تغيرات هيكلية في سوق السيارات السعودية .. ارتفاع الأسعار يدفع إلى “المستعملة”

تعرضت سوق السيارات في السعودية، أكبر الأسواق في الشرق الأوسط، نموا وتنوعا، لتغيرات هيكلية مؤثرة، بدأت من جائحة كورونا وإغلاق المصانع والأسواق محليا وعالميا، مرروا بتوترات البحر الأحمر وتغير مسار السفن وتأخر الشحنات.
ضغوط الطلب المحلي استمرت واستقرت على وتيرة واحدة، خاصة مع تأخر تسليم السيارات بالتزامن مع أزمة أشباه الموصلات “الرقائق”، التي أثرت في معدلات الإنتاج عالميا، وهو ما دفع الأسعار إلى الارتفاع بشكل متسارع.
هذه الاضطرابات في السوق، دفعت هيئة المنافسة السعودية في يناير 2024 لتوجيه الاتهام ضد 79 من الوكلاء والموزعين ومعارض السيارات، وتحريك الدعاوى الجزائية ضد 64 منشأة في القطاع، لاتفاقهم على تحديد الأسعار وتقاسم الأسواق، كما أعلنت الهيئة في الخامس من يونيو الجاري تغريم 6 شركات تعمل في قطاع نقل السيارات والبضائع، بنحو 15 مليون ريال، لاتفاقها على رفع الأسعار أيضا.
لم يقف الأمر عند هيئة المنافسة، بل انتقل إلى مجلس الشورى الذي وجه سؤالا إلى وزير التجارة ماجد القصبي بشأن ممارسات احتكار في القطاع، فرد بالقول “رصدنا ممارسات خاطئة لوكالات السيارات، وسيتم إطلاق مؤشرات معلنة بشأنها ابتداء من 2025”.
نافذة جديدة
أمام كل هذا الحراك، لم يقف المستهلك أمام ارتفاعات الأسعار والاضطرابات العالمية والتحركات المحلية مكتوف الأيدي، بل اتجه إلى نافذة السيارات المستعملة، ليرفع قيمة واردات السعودية منها إلى نحو 83.8 مليار ريال من 51 دولة موردة خلال 15 شهرا ( منذ مطلع 2023 حتى مارس 2024).
ووفقا لوحدة التحليل المالي في صحيفة “الاقتصادية”، استحوذت اليابان على نصيب الأسد من قيمة واردات السعودية من السيارات المستعملة بنحو 19.2 مليار ريال لتشكل 23% من إجمالي قيمة الواردات، بكمية تجاوزت 185.9 ألف سيارة، تليها الصين بنحو 13.1 مليار ريال مثلت 16% بكمية بلغت 227.1 ألف سيارة.
وبحسب التحليل الذي استند إلى بيانات الهيئة العامة للإحصاء، حلت أمريكا ثالثا بقيمة 9.9 مليار ريال تشكل 12%، لنحو 66 ألف سيارة، تليها كل من الهند وكوريا الجنوبية بقيمة 7.5 مليار ريال و7.3 مليار ريال على التوالي تمثلان 9% لكل منهما بكميات 169.3 ألف و110.1 ألف سيارة.
5428 سجلا تجاريا
بلغ إجمالي عدد السجلات التجارية القائمة لنشاط البيع بالجملة والتجزئة للسيارات الخاصة المستعملة يشمل سيارات الإسعاف والباصات الصغيرة والدفع الرباعي، 5428 سجلا تجاريا، حتى نهاية الربع الأول من 2024، بحسب ما ذكرته لـ “الاقتصادية” وزارة التجارة.
وأوضحت الوزارة، أن عدد السجلات التجارية المصدرة للنشاط ذاته بلغ 956 سجلا تجاريا خلال عام 2023، في حين بلغت 260 سجلا تجاريا للنشاط ذاته في الربع الأول من عام 2024.
وتصدرت الرياض قائمة المناطق الأكثر تركزا للسجلات التجارية القائمة لنشاط البيع بالجملة والتجزئة للسيارات الخاصة المستعملة بواقع 2024 سجلا، تلتها منطقة مكة المكرمة بواقع 1261 سجلا، ثم المنطقة الشرقية بواقع 762 سجلا.
شركات التأجير
تشهد السوق السعودية تنوعا بين طلبات المستهلكين على السيارات بجميع أنواعها وموديلاتها على مدار الأعوام الماضية، بحسب ما ذكره لـ”الاقتصادية” سعد العتيبي رئيس طائفة أصحاب معارض السيارات في جدة، الذي أوضح أن دخول شركات التأجير والوكالات إلى السوق عزز من ضخامتها، ما دفعها إلى زيادة المنافسة ونمو الاستثمارات.
وقال العتيبي: إن السيارات المستعملة شهدت تراجعا طفيفا في أسعارها بنسبة بسيطة بعد موجة ارتفاعات متتالية شهدتها خلال الأعوام الماضية، لكن بحسب مستهلكين فإن التراجع طفيف جدا يكاد لا يذكر.
وأرجع أسباب ارتفاع أسعار السيارات المستعملة إلى ارتفاع أسعار الجديدة وسعر الفائدة، وتأخر الشركات المصنعة في تسليم السيارة للعميل إلى عدة أشهر، ما يدفع العملاء إلى التوجه إلى سوق السيارات المستعملة لتوفير الوقت وسعر الفائدة بما يتناسب مع إمكاناته.
تعديلات ومواصفات إضافية
رئيس طائفة أصحاب معارض السيارات في جدة، قال: في الآونة الأخيرة ازداد الطلب على استيراد السيارات المستعملة من قبل المستهلكين رغم ارتفاع تكاليف الاستيراد وانخفاض قيمة الفائدة على المستوردين بسبب تكاليف الضريبة والجمارك.
وأوضح أن من أبرز الأسباب التي تحث المستهلك على الاستيراد، هو احتواء بعض السيارات المستوردة على بعض الإضافات والتعديلات، إضافة إلى وجود مواصفات إضافية عن الموجودة في السعودية.
وأشار إلى أنه لا يزال التطور مستمرا في سوق السيارات المستعملة في السعودية لما لها من مكانة عالية ضمن منظومة الاقتصاد، حيث اتجهت بعض الشركات العاملة في بيع وشراء السيارات إلى استهداف سوق السيارات المستعملة وطرح إمكانية التمويل، كما قامت بعض معارض السيارات المستعملة بتوفير قسم الخدمات ما بعد البيع، كالصيانة المجانية والضمان وتوفير قطع الغيار.
العتيبي ذكر أن إقبال السيدات على معارض السيارات المستعملة ازداد بشكل كبير منذ السماح لهن بالقيادة، علما أن الطلب متزايد على أنواع محددة من السيارات وهي فئة السيارات الصغيرة والمتوسطة، وهذه السيارة متوافرة في معارض السيارات وبأسعار متفاوتة تلبي رغبات المشترين سواء من السيدات أو الرجال.
السوق الإلكترونية
بين العتيبي أن عمليات البيع عبر المواقع الإلكترونية أسهمت في الوصول إلى المستهلكين وتلبية احتياجاتهم ورغباتهم.
وقال “تأثير هذه المواقع في سوق السيارات المستعملة طفيف على أصحاب المعارض، بسبب وجود عديد من العقبات للمستهلكين بالشراء من المواقع الإلكترونية، مثل فحص السيارة ومعاينتها قبل الشراء، عكس وجود المشتري في معارض السيارات للمعاينة والكشف والقناعة التامة بما يرغب في شرائه”.
وأوضح أن عملية شراء وبيع السيارات المستعملة بين الأفراد أو الشركات وحتى الوكالات تعد عملية تجارية رائجة بكونها مربحة، خاصة مع تزايد الطلبات من قبل المستهلكين، لكنها لا تتنافى مع كونها عملية مليئة بالتحديات من أهمها قوة المنافسة بين التجار.
وأشار إلى أن الوكالات وشركات التأجير في سوق السيارات المستعملة تواجه صعوبة التنبؤ باتجاهات السوق المستقبلية.
وتتأثر سوق السيارات المستعملة بالعوامل الاقتصادية والسياسية العالمية شأنه شأن الأسواق الأخرى، ما قد يؤدي إلى تقلبات مفاجئة في الأسعار وتسبب خسائر مالية للمتعاملين في سوق السيارات المستعملة.
نمو ملحوظ
العتيبي أكد أن مستقبل سوق السيارات المستعملة في السعودية سيشهد نموا ملحوظا، حيث تلعب الأسعار والجودة دورا رئيسا في هذا النمو، وذلك لزيادة تفضيل المستهلكين للسيارات المستعملة، ما يساعد على تعزيز نمو سوق السيارات المستعملة في السعودية.
علاوة على ذلك، تعد سوق السيارات المستعملة أحد أكثر الأسواق المتطورة باستمرار، بسبب التكامل السريع بين السوق والتجارة الإلكترونية، حيث تؤدي تسهيلات الدفع والتمويل إلى زيادة الطلب على السيارات المستعملة.
الطلب والإنتاج والشحن
قال لـ”الاقتصادية” تركي العازمي مستثمر في قطاع السيارات المستعملة، إن ارتفاع الطلب على السيارات المستعملة نتيجة زيادة أسعار المركبات الجديدة المبالغ فيها، إضافة إلى رغبه العملاء في سيارات تكون أسعارها في المتناول.
وحول تأثير الطلب في الواردات، أكد أن الاستيراد يعد أحد مصادر السيارات المستعملة، مبينا أن الطلب يتركز علي أنواع غير متوافرة وعليها إقبال في السوق.
وذكر أن تراجع الإنتاج من بين أسباب ارتفاع أسعار السيارات المستعملة، إضافة إلى أن صعوبة الشحن البحري وتحدياته تقلل الكميات الواردة ما يدفع المستهلك إلى النظر في المستعمل.
وفي حين لم يعلق العازمي على استغلال وكلاء السيارات في رفع أسعار السيارات المستعملة، قال إن السوق بعد كورونا متفاوتة بين العرض والطلب، حيث لا يستطيع أحد التنبؤ بما يحدث في الوقت الراهن أو سيحصل في المستقبل.
الجائحة وسلاسل الإمداد
فيما يتعلق بأزمة سلاسل الإمداد، قال لـ”الاقتصادية” علي رضا المدير التنفيذي لشركة حسين علي رضا وشركاه المحدودة للسيارات، إن ارتفاع أسعار السيارات المستعملة في السعودية جاءت بشكل تراكمي جراء جائحة كورونا التي أثرت في سلاسل الإمداد، وقلة إنتاج صناعة السيارات الجديدة، إضافة إلى تأخير موعد التسليم، الأمر الذي أسهم في زيادة نمو طلبات شراء السيارات المستعملة.
وأشار إلى أن في الوقت الحالي تشهد سوق السيارات الجديدة والمستعملة استقرارا في الأسعار، مبينا أن إعلان السعودية استثمارات جديدة في قطاع أشباه الموصلات والرقائق يسهم في زيادة وفرة إنتاج صناعة السيارات وتقليل فترة تأخير تسليمها للمستفيدين.
الحلول المتاحة
بشأن الحلول، قال لـ”الاقتصادية” المستثمر في قطاع السيارات المستعملة فيصل الحليلي، إن السيارات الصينية الجديدة أخذت نصيب الأسد من قبل الأفراد وشركات التأجير، بسبب أسعارها المنخفضة ومناسبتها لمحدودي الدخل.
وحول المبالغة في الأسعار، أكد أن بالنسبة للسيارات الفارهة فإن أسعارها مبالغ فيها، أما العادية فهي طبيعية، مبينا أن من أبرز الحلول التي تسهم في تراجع أسعار السيارات، خفض نسبة الفائدة في التقسيط والتأجير المنتهي بالتمليك.
وفيما يتعلق باستغلال وكلاء السيارات في رفع الأسعار، أوضح أن السوق تعتمد على العرض والطلب، مضيفا “أعتقد أن من مصلحة الوكيل بيع أكبر عدد ممكن، ولا أظن أن هناك استغلالا خاصة في ظل متابعة وزارة التجارة القطاع عبر جولات تفتيشية”.
وقال إن السوق عادت إلى وضعها الطبيعي بعد جائحة كورونا، “لكننا نسمع تأثر إنتاج بعض المصانع خاصة في الصين بسبب الشرائح الإلكترونية المستخدمة في السيارات”.
وأضاف “عامة سوق السيارات في السعودية عليها إقبال كبير لعدة أسباب أبرزها القوة الشرائية والتسهيلات التمويلية رغم ارتفاع نسبة الفائدة، إضافة إلى الزيادة المستمرة لمن هم في سن الشباب وما يتبع ذلك من توافر وسيلة مواصلات لمتابعة التعليم أو الوظيفة، إلى جانب النمو الاقتصادي الذي تشهده السعودية”.
Source link