عالمي

حلم الثراء السريع يوقع مئات التونسيين في شراك الألعاب الوهمية

“أشارك دائماً في برامج الألعاب والمسابقات التجارية على القنوات الفضائية بإرسال عشرات الرسائل القصيرة عبر الهاتف، حتى أبلغتني  إحدى القنوات التونسية الخاصة بأنني قد ربحت 100 ألف دينار نحو 30 ألف دولار دفعة واحدة”.

واستدرك المواطن التونسي محمد الهادي بالريانة بنبرة حزينة خلال حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “لم أحصل حتى الآن على قيمة الجائزة المالية، وتنقلت من مكان إلى آخر للاستفسار عن الجائزة المالية، لكن من دون جدوى”.

محمد الهادي بالريانة ليس الأول ولن يكون الأخير، فعدد كبير من الأفراد في تونس يحلمون بتحقيق الربح السهل للخروج من وضعيتهم الاجتماعية المتدهورة وتحسين أوضاعهم المالية.

إلى ذلك، تنتشر في تونس منصات الألعاب والمسابقات التجارية المرتبطة بجوائز مالية قيمة من خلال المراهنات المرتبطة بمباريات كرة القدم أو المسابقات الرياضية، ومواقع القمار الافتراضية والمسابقات التي تجذب إليها الشباب والباحثون عن سراب الثراء السريع، بدفع مبالغ صغيرة نسبياً مقابل وعود أرباح وافرة في ظرف زمني وجيز.

وكشف بالريانة مدللاً بالوثائق عن أنه لا يزال منذ عام 2018 إلى الآن يبحث عن الحقيقة على رغم اعتراف الجهات التي أبلغته فوزه بجائزة قدرها 100 ألف دينار. وتابع “عندما ظهر رقم هاتفي على شاشة البرنامج وفوزي بالجائزة المالية جلست أحلم بتنفيذ أحلامي لتغيير حياة عائلتي نحو الأفضل، خصوصاً أنني عامل بأحد حظائر البناء في تونس العاصمة”. ورأى في قيمة المبلغ الذي فاز به أمراً كبيراً ومهماً سيغير عبره وضعيته بصورة جذرية، قبل أن يتبخر الحلم. وأضاف والحسرة بادية على ملامحه “اقترضت 5 آلاف دينار (1500 دولار) لتكليف رجال قانون لاسترجاع جائزته المالية وصرت مع الوقت أشعر بالقهر لما تعرضت له من تحايل من هذه القناة”، مشيراً إلى أنه لم يحزن على وفاة والده بقدر ما حزن على خسارته لهذا المبلغ.

إطار قانوني منظم

من جهته أكد مدير جهاز المراقبة الاقتصادية في وزارة التجارة التونسية زهير بوزيان أن الألعاب الترويجية في البلاد ينظمها إطار قانوني واضح أُرسي عام 2002. وأضاف أن “هذا القانون يضبط القواعد المنظمة للألعاب الترويجية التي تهدف إلى تنمية المبيعات والتسويق مهما كانت التقنيات أو الوسائط الإشهارية المستعملة”، موضحاً أن الالعاب الترويجية هي كل عملية إشهارية تهدف إلى تنمية المبيعات وتبعث لدى العموم أمل الربح سواء كان عن طريق الحظ أو القرعة أو المسابقة. وتابع “تعتبر مسابقات على معنى هذا القانون كل لعبة تعتمد على اختبار فطنة المشارك أو معرفته أو كفاءته وتهدف إلى انتقاء الفائزين استناداً إلى نتائج المسابقات ولا إلى الحظ”، مضيفاً أن منظم اللعبة هو كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم بصفة شخصية أو بواسطة بتنظيم الألعاب الترويجية، وأن المنتج هو كل منتج طبيعي أو فلاحي أو حرفي أو صناعي أو خدمة. ولفت إلى أن “وزارة التجارة رفعت عام 2006 القيمة القصوى للجائزة الواحدة المرصودة للألعاب الترويجية إلى 50 ألف دينار (16.6 ألف دولار) باحتساب جميع الرسوم بدلاً من 25 ألف دينار (8.3 ألف دولار)”.

وتحجر التشريعات تنظيم الألعاب الترويجية إذا كانت تفرض على المشارك أية مساهمة مالية سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة أو أن تكون المشاركة مشروطة بعملية شراء أو بأية وسيلة تثبت شراء المنتج، قرار وزير التجارة والصناعات التقليدية.

