عالمي

التباطؤ الاقتصادي يقلص نفوذ الصين في الشرق الأوسط

على مدى معظم العقد الماضي كانت قصة الصين في الشرق الأوسط واضحة ومباشرة عنوانها ارتفاع لا نهاية له في الاستثمار والتجارة والنفوذ، ولكن بعد أن توسطت في عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في وقت سابق من هذا العام، وبالنظر إلى علاقتها الاقتصادية القوية مع إسرائيل، وجدت الصين نفسها أيضاً في دائرة الضوء مع تفاقم الصراع في غزة.

لكن هل من المقدر للشرق الأوسط أن يظل على المستوى الاقتصادي أقل وسطاً وأكثر شرقاً؟ تتساءل “وول ستريت جورنال”، وتجيب قائلة “ربما لا في الأقل، ليس بالسرعة التي بدت محتملة قبل بضع سنوات فقط، فهناك ركيزتان من ركائز نفوذ الصين المتزايد في المنطقة، وهما مشتريات الطاقة والاستثمارات الخارجية، اللتان تشهدان تغيرات كبيرة”.

وتضيف الصحيفة “الأمر الأكثر وضوحاً هو أن واردات الصين من النفط اتجهت بشكل حاسم نحو روسيا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، إلى الحد الذي أصبحت معه أكبر مورد للصين. وكانت الواردات الصينية من الخام الروسي في الربع الثالث من عام 2023 أعلى بنسبة 42 في المئة عما كانت عليه في الربع الثالث من عام 2021، وفقاً للأرقام الصادرة عن مزود البيانات (سي أي آي سي)، وارتفعت الواردات من العراق فقط بنسبة ستة في المئة، وانخفضت الواردات من السعودية، أكبر مورد للنفط للصين سابقاً، بنسبة 11 في المئة”.

وتشير الصحيفة إلى أنه على المدى القصير، قد يؤدي الافتقار إلى قدرة خطوط الأنابيب الروسية إلى الحد من مدى التقدم الذي يمكن أن يحرزه هذا التغيير، ولكن على المدى الطويل، قد يكون من الصعب فهم المنطق الجيوسياسي المتمثل في زيادة الواردات البرية من روسيا، بدلاً من البحر من الشرق الأوسط، ومتى استمرت التوترات مع الولايات المتحدة مرتفعة، فسيكون لدى الصين حافز قوي للعمل مع روسيا لتوسيع قدرة خطوط الأنابيب، بخاصة أن الممرات البحرية ستكون معرضة للخطر في حالة نشوب أي صراع مستقبلي مع الغرب، ومن الممكن أن يؤثر تباطؤ النمو في الصين، بخاصة في القطاعات الصناعية الثقيلة المرتبطة بالبناء والمتعطشة للطاقة مثل البتروكيماويات، على نمو الطلب على النفط لسنوات.

الصين ورأس المال الاستثماري لاقتصادات المنطقة

وتقول الصحيفة إن الدور الذي تلعبه الصين باعتبارها مصدراً لا نهاية له لرأس المال الاستثماري لاقتصادات الشرق الأوسط بات اليوم أكثر غموضاً مما كان عليه قبل عامين، ففي عام 2021 أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الوجهة الأولى للتمويل الجديد من “مبادرة الحزام والطريق” – برنامج الصين للبنية التحتية الخارجية بقيمة تريليون دولار – إذ تلقت نحو 29 في المئة من إجمالي 59 مليار دولار من إجمالي الاستثمارات وعقود المبادرة في ذلك العام، وفقاً لتقرير من مركز التمويل الأخضر والتنمية بجامعة فودان.

وتقول الصحيفة إنه في الإجمال، تلقى طموح “مبادرة الحزام والطريق” ضربة كبيرة في السنوات الأخيرة، وهو ما يرجع جزئياً إلى الوباء والمخاوف المتزايدة في شأن الديون وجودة المشاريع في الصين وخارجها.

ووفقاً لبيانات معهد “أميركان إنتربرايز” أضافت صفقات المبادرة الكبرى التي تم التوقيع عليها في النصف الأول من عام 2023 ما يصل إلى نحو 40 مليار دولار، وهذا من شأنه أن يضع إجمال حجم الصفقات على المسار الصحيح لأعلى مستوى له منذ عام 2019، لكنه لا يزال أقل بكثير من المستويات السنوية التي تزيد على 100 مليار دولار والتي يتم تحقيقها بشكل روتيني قبل الوباء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخارج مشاريع المبادرة الرسمية تبدو صورة الاستثمار الأجنبي أقل وردية، إذ انخفض صافي الاستثمار المباشر الخارجي للصين في أكبر ثمانية اقتصادات في الشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل وإيران، بنحو الثلث في عام 2021 عن مستويات 2020، وفقاً لبيانات شركة “سي إيه آي سي”.

ولم تكن الصين من بين أكبر 10 مستثمرين في الدول العربية في عام 2022 – من جهة الإنفاق الرأسمالي – للمرة الأولى منذ عام 2018 في الأقل، وفقاً لبيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار والائتمان ومقرها الكويت.

الشركات الصينية والبحث عن ممولي المنطقة

ومن المرجح أن يتعافى الاستثمار هذا العام والعام المقبل بعد أن تخلت الصين عن ضوابطها الخاصة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وبدأت في إعادة التواصل مع العالم، في حين تشير البيانات الصينية الرسمية إلى ارتفاع إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الخارج بنسبة 6.7 في المئة على أساس سنوي في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي، وارتفع الاستثمار غير المالي في “الحزام والطريق” بنسبة 50 في المئة.

ومع استمرار تبخر الاستثمارات الأجنبية في الصين من الغرب، فإن عديداً من الشركات الصينية قد تبدأ على نحو متزايد في البحث عن ممولي الشرق الأوسط الأثرياء بالدولار للحصول على رأس المال، وليس العكس.

وأخيراً، فإن رفض الصين الإدانة الصريحة للهجوم الذي شنته “حماس” قد يحد من فرصها في زيادة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل في المستقبل، على رغم أن التجارة الثنائية من المرجح أن تظل كبيرة إذ تعد الصين حالياً ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل.

الصين هي أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وهو ما يعني أنها مهتمة دائماً بامتلاك نفوذ هائل في الشرق الأوسط لفترة طويلة، لكن أحداث السنوات الثلاث الماضية من الجائحة والتوترات قلبت أيضاً أسواق الطاقة العالمية والافتراضات في شأن نمو الصين.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى