حرب أسعار في سوق الرهن العقارية البريطانية تنعش فرص إعادة التمويل

اندلعت حرب أسعار جديدة في سوق الرهن العقاري، مما أنقذ مئات الآلاف من المقترضين الذين أوشكت قروضهم السكنية منخفضة الفائدة، التي حصلوا عليها خلال جائحة كورونا، على الانتهاء.
من المقرر أن تنتهي عقود الفائدة الثابتة لأكثر من 760 ألف صاحب منزل هذا العام، ويستعد كثير منهم لزيادات مرهقة قد تصل إلى 300 جنيه استرليني (398.4 دولار) شهرياً، مع خروجهم من قروض عقارية كانت بأسعار فائدة منخفضة وصلت إلى واحد في المئة.
لكن البنوك والمقرضين بدأوا في خفض أسعار الفائدة هذا الصيف في ظل تنافس محموم على العملاء في ما أصبح يعرف بـ”سوق المشتري”، حيث وصل عدد العقارات المعروضة للبيع إلى مستويات قياسية. وقد أدى هذا التباطؤ في سوق الإسكان إلى دفع البنوك للتركيز بصورة أكبر على العروض الخاصة بمن يسعون إلى إعادة تمويل قروضهم العقارية.
وأظهرت بيانات صادرة عن بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) هذا الأسبوع أن عدد الموافقات على إعادة تمويل القروض العقارية بلغ 41800 في الشهر الماضي، وهو الأعلى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022، عقب الموازنة المصغرة الكارثية التي اعتمدتها ليز تراس وتسببت في قفزة حادة بأسعار الفائدة على الرهون العقارية.
الأربعاء، أصبحت جمعية “نيشن وايد” للبناء أحدث المقرضين الذين يخفضون أسعار الفائدة، إذ قلصت عروض الفائدة الثابتة بما يصل إلى 0.21 نقطة مئوية، وقال وسيط القروض العقارية مقيم في سوانزي، شون ستيرجيس، لصحيفة “التايمز”، “بالنسبة إلى كثيرين، هذه هي أول نافذة حقيقية منذ أكثر من عامين للحصول على معدل فائدة ثابت تنافسي يقل عن أربعة في المئة”.
ما هو تأثير سعر الفائدة الأساس؟
ومن المتوقع أن يخفض بنك إنجلترا سعر الفائدة الأساس إلى أربعة في المئة الخميس، عقب تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. وسيؤدي ذلك إلى خفض كلفة الرهن العقاري لملايين المقترضين الذين يمتلكون قروضاً بنظام السعر المتغير أو القروض المرتبطة بسعر الفائدة الأساس.
وانخفض أدنى معدل فائدة ثابت خمسة أعوام متاح بقيمة قرض تصل إلى 60 في المئة من قيمة العقار، من 3.96 في المئة في بداية مايو (أيار) الماضي، إلى 3.86 في المئة الخميس عبر بنك “أتش أس بي سي” بينما بقي أدنى معدل ثابت خمسة أعوام للمشترين عند 3.88 في المئة، متاحاً من بنك “نات ويست”.
ووفقاً لجمعية التجارة “يو كي فاينناس” حصل نحو 222480 من أصحاب المنازل على قروض ثابتة خمسة أعوام بين بداية أغسطس (آب) ونهاية ديسمبر (كانون الأول) 2020، عندما كان سعر الفائدة الأساس لبنك إنجلترا عند أدنى مستوى له على الإطلاق، وهو 0.1 في المئة (مقابل 4.25 في المئة حالياً)، وكانت معدلات الرهن العقاري الثابتة متاحة بأقل من اثنين في المئة.
واستفاد كثر من معدلات الفائدة المنخفضة في فترة جائحة كورونا للانتقال إلى منازل أكبر، أو إعادة تمويل قروضهم لإجراء تحسينات على منازلهم. وما بين (كانون الثاني) وأغسطس 2020، ارتفع متوسط مبلغ القرض العقاري من 174671 إلى 193992 جنيهاً استرلينياً (257640 دولاراً).
أما أدنى معدل فائدة ثابت لمدة عامين فهو 3.8 في المئة عبر بنك “سانتاندير” لمن يعيد تمويل قروضهم، بانخفاض من 3.96 في المئة في بداية مايو الماضي. وبالنسبة إلى لمشترين، فإن أدنى معدل ثابت مدة عامين أقل قليلاً عند 3.73 في المئة من نفس البنك، بعدما تخفض من 3.88 في المئة.
وارتفعت معدلات الفائدة بصورة حادة بعدما رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة الأساس 14 مرة بين ديسمبر 2021 وأغسطس 2023، ليصل إلى ذروته عند 5.25 في المئة، في محاولة للحد من التضخم المرتفع، ووصل متوسط معدل الرهن العقاري إلى 5.74 في المئة في يوليو 2023، بحسب بيانات بنك إنجلترا.
وقبل خمسة أعوام، كان أدنى معدل هو 1.4 في المئة. وكان من يتملك قرضاً عقارياً بقيمة 200 ألف جنيه استرليني (265.62 ألف دولار) لمدة 25 عاماً يدفع 791 جنيهاً استرلينياً (ألف دولار) شهرياً، لترتفع المدفوعات إلى 1056 جنيهاً استرلينياً (1402 دولار) عند معدل فائدة أربعة في المئة، أما عند معدل 3.8 في المئة، فستكون المدفوعات أقل قليلاً لتصل إلى 1034 جنيهاً استرلينياً (1373 دولاراً) شهرياً، أي أقل بمقدار 264 جنيهاً استرلينياً (350.6 دولار) سنوياً.
كيف تتنافس البنوك على الأعمال؟
وقال بيتر جيتينز، من شركة الوساطة “أل أند سي”، ” سواء سميتها حرب أسعار أو مناوشة في الأسعار، فإن البنوك حريصة على المنافسة على عملائك وتسعير القروض بأقصى درجة ممكنة من التنافسية. وهذا خبر جيد لأي شخص يسعى لإعادة تمويل رهن عقاري أو شراء منزل.”
ويمكن للمقترضين اختيار صفقة رهن عقاري متغيرة (تتبع سعر البنك)، إذ يرتفع وينخفض المعدل تماشياً مع سعر الفائدة الأساس. وتتبع عروض” نيشين وايد” سعر البنك مع إضافة 0.19 نقطة مئوية لمدة عامين من دون فرض رسوم سداد مبكر.
ويتوقع وسيط الرهن العقاري أدريان أندرسون استمرار حرب الأسعار، وقال “عديد من البنوك تكافح من أجل حصتها في السوق. كثير منها سيتخلف عن تحقيق أهدافه السنوية بسبب انخفاض عدد عمليات الشراء، لذا سيحاولون جذب الناس لأخذ قروض عقارية معهم وزيادة حجم محفظة القروض لديهم”.
هل سترتفع أسعار المساكن؟
تعتقد أنيشا بيفيريدغ من وكالة العقارات “هامبتونز” أن معدلات الفائدة الأكثر تنافسية تزيد من قدرة المشترين على الشراء، مما سيدفع نمو أسعار المنازل. وقالت للصحيفة “بعد عام 2024 البطيء، نتوقع أن ترتفع أسعار المنازل المتوسطة في بريطانيا العظمى بنسبة ثلاثة في المئة على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2025، لتصل إلى نحو 277 ألف جنيه استرليني (367.8 ألف دولار).
وبحسب سجل الأراضي، بلغ متوسط سعر المنزل المنفصل المبيع في مايو الماضي 441439 جنيهاً استرلينياً (586275 دولاراً). وارتفاع بنسبة ثلاثة في المئة في الأسعار سيرفعه إلى 454682 جنيهاً استرلينياً (603863 دولاراً).
وأضافت بيفيريدغ “انخفاض معدلات الرهن العقاري، وتراجع التضخم، وارتفاع الأجور كلها ساعدت في تخفيف الضغط على موازنات الأسر”.
وتاريخياً، ساعدت الانخفاضات الحادة في معدل الفائدة الأساس للبنك في تحفيز موجات ارتفاع أسعار المنازل، إذ أدى كل من الأزمة المالية عام 2008 وجائحة كورونا إلى زيادات كبيرة، ومن المتوقع أن ينخفض معدل الفائدة الأساس إلى 3.75 في المئة في الأقل قبل نهاية العام.
وقالت بيفيريدغ “كثير من ذلك احتسب بالفعل في الأسعار الحالية. ومع ذلك فإن المنافسة في الإقراض، بخاصة للمنتجات ذات نسبة القرض إلى القيمة الأعلى التي تيسرت متطلباتها، ينبغي أن تدعم المشترين للمرة الأولى والمشترين الذين ينتقلون إلى منازل أكبر”.
وأظهرت أحدث الأرقام من موقع العقارات “رايت موف” أن متوسط سعر الفائدة لعقد ثابت لمدة عامين هو 4.52 في المئة، أي أقل بنسبة 0.74 نقطة مئوية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. بينما يبلغ متوسط سعر الفائدة لعقد ثابت لمدة خمسة أعوام 4.51 في المئة، بانخفاض 0.36 نقطة مئوية مقارنة بيونيو (حزيران) 2024.
قد تشهد أسعار المنازل دعماً إضافياً نتيجة تخفيف البنوك الرئيسة لاختبارات الضغط التي تستخدم للتأكد من قدرة المقترضين على تحمل سداد القروض في حال ارتفاع سعر الفائدة على الرهن العقاري.
وتتوقع شركة التحليل “أكسفورد إيكونوميكس” أن ينخفض متوسط سعر الفائدة لعقود الرهن العقاري الثابتة لمدة عامين بنسبة قرض إلى قيمة تبلغ 75 في المئة، من 4.32 في المئة في يونيو الماضي إلى 4.17 في المئة بحلول نهاية العام، ومن المتوقع أن ينخفض هذا المعدل إلى 4.02 في المئة بحلول يوليو من العام المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وستدعم هذه الانخفاضات نمو أسعار المنازل، إذ تتوقع “إكسفورد إيكونوميكس” أن تصل نسبة نمو أسعار المنازل إلى 3.6 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام، ثم 2.5 في المئة في الربع الأخير من هذا العام.
وقال إدوارد ألينبي من “أكسفورد إيكونوميكس”، “نتوقع نمو أسعار المنازل، لكن من المتوقع أن يتراجع هذا النمو خلال العام المقبل. ويرجع ذلك إلى احتمالية تباطؤ نمو دخل الأسر، سواء بسبب ارتفاع التضخم، أو تشديد السياسة المالية، أو تجميد الحدود الضريبية، وربما زيادة الضرائب.”
هل حان الوقت للحصول على صفقة؟
وبالنسبة إلى أصحاب المنازل الذين يقتربون من نهاية فترة قروضهم العقارية، يبدو الآن وقتاً مناسباً للتسوق والبحث عن أفضل العروض، مع انخفاضات كبيرة في معدلات الفائدة لأولئك الراغبين في تغيير المقرضين.
وقال بيتر جيتينز، “في الأشهر الستة إلى 12 الماضية، تقلصت الفجوات بين معدلات الفائدة للمشترين للمرة الأولى وأولئك الذين يعيدون التمويل العقاري، وأصبحت البنوك تنافسية بالقدر نفسه مع المعيدين التمويل كما هي مع المشترين الجدد، وهذا مؤشر إيجابي لأي شخص تنتهي صفقته.”
وكشف تحليل أجرته شركة “أل أند سي” أن أدنى معدل إعادة تمويل لعقد ثابت لمدة عامين وصل إلى 3.79 في المئة، بانخفاض 0.17 نقطة مئوية منذ بداية مايو الماضي، وهو معدل يكاد يساوي المعدل الخاص بالمشترين الجدد الذي يبلغ 3.76 في المئة، بانخفاض 0.22 نقطة مئوية مقارنة بشهر مايو من العام.
وأكد الخبراء أن العدد الكبير من الأشخاص الذين يعيدون التمويل يعود إلى تحسن معدلات الفائدة، إضافة إلى “العاصفة المثالية” التي يشكلها تزامن انتهاء قروضهم العقارية ذات السنتين والسنوات الخمس في الوقت نفسه.
وقال كريس سايكس من شركة الوساطة “أم أس بي فايننشال سليوشين”، “شهدنا سلسلة من الأحداث التي أدت إلى عام كبير في إعادة التمويل العقاري”.
وأضاف، “ربما ثبت كثر أسعار الفائدة خمسة أعوام خلال جائحة كورونا قبل ارتفاع المعدلات، ثم من حصل على قروض عقارية قبل عامين عندما ارتفعت المعدلات بصورة كبيرة بعد موازنة تروس، كان يأمل في تثبيتها لمدة عامين انتظاراً لانخفاض المعدلات”.
وفي الربع الأول من عام 2025، بلغ نمو أسعار المنازل على أساس سنوي 5.5 في المئة.
وقد يؤدي فائض المعروض من المنازل إلى تباطؤ نمو الأسعار أيضاً. وأفادت شركة “زوبلا” هذا الأسبوع بوجود نحو 553 ألف منزل معروض للبيع، وهو رقم قياسي. وقال ريتشارد دونيل زوبلا “يعوق ارتفاع المعروض من المنازل نمو الأسعار، إذ يوجد 12 في المئة من العقارات أكثر في السوق مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأضاف دونيل، “هذا يدعم سوق المشترين، إذ تتوفر خيارات كثيرة ويمكن تقديم عروض تنافسية، مما يحد من ارتفاع أسعار المنازل”.