خردة الحديد والصلب .. الشحنات العالمية توجه بوصلتها نحو الهند مع تطوير البنية التحتية

خصصت الميزانية العامة الهندية التي بدأت في شهر أبريل الماضي نحو 120 مليار دولار للإنفاق على البنية التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية، ويمثل ذلك زيادة بنسبة تتجاوز 30 في المائة عن العام السابق، وأعلن وزير المالية الهندي حينها أن تلك الخطوة ترمي إلى تعزيز الإنتاجية وزيادة الوظائف في الدولة الأكثر سكانا في العالم.
ووفقا لتقديرات البنك المركزي الهندي، فإن الاقتصاد الوطني سينمو بنسبة 6.5 في المائة هذا العام، وعلى الرغم من أن هذا المعدل أقل مما حققه الاقتصاد الهندي في العام المالي السابق، إذ قدر معدل النمو بـ7.2 في المائة، إلا أن المؤكد أن نسبة النمو ستنعكس على توسع ملحوظ في المدن الهندية، كما سيرفع النمو المتوقع من استهلاك الطاقة بشكل كبير، خاصة مع تزايد عمليات التصنيع والاستهلاك، وغالبا ما يتوافق ذلك مع مزيد من الضغوط الدولية على نيودلهي لخفض الانبعاثات الغازية، أخذا في الحسبان أنها مستهلك ضخم للطاقة بسبب عدد سكانها البالغ 1.4 مليار نسمة.
وهنا يقول المهندس آرون جوبتا نائب رئيس التجارة الخارجية في مجموعة” أي إم آر” العاملة في مجال خردة المعادن، “إن اتجاه الهند إلى مزيد من الإنفاق على البنية التحتية والضغوط التي تتعرض لها من المجتمع الدولي لخفض الانبعاثات، أديا إلى ازدهار سوق الخردة وإعادة التدوير في البلاد التي تعد ثاني أكبر منتج للصلب في العالم بعد الصين”.
وأضاف جوبتا، أنه “من المرجح أن يراوح استهلاك الهند من الخردة الحديدية في العام المالي الحالي ما بين 28 و30 مليون طن، مقارنة بـ24 مليون طن العام الماضي، و18 مليون طن في عام 2021.
وبلغت واردات الهند من الخردة الحديدية المستخدمة في صناعة الصلب نحو 9.8 مليون طن في العام المالي الحالي، وهو ارتفاع حاد مقارنة بنحو 3.6 مليون طن في العام المالي السابق.
وبحسب جوبتا، يرجع ذلك إلى ارتفاع إنتاج الصلب الخام محليا وانخفاض توافر الخردة المحلية في الوقت ذاته، فضلا عن الاضطرابات الجيوسياسية التي غيرت تدفقات التجارة العالمية التي زادت من الشحنات الموجهة إلى الهند.
ويستدل على ذلك، بأن تركيا أكبر مستهلك للخردة المستخدمة في إنتاج الصلب في العالم، لكن بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية زادت رابطة الدول المستقلة من صادراتها من الصلب شبه المصنع إلى تركيا، وانعكس ذلك على القدرة الإنتاجية لمصانع الصلب التركية ومن ثم تراجع طلبها على الخردة، ما أدى إلى توجيه الشحنات الدولية من تركيا إلى الهند.
كما أن نقص العملة الأجنبية والركود الاقتصادي لدى بعض المشترين الرئيسين لخردة الصلب مثل باكستان وبنجلادش دفعا بالموردين العالميين إلى إعادة توجيه جميع الشحنات الخاصة بهم تقريبا إلى الهند.
وقال لـ”الاقتصادية” إم. إل. بالتيك المحلل المالي في بورصة لندن، “إن الاستثمارات المتزايدة في البنية التحتية المدفوعة بالتوسع الحضري في الهند أدت إلى زيادة الطلب المحلي على المعادن خاصة الصلب، فنحو 62 في المائة من إنتاج الصلب تذهب إلى إنشاء البنية التحتية، وقطاع الصلب يسهم بـ2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الهندي ويوفر فرص عمل لأكثر من مليوني شخص، ومع تزايد استهلاك الصلب والمعادن في الهند تم دعم التوجه نحو الاقتصاد الدائري من قبل عديد من الشركات التي تدخل في مجال إعادة تدوير الخردة المعدنية، وإعادة التدوير هو الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد الدائري”.
وأضاف قائلا “تبلغ قيمة سوق إعادة تدوير الخردة المعدنية العالمية أكثر من 500 مليار دولار، وحصة الهند تبلغ نحو 11 مليار دولار أو 2.2 في المائة من الصناعة، وعند مقارنة استخدام الخردة بعملية إنتاج معادن جديدة، فإن إعادة تدوير المعادن رخيصة نسبيا، ويتناسب هذا الاتجاه مع فلسلفة الهند فيما يتعلق بالاكتفاء الذاتي”.
ووفقا لتقديرات المعهد الهندي للمعادن، تقدر قيمة صناعة الخردة المعدنية في الهند بنحو 18 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل نمو سنوي يراوح بين 5 و6 في المائة في الأعوام المقبلة، خاصة مع زيادة استهلاك المعادن في صناعات البناء والتصنيع، ويلاحظ أن صناعة الصلب في الهند تعد واحدة من المستهلكين الرئيسين للخردة المعدنية، حيث يتم تصنيع نحو 30 في المائة من الصلب المنتج في البلاد من الخردة، وفي الوقت ذاته تعتمد صناعات أخرى مثل صناعة السيارات على الخردة المعدنية في الإنتاج.
بدوره، يتوقع الدكتور روجر ديونتوا أستاذ التجارة الدولية في جامعة جلاسكو زيادة الواردات الهندية من خردة الفولاذ في الأعوام المقبلة لعوامل أخرى تتجاوز جهود الهند لتطوير وتوسيع البنية التحتية.
وقال لـ”الاقتصادية”، “إنه عندما يتعلق الأمر بإنتاج الصلب الخام، فإن الهند كانت النقطة المضيئة في الاقتصاد العالمي العام الماضي، حيث زاد إنتاج الصلب بنسبة 6 في المائة، وزاد ذلك من استهلاكها للخردة المستوردة المستخدمة في إنتاج الصلب خاصة أنها لم تفلح في توليد ما يكفي محليا منها”.
وأضاف أن “هذا العام يتوقع أن يبلغ إنتاج الصلب الخام في الهند 130 مليون طن مقابل 120 مليون طن العام الماضي، لكن قدرة الهند على مواصلة زيادة إنتاجها من الصلب أمر مشكوك فيه، فهناك عدد من التحديات التي تعوق نمو الصناعة، فتوافر الخام يعد تحديا رئيسا، كما أن عملية الخصخصة البطيئة لمناجم الحديد إلى جانب حظر عمليات التعدين في عدد من الولايات يقلصان قدرة الهند على زيادة إنتاجها من الصلب، ومن ثم لن يكون أمام السلطات الهندية إلا زيادة استيرادها من الخردة”.
ويستدرك قائلا “من المتوقع أن يكون عام 2030 عاما مهما لقطاع تعدين خام الحديد في الهند مع تأثير كبير في إنتاج الصلب بسبب انتهاء عقود الإيجار المؤقتة بموجب قانون تطوير وتنظيم المناجم والمعادن لعام 2015”.
إذن، فتدريجيا ستزيد الهند من وارداتها من الخردة المعدنية لتصبح أكبر مستورد لها في العالم، خاصة أنها تخطط لزيادة حصة الخردة في إنتاج الصلب إلى 50 في المائة بحلول نهاية العام المالي 2047، ويمكن رصد ذلك من تنامي الواردات الهندية من أربعة إلى خمسة ملايين طن من الخردة العام الماضي، وما بين تسعة وعشرة ملايين طن هذا العام، والعام المقبل بين 11 و12 مليون طن، وفي المستقبل سيستمر الرقم في الزيادة”.
مع ذلك فإن إعادة التدوير في الهند لجميع المعادن أقل بكثير من المعيار العالمي، ولا تزال الهند في مراحلها الأولى في هذه الصناعة خاصة في ظل وعي منخفض بأهمية الصناعة، ويتطلب ذلك من الحكومة الهندية مزيدا من المبادرات المحلية لتوليد خردة محلية إضافية بحلول عام 2030 لمساعدة صناعة الصلب لديها على النمو من جانب، وتقليل الانبعاثات الكربونية، نظرا لأن الخردة إحدى المواد الرئيسة التي تخدم إزالة الكربون من إنتاج الصلب في العالم من جانب آخر.
خلاصة القول، إنه في الأعوام الخمسة إلى الستة المقبلة سيكون هناك انخفاض معين في إنتاج الخردة في الهند مقارنة بالطلب، وستنخفض نسبتها في إنتاج الصلب، بعد ذلك سيزداد جمع الخردة بسرعة، لأنه بعد عام 2000 بدأت البلاد تستهلك بشكل مكثف بعض السلع التي ستبدأ في التحول إلى خردة بعد عام 2030، لكن هذا لا ينفي أن اعتماد الهند على الواردات سيستمر، بما يعنيه ذلك من ازدهار سوق الخردة الحديدية لديها.
Source link