وتابع بوزيان “سُجل انحراف كبير بالقانون المنظم للألعاب الترويجية مع تنامي عمليات التحايل وتعددها، خصوصاً الأفكار المستنبطة لابتزاز التونسيين الباحثين عن الربح السهل والسريع”. وعما إذا كان للوزارة توجه في تنقيح القانون المنظم للألعاب الترويجية والمسابقات، لمح إلى أن الوزارة حالياً منشغلة بملفات كبيرة عدة ذات أولوية على غرار تأمين ضخ السلع في الأسواق والضغط على الأسعار ومراقبة مسالك التوزيع.

من أجل الفوز السهل

وعلى رغم تزايد عمليات التحايل، ترتفع وتيرة مشاركة كثير من التونسيين في الألعاب الترويجية والمسابقات على اختلاف أنواعها وأصنافها لتتحول إلى ظاهرة لافتة في البلاد تستحق دراسة سوسيولوجية وعلمية.

في غضون ذلك تفصح وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي عن الصخب الكبير الذي يرافق فوز أحد المواطنين بمبلغ مالي كبير، مما يزيد في الجذب وزيادة حب المشاركة في هذه الألعاب الترويجية بأعداد كبيرة من التونسيين في موجة الرسائل القصيرة للفوز بقيمة هذا المبلغ نفسه، سعياً وراء الفوز السهل. ويعتبر بعضهم أن هذه البرامج تهدف خفية إلى التخريب الممنهج للمجتمع وتكريس التواكل والعيش على أمل الربح إلى حد الإدمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزادت الأزمة الاقتصادية والصعوبات المعيشية خلال الأعوام الأخيرة من سعي الناس إلى الفوز بمبالغ ضخمة بأسهل الطرق، إذ تمثل هذه البرامج فخاخاً للحالمين والذين يمنون النفس بأن يبتسم الحظ لهم يوماً ما. ومقابل ذلك يشكك جزء كبير من التونسيين في نزاهة برنامج الألعاب، خصوصاً ألا يقع عادة إظهار حصول الفائزين على الجوائز المالية.

تنامي التحايل

في غضون ذلك باشر القضاء التونسي أخيراً تحقيقات في قضية نصب وتحايل، ذهب ضحيتها نحو سبعة آلاف تونسي وقعوا في شراك شبكة متخصصة في التدريب على تكوين الثروات والكسب السريع عبر ممارسة عمليات احتيال وجرائم مالية.

ولا تعد الجريمة المكتشفة أخيراً الأولى في تونس، إذ سبق أن كشفت جهات أمنية وقضائية خلال الأعوام الماضية عن جرائم للتسويق الهرمي والشبكي وتوظيف الأموال، تسببت في خسائر مالية كبيرة للحالمين بالكسب السريع.

وكشفت دائرة قضائية في محافظة المنستير (وسط شرقي العاصمة) قبل أيام عن عملية تحايل واسعة النطاق، يقف وراءها شخص يحمل جنسية عربية وجهت له تهمة جريمة النصب والتحيل.

ولا تعد جريمة المنستير الأولى من نوعها في تونس، إذ سبق أن فكك القضاء عام 2013 ما عرف حينها بقضية “تيسير للتنمية المالية” التي راح ضحيتها أكثر من 20 ألف تونسي دفعوا أموالاً لفائدة شركة أوهمت ضحاياها بتنمية أموالهم.

جرائم مالية

من جانبه رأى المتخصص في قطاع الأخطار المالية مراد الحطاب أن “النصب والاحتيال بواسطة الألعاب التجارية الترويجية يمكن تصنيفه في خانة الجرائم المالية التي يعاقب عليها القانون التونسي”، مضيفاً في تصريحات إعلامية أن التسويق الشبكي يُبنى على تسويق أصول غير موجودة أو مضاربة غير مشروعة، خارج المنظومة المالية، ومنحسر في مجموعة منغلقة، مما يجعل انهيارها سريعاً وسهلاً. وأشار إلى أن جرائم الاحتيال المالي المنتشرة دولياً تنقسم إلى صنفين الأول إلكتروني عن بعد، والثاني مباشر من خلال جمع أموال من المستثمرين بزعم تشغيلها.

ويزداد إقبال التونسيين على حلول الكسب السهل والسريع مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وانحسار فرص العمل، مما تسبب في ارتفاع نسبة البطالة إلى 16 في المئة.

في النهاية، يصر محمد الهادي بالريانة على المشاركة في الألعاب التجارية والترويجية لعله يحقق حلمه ويغير حياته، على رغم أنه تعرض للتحايل.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى