شهدت صفقات مراكز البيانات العالمية قفزة لتصل إلى مستوى قياسي جديد هذا العام، مدفوعة بالاندفاع لبناء البنية التحتية المطلوبة للأحمال الثقيلة للطاقة الناتجة عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وجاء هذا الارتفاع على رغم تزايد حرص المستثمرين حيال تقييمات الذكاء الاصطناعي المرتفعة والتمويل الذي يدعم التوسع السريع لمراكز البيانات.
وكانت تراجعت الأسهم العالمية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط مخاوف من احتمال وجود فقاعة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي.
ومراكز البيانات هي منشآت فعلية تضم الخوادم وأجهزة التخزين ومعدات الشبكات، وتقوم بجمع ومعالجة وتخزين وتوزيع كميات هائلة من البيانات الرقمية.
تدعم هذه المراكز كل شيء من الخدمات السحابية مثل الذكاء الاصطناعي والبث الإلكتروني والبريد الإلكتروني، إلى تطبيقات الأعمال والتجارة الإلكترونية، وتعمل كعمود فقري للعالم الرقمي من خلال توفير بنية تحتية تقنية مركزية وقابلة للتوسع وآمنة.
وتدير الوظائف الحيوية مثل النسخ الاحتياطية للبيانات والتعافي من الكوارث والتعاون في الوقت الفعلي، باستخدام تقنيات المحاكاة الافتراضية والأتمتة لزيادة الكفاءة، وضمان توفر التطبيقات والبيانات عند الطلب.
من جانبها أفادت وكالة “أس آند بي غلوبال” أن أكثر من 61 مليار دولار تدفقت إلى سوق مراكز البيانات هذا العام، بزيادة طفيفة على 60.8 مليار دولار العام الماضي، في ظل ما وصفته بـ”الهوس العالمي للبناء”.
وأسهم ارتفاع تمويل الديون في تحقيق هذا الرقم القياسي، إذ لجأت الشركات الكبرى بشكل متزايد إلى أسواق الأسهم الخاصة بدلاً من تمويل البنية التحتية المكلفة بأنفسها.
وأثار هذا الاتجاه مخاوف بعض المستثمرين الذين يشككون في قيمة التكنولوجيا المتقدمة التي تستضيفها مراكز البيانات.
وانخفضت أسهم شركة “أوراكل” السحابية بنسبة 5 في المئة الأربعاء الماضي، بعد تقرير يفيد بسحب شركة “بلو أويل كابيتال” دعمها لمركز بيانات بقيمة 10 مليارات دولار في ميشيغان.
ونفت “أوراكل” التقرير، لكن أسهم “برودكوم” و”إنفيديا”، و”أدفانسد مايكرو ديفايسيز” تراجعت بعد نشره، وخسر مؤشر “ناسداك” المجمع 1.81 في المئة في أسوأ يوم له منذ نحو شهر.
نشاط الصفقات ومراكز البيانات
وقال محلل قطاع التكنولوجيا والإعلام والاتصالات في “أس آند بي غلوبال ماركت إنتيليجن” إيري ستروتا يتوقع فريقنا أن تكون المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي و(أوراكل) موقتة، ومن غير المرجح أن يكون لها تأثير كبير في بناء مراكز البيانات أو نشاط الاندماج والاستحواذ في المستقبل القريب”.
وأضاف “الديناميكيات التنافسية بين مزودي نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل(أوبن أي آي) و(ألفابت) و(أنثروبيك) تتغير بسرعة، وهذا قد يؤثر في معنويات المستثمرين في الأسواق العامة، لكن بصورة عامة نرى الطلب على تطبيقات الذكاء الاصطناعي مستمراً في النمو بقوة في 2026″.
وعلى رغم التراجع الأخير في أسهم الذكاء الاصطناعي، يظل العديد من المحللين متفائلين بالقطاع.
وتوقع بنك “إي آي جي” أن تشير الاتجاهات طويلة الأمد إلى مستويات استثمار صحية في 2026، مدفوعة بتطورات الذكاء الاصطناعي والدعم المتزايد من القطاعين العام والخاص للابتكار الرقمي.
وقال رئيس قسم مراكز البيانات والتكنولوجيا في بنك “آي أن جي” ويم ستينباكرز، لقناة “سي أن بي سي”، “هناك جانبان لتطوير الذكاء الاصطناعي، أحدهما يدعم التفاؤل مثل تسريع تطوير الأدوية، وفي الوقت نفسه هناك مخاوف تتعلق عادة بالسلامة العامة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف “لذلك لا تزال حالة عدم اليقين قائمة حول تحقيق الأرباح من التكنولوجيا ونماذج الأعمال المرتبطة بها، والأسئلة حول مستويات الاستثمار المرتفعة لن يتم الإجابة عنها إلا في المستقبل عندما تتضح التطبيقات والفوائد الحقيقية للتكنولوجيا”.تم تنفيذ أكثر من 100 صفقة لمراكز البيانات خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام، بقيمة إجمالية تجاوزت بالفعل جميع الصفقات المنجزة في 2024، وفق بيانات “أس آند بي ماركت إنتليجنس”، وقد جرت الغالبية العظمى من هذه الصفقات في الولايات المتحدة، تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وقال ستروتا “في أوروبا من المتوقع أن ينمو بناء مراكز البيانات بمعدل أقل من المناطق الأخرى، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى اندفاع للاندماج والاستحواذ وسط ندرة الأصول”.
وأشار التقرير الحديث من بنك “آي أن جي” إلى أن وتيرة النمو في الولايات المتحدة تترك أوروبا “خلف الركب”، وتوقع التقرير أن استثمارات مراكز البيانات في الولايات المتحدة قد تكون أعلى بخمسة أضعاف.
ويزداد النمو من الشرق الأوسط، إذ تسعى دول الخليج الغنية لتكون مركزاً عالمياً جديداً للذكاء الاصطناعي.
إصدار الديون والاستثمار
وفقا لبيانات “أس آند بي” ارتفع إصدار الديون تقريباً إلى 182 مليار دولار في 2025، مقارنة بـ92 مليار دولار العام الماضي.
وشملت الشركات الأكثر نشاطاً في هذا المجال “ميتا” و”غوغل”، إذ جمعت “ميتا” 62 مليار دولار منذ 2022، نصف هذا المجموع تقريباً في 2025 وحده.
وجمعت “غوغل” و”أمازون” 29 و15 مليار دولار على التوالي، حسب التقرير، الذي أشار إلى أن الشركات الكبرى تعمل بصورة متزايدة مع مختبرات الذكاء الاصطناعي لشراء أصول وتمويل البناء في “ترتيب غير معتاد” يبرز رأس المال الكبير المطلوب لتلبية الطلب.
ويتوقع ستروتا نشاط استثماري “أقوى” للاندماج والاستحواذ في قطاع مراكز البيانات في 2026، قائلاً “لن أفاجأ إذا ارتفعت التقييمات العالية بالفعل إلى مستويات أعلى”، مضيفاً “يمكن أن يتأثر بناء مراكز البيانات الجديدة موقتاً بنقص إمدادات الطاقة، مما يجعل مراكز البيانات القائمة أكثر قيمة، ومع ندرة توفر شركات مراكز البيانات الكبرى، قد نشهد المزيد من مبيعات الأصول من الشركات التي لا تعتبر مراكز البيانات جزءاً أساسياً من أعمالها”.
