ضريبة الثروة تلوح في الأفق والمليارديرات يغادرون بريطانيا

فقدت بريطانيا عدداً من المليارديرات أكثر من أية دولة أخرى في العالم خلال العامين الماضيين، مما أثار مخاوف من تسارع وتيرة المغادرة في حال مضت الحكومة في فرض ضريبة على الثروة.
وتظهر التحليلات أن بريطانيا خسرت ربع عدد المليارديرات الذين تقدر ثرواتهم بالدولار الأميركي، أي ما مجموعه 18 مليارديراً، خلال عامي 2023 و2024، وفي الفترة نفسها غادر 12 مليارديراً من الصين، وثمانية من روسيا.
وتعود هذه البيانات لبحث أجرته شركة “نيو وورلد ويلث”، من دون أن تسمي الأفراد الذين غادروا، لكن من المعروف أن إمبراطور العقارات الملياردير آصف عزيز كان من بين من غادروا البلاد خلال تلك الفترة.
ويُذكر أن عزيز، المولود في مالاوي ومالك مجمع “تروكاديرو” الترفيهي الشهير في “بيكاديللي سيركس” وسط لندن، نقل إقامته الضريبية إلى أبوظبي في نهاية العام الماضي، مدفوعاً بالقواعد الضريبية الجديدة في بريطانيا.
وفي موازنتها لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وسعت وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز حملة حزب المحافظين على المقيمين غير المقيدين ضريبياً (non-doms) عبر إلغاء الامتياز الضريبي بالكامل، واستبداله بنظام قائم على الإقامة، وأعلنت أن ضريبة التركات البريطانية (IHT) ستطبق على الأصول العالمية للأجانب الأثرياء الذين عاشوا في المملكة المتحدة لأكثر من 10 سنوات.
وأفادت تقارير بأن موجة نزوح المليارديرات استمرت خلال هذا العام أيضاً، إذ أظهرت سجلات في أبريل (نيسان) الماضي، أن الشريك في ملكية نادي أستون فيلا الإنجليزي الملياردير المصري ناصف ساويرس نقل إقامته الضريبية إلى إيطاليا، بعد أن نقل مجموعته الاستثمارية العائلية إلى أبوظبي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
وأوضح ساويرس أن قراره بالمغادرة يعود لـ”عقد من عدم الكفاءة” من جانب حزب المحافظين، إضافة إلى تشديد حزب العمال على ضريبة التركات المفروضة على الثروات العالمية للمقيمين غير المقيدين ضريبياً.
وفي الفترة نفسها تقريباً، نقل الشقيقان البريطانيان إيان وريتشارد ليفينغستون، وهما من كبار أصحاب الثروات في قطاع العقارات، إقامتهما الضريبية إلى موناكو، وعزوا قرارهما إلى إلغاء نظام “المقيم غير المقيد ضريبياً (non-dom).
حزب العمال وفرض ضريبة على الثروات
ويبحث حزب العمال حالياً فرض ضريبة على الثروة، بعدما تسببت التراجعات عن خطط دعم التدفئة الشتوية وإصلاحات الرعاية الاجتماعية في إحداث فجوة في خطط وزيرة الخزانة. وفي الأسبوع الماضي رفض السير كير ستارمر استبعاد هذا الخيار، على رغم التحذيرات من أن ذلك قد يسرع وتيرة مغادرة الثروات والمواهب من بريطانيا.
وقال ماكسويل مارلو، من معهد آدم سميث، وهو مركز أبحاث يميني التوجه، لصحيفة “التايمز”، إن فرار المليارديرات من بريطانيا “لا ينبغي أن يفاجئ أحداً”.
وأضاف “الأثرياء يصوتون بأقدامهم، ومن المخزي أن المناخ الاقتصادي والسياسي في بريطانيا يدفع أصحاب الثروات الفائقة إلى مغادرة مايفير والتوجه إلى دول الخليج”.
وتابع “الحديث عن فرض ضريبة على الثروة، بعد الإلغاء غير المفهوم لنظام المقيمين غير الخاضعين للضريبة (non-doms) يخيف هؤلاء المستثمرين والمنفقين المنتجين ويدفعهم للرحيل”.
وشدد مارلو على ضرورة أن “تبادر الحكومة، على وجه السرعة، إلى تقليد أنظمة التأشيرات الخاصة بذوي الثروات العالية المعمول بها في إيطاليا أو الولايات المتحدة، لجذب هؤلاء المبدعين في توليد الثروة مجدداً إلى شواطئ بريطانيا”.
وقالت شبكة العدالة الضريبية، وهي مجموعة ناشطة، إن ضريبة الثروة تحظى بدعم غالبية البريطانيين، وهي تدعو الحكومة إلى فرض رسم سنوي بنسبة اثنين في المئة على الأصول الشخصية التي تزيد قيمتها على 10 ملايين جنيه استرليني (13.4 مليون دولار)، وتعتقد أن تقارير رحيل الأثرياء عن بريطانيا مبالغ فيها.
أضرار الثروة المفرطة
من جانبه قال الرئيس التنفيذي للشبكة أليكس كوبام “فكرة أن نقلق من مغادرة الأفراد فائقي الثراء لبلد ما، تتجاهل تماماً كيفية تكوين الثروة والأثر الضار الذي تسببه الثروات الهائلة في الاقتصادات.”
وأضاف “نحن بحاجة إلى ضرائب على الثروة لإنهاء المعاملة الخاصة التي يحصل عليها جامعو الثروات مقارنة بكاسبيها، ولحماية الناس والاقتصادات من أضرار الثروة المفرطة.”
وتشير أبحاث “نيو وورلد هيلث” إلى أنه بنهاية هذا العام، سيبقى في بريطانيا 72 مليارديراً بالدولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مايو (أيار) من هذا العام، أظهر تصنيف “قائمة الأغنياء” لصحيفة “ذا صنداي تايمز” أن بريطانيا تضم 156 مليارديراً، بانخفاض من 165 في العام السابق، وهو أكبر تراجع سنوي منذ بدء القائمة في عام 1989.
وقالت مؤسسة “نيو وورلد ويلث” إن أعدادها أقل لأن تقديرات ثروتها تستثني الشركات غير المدرجة والعقارات، لكنها أشارت إلى أن كلا الدراستين أظهرتا الاتجاه نفسها، وهو انتقال الأثرياء الفائقين من بريطانيا.
وتشير الأبحاث إلى أن عدداً منهم توجهوا إلى الإمارات، التي شهدت أكبر زيادة نسبية في عدد المليارديرات، إذ أصبحت تضم الآن 28 مليارديراً.
أما الولايات المتحدة فشهدت أكبر زيادة إجمالية في عدد المليارديرات، إذ أضيف 15 مليارديراً خلال عامين، لتصل إلى 867 مليارديراً، أي ثلاثة أضعاف عدد ثاني أكبر دولة، الصين، التي تضم 278 مليارديراً.
“بريكست ونزوح الأثرياء”
ويرى أندرو أمويلز، من” نيو وورلد هيلث”، أن هناك عوامل تدفع الأثرياء الفائقين لمغادرة بريطانيا، بينما أسهم ركود الاقتصاد وسوق الأسهم البريطانية في صعوبة تحول رواد الأعمال المحليين إلى مليارديرات.
وقال “عند فحص عوامل الثراء التقليدية، يتضح أن اقتصاد بريطانيا يعاني منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، إذ انخفض متوسط الثروة للفرد في البلاد بنسبة 10 في المئة منذ ذروته قبل الأزمة في عام 2007، بالقياس إلى الدولار.”
وأضاف “معدلات ضريبة الأرباح الرأسمالية وضريبة الإرث [IHT] المرتفعة، التي تعد من بين الأعلى عالمياً، تثني أصحاب الأعمال الأثرياء والمتقاعدين عن العيش في بريطانيا. وزادت الزيادات الضريبية الأخيرة في موازنة أكتوبر 2024 من تفاقم هذه المشكلة، إذ شملت ضريبة الإرث الجديدة غير المقيمين والمزارع والشركات الصغيرة.”
وتابع “الصعود المستمر لمراكز مالية منافسة مثل دبي وفرانكفورت وميلانو أضعف مكانة لندن كأبرز مركز مالي في المنطقة، ويمكن القول إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) سرع من هذا التحول”.