عالمي

خفض ساعات العمل الأسبوعية يفجر خلافا حول آثاره على الإنتاج

من بين الأسباب التي يطرحها الاقتصاديون والمحللون لمشكلة تباطؤ النمو الاقتصادي تراجع الإنتاجية. وتواجه معظم الدول المتقدمة مشكلة انخفاض إنتاجية العاملين منذ عقود عدة، ويعزو الخبراء ذلك إلى أسباب عدة لكن لم يكن من بينها ساعات العمل أو عدد أيام الأسبوع.

ومع أزمة وباء كورونا عام 2020 والإغلاق واسع النطاق للاقتصاد في معظم دول العالم برز “العمل من بعد” في سياق الوقاية من انتشار الفيروس المسبب للوباء، وفي الوقت ذاته الحفاظ على استمرار الأعمال. وبعد رفع الإغلاق، استمرت شركات وأعمال وإدارات حكومية وعامة في السماح لموظفيها بالعمل من المنزل، في الأقل بعض أيام الأسبوع إن لم يكن كلها.

لكن أعمالاً أخرى قررت ضرورة عودة الموظفين إلى أماكن العمل. وبعد أزمة الوباء بدأت تجربة العمل أربعة أيام في الأسبوع بدلاً من خمسة أيام من دون تقليل الرواتب والأجور. وإن كانت بعض الدول والأعمال لم تقلل ساعات العمل الأسبوعية وإنما وزعتها على أربعة أيام بدلاً من خمسة، بما يعني زيادة ساعات العمل اليومية مقابل توفير عطلة أسبوعية أطول للعاملين.

وبحلول عام 2022 بدأت أكثر من 10 دول تجربة العمل أربعة أيام في الأسبوع، وكانت أول دولة أوروبية تفعل ذلك هي بلجيكا. ومن بين تلك الدول دولة عربية الإمارات. وخلال العامين الماضيين لم تتضح بعد نتائج التجربة، سواء من حيث الفائدة للعاملين والاقتصاد أو التبعات والخسائر.

تجربة بريطانيا

ومن بين الدول المتقدمة التي يعاني اقتصادها من مشكلة انخفاض إنتاجية العاملين بريطانيا. ولا تزال تجربة أسبوع العمل القصير في بدايتها فيها. ونشرت صحيفة “الغارديان” تقريراً نقلاً عن آخر تحديث من مؤسسة “أربعة أيام في الأسبوع” تذكر فيه أن 200 شركة بريطانية قررت نهائياً العمل أربعة أيام في الأسبوع لكل العاملين فيها من دون تقليل الأجور والرواتب. وتوظف تلك الشركات والأعمال ما يصل إلى 5 آلاف موظف.

وغالبية تلك الشركات والأعمال هي في مجال التسويق والأعمال الخيرية والتكنولوجيا. وتنقل الصحيفة عن مدير المؤسسة جو رايلي قوله، إن نظام العمل خمسة أيام في الأسبوع لم يعد صالحاً، وإنه “موضة قديمة” إذ مر عليه أكثر من قرن. ويضيف عن مزايا أسبوع العمل القصير “يمكن الناس من العيش بسعادة أكثر مع زيادة الراحة الأسبوعية بنسبة 50 في المئة، ويجعلهم أكثر قدرة على تحقيق ذواتهم. وكما اتضح من تجربة مئات الشركات البريطانية فإن العمل أربعة أيام في الأسبوع من دون تقليل الأجر هو مكسب للجميع: العاملون وأصحاب الأعمال”.

منذ بداية القرن الماضي وطريقة العمل في بريطانيا هي خمسة أيام في الأسبوع بمعدل ثماني ساعات يومياً، من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء مع ساعة راحة للغداء في منتصف اليوم. ومن غير الواضح إن كان أسبوع العمل القصير في الشركات والأعمال المذكورة يعني تقليل ساعات العمل الأسبوعية من 40 ساعة إلى 32 ساعة أم لا، لكن الواضح من تقرير المؤسسة أن الشركات والأعمال التي تتبنى أسبوع العمل القصير تخفض ساعات العمل الأسبوعية، إذ يذكر التقرير أن “معدلات الإنتاج كما هي في ساعات أقل”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مزايا وعيوب

لكن بلجيكا مثلاً التي بدأت التجربة في أوروبا اعتمدت أسبوع العمل القصير مع بقاء ساعات العمل الأسبوعية كما هي، مما يعني أن يوم العمل أصبح 10 ساعات بدلاً من ثماني ساعات. ويعني ذلك أنه مقابل يوم راحة أسبوعية إضافي يعمل الموظفون ساعات ذلك اليوم موزعة على أيام الأسبوع بواقع ساعتين عمل إضافي يومياً.

وفي البلاد التي تم تطبيق أسبوع العمل القصير فيها، ورغم أن الرواتب والأجور لا تخفض عموماً، فإن بعض الشركات والأعمال لا تقدم للعاملين بالأسبوع القصير ميزات ومكافآت أخرى كما هي الحال مع العمل خمسة أيام في الأسبوع.

ومن الاستراتيجيات التي اعتمدتها الشركات لإنجاح نظام العمل أربعة أيام في الأسبوع تحديد الأولويات، وإعادة تقييم المهام، وتقليل مصادر التشتت، وزيادة الأتمتة، وتقليل عدد ومدة الاجتماعات، وتقليل وقت استخدام تطبيقات المراسلة والبريد الإلكتروني، وتحديد أهداف واضحة، وقياس النتائج وليس عدد ساعات العمل والتعلم من التجارب والأخطاء.

مبادرة “4 داي ويك غلوبل”

في العام الماضي نشرت صحيفة “الفايننشال تايمز” تقريراً عند دراسة أجرتها جامعة “مونستر” بالتعاون مع مبادرة “4 داي ويك غلوبل” خلصت إلى أن تقصير أيام العمل إلى أربعة أيام في الأسبوع يمكن أن يؤدي إلى تغييرات إيجابية كبيرة في الصحة النفسية والجسدية للموظفين في ألمانيا. وشاركت 41 شركة في الدراسة التي استمرت ستة أشهر وأظهرت نتائجها انخفاضاً ملحوظاً في متوسط التوتر اليومي، حيث انخفض من 191 دقيقة إلى 178 دقيقة، كما زادت ساعات النوم بمعدل 38 دقيقة أسبوعياً، مما يشير إلى تحسين نوعية الحياة للموظفين. لكن نتائج الدراسة لم تثبت وجود تأثير كبير في أرباح الشركات.

ومع أن تلك الميزات تعمل لمصلحة المتحمسين لأسبوع العمل القصير، إلا أن هناك عدداً من التبعات والمثالب التي لا يمكن إنكارها، منها على سبيل المثال أنه في غالب الأحيان يعني العمل ساعات أطول خلال اليوم من أجل إنجاز المهام، مما قد يرهق الموظفين بصورة كبيرة. حتى رغم أن تقليل ساعات العمل يسهم بصورة كبيرة في تقليل مستويات التوتر لدى الموظفين فإنه لا يكفي وحده لتحسين مشاركة الموظفين في العمل. كما أن هناك تحديات خاصة بنوع الصناعة، ففي حين يسهل تطبيق جدول العمل المضغوط في الوظائف التي تعتمد على العمل المعرفي يصعب تطبيق هذا النظام في الوظائف التي تعتمد على العمل الخدمي. فمن غير المنطقي أن يأخذ العاملون في أماكن مثل المستشفيات إجازة لمدة ثلاثة أيام من دون وجود آخرين يحلون مكانهم، إضافة إلى أنه قد لا يكون ممكناً زيادة الإنتاجية أو تحقيق النتائج نفسها في بعض الوظائف الخدمية مثل الخدمات اللوجيستية، من خلال العمل بذكاء ساعات أقل.

يبقى المقياس الأهم، الذي ربما يحتاج إلى وقت أطول في تجربة أسبوع العمل القصير حتى تعرف نتائجه، هو مدى تأثيره في إنتاجية العامل. فتلك هي المشكلة المزمنة التي تعانيها معظم الاقتصادات في العقود الأخيرة.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى