنفاق 350 مليار دولار عليها خلال العام الحالي 2025.

على مدى الأعوام الماضية، ركزت شركات التكنولوجيا الكبرى بزيادة إنفاقها على بناء مراكز التخزين الرقمي السحابي واللوجيستيات والبنية التحتية اللازمة لذلك، ثم جاء تطوير الذكاء الاصطناعي بإطلاق “تشات جي بي تي” بنهاية عام 2022، ومعه بدأ سباق محموم بضخ المليارات في تطوير خوادم الكمبيوتر فائقة القوة والرقائق الإلكترونية المتطورة ومراكز البيانات الهائلة اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي، مع كل ما يتطلبه ذلك من لوجيستيات ومصادر طاقة وتبريد.

في السابق، كان معظم الإنفاق من قبل الشركات الكبرى على بناء مراكز البيانات للحوسبة السحابية، مثل خدمات “أمازون ويب” و”مايكروسوفت أزور” و”غوغل كلاود”، يأتي من تمويل الشركات لعملياتها من عائداتها وجزء من أرباحها، إلا أن حجم الطاقة الكمبيوترية المطلوبة للذكاء الاصطناعي أدى إلى تغيير هذا التوجه الآن.

ما أخطار الإقراض لاستثمار الذكاء الاصطناعي؟

من بين 2.9 تريليون دولار مقدرة كاستثمارات مطلوبة لبناء مراكز البيانات الهائلة التي يحتاج إليها تطوير الذكاء الاصطناعي، لن تزيد الأموال التي يمكن أن تأتي من كبرى شركات التكنولوجيا على 1.4 تريليون دولار، بحسب تحليل لبنك “مورغان ستانلي” الاستثماري وغيره من شركات الأبحاث والاستشارات، بالتالي سيحتاج تمويل الذكاء الاصطناعي إلى الاقتراض وديون بنحو 1.5 تريليون دولار.

ومن المتوقع أن يسهم التمويل الخاص من خلال الإقراض بضمان الأصول وتمويل صفقات الاندماج بالدين بنحو 800 مليار دولار، وتسهم مصادر تمويل من صناديق أخرى بنحو 350 مليار دولار، وتأتي 150 مليار دولار من القروض عبر الائتمان بالرهن سواء من البنوك أو من مؤسسات تمويل مالية أخرى.

ومع انسياب تلك الأموال في صناعة الذكاء الاصطناعي، تزيد المخاوف في شأن زيادة السعة الإنتاجية على الحاجة المطلوبة والربحية على المدى الطويل، وكذلك في شأن حاجات الطاقة لمراكز البيانات الهائلة.

وتنقل “فايننشال تايمز” عن أحد المصرفيين ويعمل في مجال تأمين التمويل لمشروعات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، قوله إن “غالب الناس الذين يسعون إلى بناء مراكز بيانات سيفشلون”، موضحاً “نحن في مرحلة من الإثارة داخل أسواق رأس المال، إذ يريدون تمويل أي شيء، ونتطلع للمرحلة التالية لنرى إن كانت العقلانية ستسود أم لا”.

هناك مخاوف من “حال تشبع” مع كثرة مراكز البيانات الهائلة وعدم وجود طلب كاف لاستيعابها من شركات التكنولوجيا الكبرى، كما أن هناك خطر “التقادم” إذ إن التكنولوجيا تتطور بسرعة، وما يُبنى الآن على أساس ما هو متوافر من طاقة كمبيوترية ورقائق إلكترونية قد يصبح قديماً بسرعة وغير مناسب للاستخدام، وهو ما يمكن أن يترك المستثمرين في وضع خسارة لأن الأصول التي ضمنت استثماراتهم أصبحت عديمة القيمة.

ويتوقع أن يصل سوق مراكز البيانات الهائلة هذا العام إلى مستوى غير مسبوق، فلدى الولايات المتحدة طاقة مراكز بيانات هائلة بسعة 20 غيغاوات، وقبل نهاية هذا العام ستضاف طاقة مراكز بيانات هائلة عالمياً بسعة 10 غيغاوات، في حين تقدر المجموعة العقارية “جيه أل أل” أن تضاف سبعة غيغاوات أخرى على وشك الاكتمال.

خلال العام الماضي، غطت شركات التكنولوجيا الكبرى ما يصل إلى 200 مليار دولار أُنفقت على بناء مراكز البيانات الهائلة من أموالها، إلا أن الكلفة يتوقع أن تتضاعف هذا العام وتزيد أكثر العام المقبل 2026، لذا بدأ المحللون والاقتصاديون يتشككون في قدرة شركات التكنولوجيا الكبرى على تغطية تمويل بناء مراكز البيانات والبنية التحتية اللوجيستية من أموالها، والمستثمرون بدأوا يقلقون حول متى ستدر أموالهم عائداً من بيع خدمات الذكاء الاصطناعي.

بلغت عائدات شركات التكنولوجيا الكبرى من خدمات الذكاء الاصطناعي العام الماضي 45 مليار دولار، بحسب تقديرات المحللين في “مورغان ستانلي”، ومع التوقعات بانتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات الاقتصادية بقوة، يقدر أن تصل عائداته إلى تريليون دولار بحلول عام 2028.

إنما حتى الآن، لا تكفي العائدات لسد فجوة التمويل لمشروعات التطوير المخطط لها وهو ما يتطلب مزيداً من الديون والاقتراض، وذلك في ظل عدم اليقين إزاء تقديرات بأن يستخدم الجميع الذكاء الاصطناعي، مما يعني زيادة عائدات الشركات التي تطوره من بيع خدماته.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى