كيف غيرت هجمات 11 سبتمبر السلوك المالي للعالم؟

بعد مرور 24 عاماً على هجمات الـ 11 من سبتمبر (أيلول) 2001، لا تزال التداعيات الاقتصادية الكارثية ماثلة في تفاصيل السياسة المالية وصورة الأسواق وحتى في سلوك الأفراد، فلم تكن آثار الهجوم مقتصرة على الخسائر البشرية والمادية المباشرة بل امتدت لتحدث زلزالاً اقتصادياً أعاد تشكيل أولويات الأمن والإنفاق، وأعاد توزيع النشاط الاقتصادي في أميركا والعالم.
وفي هذا التقرير نرصد بصورة تحليلية شاملة أهم القطاعات التي تأثرت بشكل مباشر وغير مباشر، لتقديم صورة اقتصادية متكاملة عن أحد أكبر التحولات في الاقتصاد السياسي الحديث.
جاء هجوم الـ 11 من سبتمبر 2001 في وقت كان الاقتصاد الأميركي يعاني تباطؤاً مما فاقم الركود القائم، إذ كانت التقديرات تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تقلص بما يقارب 0.5 في المئة عام 2001 بسبب الصدمة، بينما خسر الاقتصاد قرابة 600 ألف وظيفة بصورة مباشرة خلال الأشهر الأولى بعد الهجوم.
وتمثلت الاستجابة الحكومية في حزم تحفيز وخفض للفائدة وتدخلات مباشرة، وعلى رغم ذلك استغرق التعافي الكامل أرباعاً عدة، خصوصاً في القطاعات المتضررة مباشرة مثل الطيران والسياحة.
كما تضررت أسواق العمل في مناطق محددة، خصوصاً في نيويورك التي فقدت مئات آلاف الوظائف في قطاعات مثل السفر والضيافة والثقافة والخدمات المالية، وفي المقابل ارتفعت وظائف الأمن والاستخبارات وإعادة الإعمار، فتغيرت تركيبة سوق العمل وظهرت اتجاهات جديدة للطلب على المهارات الأمنية واللوجستية.
الطيران والنقل الجوي أكبر المتضررين
وتلقى قطاع الطيران الضربة المباشرة مع انخفاض بنسبة تفوق 30 في المئة في الطلب خلال الأسابيع الأولى مع استمرار انخفاض طويل الأمد بنسبة 7.4 في المئة عن مستويات ما قبل الهجمات.
وتجسدت أبرز المشاهد بعد أن أفلست شركات كبرى قبل أن تقلص آلاف الوظائف، وزادت الكلف التشغيلية بفعل إجراءات أمنية جديدة مثل إنشاء إدارة أمن النقل “TSA”، كما تغيرت تفضيلات المسافرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أغلقت الأسواق الأميركية أبوابها لأيام عدة بعد الهجوم وعادت بانخفاضات حادة، خصوصاً في قطاعات الطيران والتأمين، وعلى رغم ذلك تدخل مجلس الاحتياط الفيدرالي بضخ السيولة ومنع انهيار أوسع مما سمح بتعاف تدريجي، ودفعت الأزمة نحو تعزيز التنظيمات المالية وخصوصاً في مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.
بلغت الخسائر التأمينية عشرات المليارات من الدولارات مما جعلها واحدة من أكثر الحوادث كلفة في التاريخ التأميني، وبعدها أعادت الشركات تقييم نماذجها وأعادت تسعير منتجاتها مما رفع أقساط التأمين المرتبطة بالأخطار الكارثية، وأدى إلى تغييرات هيكلية في قطاع إعادة التأمين.
توقف موقت للسياحة وتعاف بطيء
وتراجعت السياحة، خصوصاً في نيويورك، بصورة حادة وجرى إلغاء مؤتمرات وانخفضت الحجوزات وتضررت المطاعم والمرافق الثقافية، واستغرق التعافي في بعض المدن أكثر من ثلاثة أعوام وظل هشاً في وجه أية توترات أمنية لاحقة.
في محيط “غراوند زيرو” (النصب التذكاري والمتحف الذي أقيم في موقع مركز التجارة العالمي السابق في نيويورك) تضررت آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة وتوقفت النشاطات التجارية،
وعلى رغم المساعدات الفيدرالية فلم تتمكن نسبة كبيرة من هذه الشركات من العودة، وهو ما عمق الفجوة الاقتصادية في الأحياء المتأثرة.
كلفة إعادة الإعمار
وبلغت كلفة تنظيف وهدم وإعادة إعمار موقع مركز التجارة العالمي عشرات المليارات، كما تغير الطلب على المكاتب التجارية وبدأت شركات عدة بتنويع مواقعها بعيداً من المراكز المالية الكبرى خشية من التهديدات المستقبلية.
توقفت بعض الموانئ موقتاً وارتفعت كلف الامتثال الجمركي والأمني، خصوصاً في الشحن الجوي، وبدأت الشركات بإعادة تصميم سلاسل الإمداد لتقليل الأخطار، وهو اتجاه استمر خلال العقود التالية.
الطاقة والنفط: تقلب بسبب التوتر الجيوسياسي
وعلى رغم عدم وجود تأثير فوري مباشر في أسعار النفط لكن ما تلا الهجوم من تدخلات عسكرية وارتفاع التوتر الجيوسياسي أسهم في تقلبات أسعار الطاقة وزيادة كلف تأمين الشحن في بعض المناطق الحساسة.
أنشأت الولايات المتحدة وزارة الأمن الداخلي ورفعت موازنة الدفاع والأمن الداخلي بمئات المليارات،
وتجاوزت كُلف الحروب لاحقاً في أفغانستان والعراق 6 تريليونات دولار بحسب تقديرات مراكز دراسات، وهو ما ولّد عجزاً متراكماً لا يزال يؤثر في السياسات المالية حتى اليوم، وشهد الاقتصاد تغيرات طويلة الأمد بانتشار مؤتمرات افتراضية وتقليص السفر وتوزيع جغرافي جديد للأنشطة مع تضخم قطاع الأمن والاستخبارات، ومركزية الامتثال والتدقيق المالي في المؤسسات الكبرى.
بلغت الخسائر المباشرة الأولية في نيويورك 64 مليار دولار، بينما بلغت كلفة الحروب والاستجابات الأمنية على مدى عقدين ما بين 6 و 8 تريليونات دولار، مع تراجع الوظائف في قطاعات حساسة، وما سبق تبعه أثر طويل الأمد في الديون العامة وكُلف التأمين وتنظيم الأسواق وسلوك الأعمال.
اقترح الاقتصاديون أفكاراً تتضمن الاستثمار في صناديق طوارئ اقتصادية مرنة مع مراجعة هيكل سلاسل الإمداد ومرونتها، وتنظيم التوازن بين الأمن والعائد الاقتصادي ودعم الشركات الصغيرة بعد الصدمات، إضافة إلى تعزيز البنية الرقمية واستيعاب العمل عن بعد.