عالمي

طائرات الخطوط الجوية الليبية مهددة بالتوقف عن معانقة السماء

تراكمت الأزمات الإدارية والمالية على شركة الخطوط الجوية الليبية الرسمية في الأعوام الأخيرة، حتى باتت مهددة بصورة كبيرة بالتوقف عن تسيير الرحلات الجوية للمرة الأولى منذ أكثر من ستة عقود، بعد تقلص سربها من الطائرات العاملة إلى طائرتين فقط، ووجهاتها الخارجية من 20 دولة إلى ثلاث دول فقط.
الحال الموجعة التي آلت إليها واحدة من أقدم شركات النقل الجوي في ليبيا وعجزها عن منافسة الشركات الخاصة التي تزايد عددها في الأعوام الماضية، دفعها إلى إطلاق أكثر من نداء استغاثة في الأسابيع الأخيرة للجهات المسؤولة للتحرك على عجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل السقوط في هاوية الإفلاس والعجز التام عن تنفيذ رحلات جديدة بالداخل والخارج.

خطر وجودي

وتأسست الشركة عام 1964 كأول شركة نقل جوي في ليبيا تحت اسم “الخطوط الجوية للمملكة الليبية”، وتم تغيير اسمها لاحقاً عام 1969 إلى “الخطوط الجوية العربية الليبية” ثم في عام 2006 تغير اسم الشركة إلى اسمها الحالي “الخطوط الجوية الليبية”.
وعلى رغم أن معاناة الخطوط الجوية الليبية معروفة منذ أعوام للقاصي والداني في ليبيا فإن تفاقمها لدرجة باتت تهدد وجودها كشفت عنه الشركة نفسها قبل شهرين، مثيرة جدلاً واسعاً بين الليبيين الذين تربط غالبيتهم بها علاقة قديمة وذكريات خاصة، حينما كانت الشركة الأبرز والأكبر في البلاد طيلة أربعة عقود منذ تأسيسها بداية عقد الستينيات من القرن الماضي.
في بداية يوليو (تموز) الماضي كشف المتحدث باسم شركة الخطوط الجوية الليبية، أحمد الطيرة، أن “الأزمة التشغيلية والمالية التي تعانيها الشركة تفاقمت جداً وهي ليست وليدة هذا العام، بل مستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام”، مشيراً إلى أن “إدارة الشركة والعاملين فيها وجهوا مناشدات رسمية عدة للحكومات الليبية للتدخل السريع، خصوصاً في ملف صيانة الطائرات، دون جدوى”.

تقلص السرب الجوي

وأوضح الطيرة أن “الشركة لا تملك حالياً سوى طائرتين فقط من طراز A320 قيد التشغيل، بينما توجد طائرة من طراز A330 متوقفة في مصر منذ عام 2022 بسبب تراكم الديون، وأخرى متوقفة في مدينة سبها”، كما بيّن أن “الشركة لا تطالب بتحويل أموال مباشرة من الحكومة، بل تسعى إلى تدخل الدولة لمعالجة مستحقاتها المالية”، قائلاً إن “الشركة تُعامل وكأنها خاصة على رغم أنها شركة الدولة الرسمية”.
وأوضح أن “الشركة بحاجة ماسة إلى قطع غيار ومواد تشغيلية أساسية”، واصفاً مصيرها بأنه “مجهول وتقبع في غياهب النسيان”.
وخلص المتحدث باسم الخطوط الجوية الليبية إلى أن “الشركة كانت تسيّر رحلات إلى 20 دولة، بينما تقتصر رحلاتها اليوم على ثلاث دول فقط، مع وجود احتمال بتوقف السفر حتى داخلياً بسبب عدم توفر الطائرات الكافية، نتيجة تدمير الأسطول خلال جائحة كورونا وأحداث مطار طرابلس”.

صرخة وجع

وفُهم البيان الرسمي الذي كشفت فيه الشركة عن معاناتها، من فئات واسعة من الليبيين على أنه تمهيد لإعلان إفلاس الشركة، التي سارعت إلى نفي هذا الأمر، مؤكدةً أن البيان الصادر عن المكتب الإعلامي للشركة لم يكن إعلان إفلاس، بل “صرخة وجع” نتيجة الأزمة الخانقة، لكن أسيء فهمه وتفسيره على مواقع التواصل الاجتماعي،
ونفت الشركة أيضاً ما تم تداوله في شأن وجود قوائم لتقليص الموظفين، مؤكدة أن “أية عملية تقليص محتملة ستراعي كامل حقوق العاملين”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خسائر ضخمة

من جانبه، كشف رئيس نقابة النقل الجوي الليبية عبدالسلام التميمي أن “خسائر شركة الخطوط الجوية الليبية بلغت ما يقارب مليارَي دينار (371 مليون دولار) منذ 2011 إلى اليوم، ولم يتم دعمها حكومياً لانتشالها من أزمتها الخانقة”، لافتاً إلى أن “الخطوط الجوية الليبية فقدت 17 طائرة خلال هذه الأعوام جراء الحروب وعدم الصيانة والآن لديها طائرتان فقط، ولم تتلق أي دعم أو أي تعويض عن الخسائر التي لحقت بها”.
وأكد التميمي أن “الشركات الوطنية تئن بسبب عدم تعويضها عن الخسائر التي لحقت بها جراء الحروب بالأعوام الماضية مما جعلها غير قادرة على مواكبة السوق المحلية والدولية”.
وتعتبر شركة الخطوط الجوية الليبية الخاسر الأكبر بين الشركات الجوية العاملة في ليبيا جراء الحروب التي عرفتها البلاد منذ عام 2011، حيث تضررت أو دُمرت لها 17 طائرة في 10 أعوام فقط، ثلاث طائرات عام 2011 أثناء الثورة على نظام معمر القذافي و12 طائرة عام 2014 في سياق ما عُرف بحرب المطار بين كتائب مدينتي الزنتان ومصراتة وطائرة عام 2019 وطائرة عام 2020.

مصير متوقع

المحلل الاقتصادي محمد بوسنينة علق على الظروف الصعبة التي تمر بها شركة الخطوط الجوية الليبية بالقول إن “الخطوط الجوية ليست الشركة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تتعرض لأزمة مالية تهدد نشاطها وقد تعرضها للإفلاس، هذا شأن معظم شركات الطيران التي تعمل في مختلف دول العالم”، وتابع “في كثير من الأحيان، تتدخل الحكومات لإنقاذ الشركات ذات الأهمية الإستراتيجية أو التي تُعد إحدى دعائم الاقتصاد التي يترتب على إفلاسها أضرار كبيرة تلحق بالاقتصاد والدولة من منظور اعتبارات الكلفة الاجتماعية والمنفعة الاجتماعية، وهي الشركات والمؤسسات التي لا يُسمح بانهيارها عندما تترتب على تصفيتها أخطار وأضرار وكلف أكبر من كلفة إنقاذها والمحافظة على استمرارها وكلف تشغيلها ودعمها”.
ويعتقد بوسنينة أن “ما يحدث مع شركة الخطوط الجوية الليبية طبيعي، بالنظر إلى ما تعرض له أسطولها من تدمير بسبب القوة القاهرة والحروب، والمشكلات المالية التي تعرضت لها بسبب تضخم عدد العاملين بها وعدم المرونة في إتمام تحويلاتها لسداد مصروفات الصيانة والتشغيل في الخارج، وعدم القيام بأية محاولات جادة في السابق لإعادة هيكلتها، وأنه لم يتم استكمال دفع رأسمالها المكتَتب فيه الذي يقدَّر بمليار دينار (185 مليون دولار)، لم يُدفع منه سوى 400 مليون دينار (74 مليون دولار)، وفقاً لما ورد في تقارير صحافية وإعلامية”.

خطة إنقاذ عاجلة

وطالب بوسنينة بإنقاذ الشركة عاجلاً لأنها من أصول الدولة الليبية، وتوفر فرص عمل لعدد كبير من العاملين قد يصل عددهم إلى 5 آلاف عامل وموظف، ولاسم الشهرة الذي تحظى به في أوساط الطيران العالمية على مدى 60 عاماً منذ تأسيسها، حيث تعتبر الشهرة أصلاً من أصول الشركة وحافظت عليه لأعوام طويلة”.
لكل ما سبق، يرى المحلل الاقتصادي أنه “يجب تدخل الحكومة لإنقاذ الشركة من مآلات التعثر والإفلاس، وهذا لا يعني أنه لا ينبغي إعادة هيكلة الشركة لتصحيح أوضاعها، حيث تتعدد أوجه إعادة الهيكلة التي يمكن أن تطبق في شأنها”.
واختتم قائلاً “قد ينبري البعض بالاعتراض، ممن يرون في تدخل الدولة لإنقاذ شركاتها الكبرى والمهمة ودعمها نوعاً من التدخل في السوق، وأنه يرسخ هيمنة القطاع العام ويتنافى مع مبادئ اقتصاد السوق ويشكل محاربة للقطاع الخاص باعتبارها شركة عامة، لهؤلاء نقول إن الدولة قد تتدخل ليس فقط لإنقاذ بعض الشركات العامة، بل إنها قد تتدخل لإنقاذ حتى بعض شركات القطاع الخاص لما تحظى به من أهمية للاقتصاد والدولة.”




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى