كم بلغت الكلفة الإجمالية للبرنامج النووي الإيراني؟

لم يعلن أي طرف من أطراف الصراع بين إسرائيل وإيران، والآن أيضاً بين الولايات المتحدة وإيران، عن حجم الأضرار بالبرنامج النووي الإيراني نتيجة القصف الإسرائيلي والأميركي الأخير.
ولصعوبة الحصول على أرقام دقيقة موثوقة من إيران، لا يعرف بالضبط كم كلف بناء البرنامج النووي الموازنة الإيرانية المرهقة في ظل خضوع البلاد لعقوبات مشددة لنحو ثلاثة عقود.
ومن ثم يصعب حساب الخسائر التي تكبدتها طهران نتيجة القصف الإسرائيلي والأميركي لمنشآتها النووية بصورة دقيقة، لكن بالبحث في بعض الدراسات التي تناولت البرنامج النووي الإيراني خلال العقدين الأخيرين، وأيضاً تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين في أوقات مختلفة، يتأكد أن البرنامج كلف إيران عشرات إن لم يكن مئات مليارات الدولارات.
أما الخسائر فلا تتعلق فحسب بما سببته الضربات الأخيرة من أضرار في البرنامج ككل، وإنما أيضاً هناك خسائر غير مباشرة تكبدها الاقتصاد الإيراني سواء نتيجة توجيه الموارد للبرنامج النووي على حساب بنود التنمية في البلاد أو حتى بتقدير العائد منه في توليد الطاقة الذي لم يرق أبداً لتبرير الإنفاق الهائل عليه.
مع أن كل تلك الأرقام والبيانات يجب أخذها بقدر كبير من الحذر، إلا أنه من شبه المؤكد أن الخسائر التي مني بها الاقتصاد الإيراني من البرنامج النووي كبيرة جداً، حتى قبل الصراع الأخير وضربات إسرائيل وأميركا لإنهائه.
كم أنفقت إيران على النووي؟
قبل أعوام، قال الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، إن البرنامج النووي تكلف منذ بدايته ما يصل إلى 30 مليار دولار.
وفي مارس (آذار) عام 2021 صرح علي أكبر صالحي مساعد رئيس الجمهورية ورئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية وقتها بأن البرنامج النووي تكلف على مدى 30 عاماً ما لا يزيد على 7 مليارات دولار، أي بواقع 250 مليون دولار سنوياً تقريباً.
ربما قصد صالحي ما احتاجه البرنامج من استثمار رأسمالي من دون حساب أي كلف أخرى، وإن كان المبلغ يظل متواضعاً إلى حد كبير، أو أن أحمدي نجاد أعلن تقدير الكلفة الإجمالية للبرنامج، مع الأخذ في الاعتبار أن المسؤولين الإيرانيين أحياناً تختلف تصريحاتهم وهم في السلطة عنها وهم خارج السلطة (أي مسؤولين سابقين).
في عام 2013 نشرت مؤسسة “كارنيغي” للسلام العالمي واتحاد العلماء الأميركيين دراسة عن البرنامج النووي الإيراني أعدها علي فايز وكريم سغدبور، تناولت بالتفصيل والتوسع البرنامج النووي الإيراني الذي بدأ أصلاً في ظل حكم الشاه عام 1957.
وشهد البرنامج تطويراً مطرداً منذ تسعينيات القرن الماضي في ظل سعي إيران لزيادة إنتاج الطاقة بالمفاعلات النووية مع العقوبات المشددة التي بدأت تفرض عليها وجعلت قطاع النفط والغاز يعاني بشدة.
بحسب ما جاء في الدراسة فإن مفاعل بوشهر للطاقة وحده تكلف ما يزيد على 11 مليار دولار ليكون وقتها أعلى مفاعل طاقة نووية كلفة عالمياً، ومن ثم فإن التقديرات الحكومية أعلاه تبدو مجافية للواقع كثيراً.
لذا، قدرت الدراسة أن كلفة البرنامج النووي الإيراني تزيد على 100 مليار دولار من دون حساب ما وصفته الدراسة “الجوانب غير القابلة للحساب” في البرنامج، أي التبعات غير المباشرة على الاقتصاد الإيراني.
ومع مفاوضات التوصل إلى اتفاق طهران مع القوى الدولية في شأن برنامجها النووي عام 2015 قدر كريم ساغدبور أن كلفة البرنامج النووي الإيراني قد تصل إلى نصف تريليون (500 مليار) دولار.
الكلفة غير المباشرة
مع إن إيران طورت تكنولوجيا صناعة أجهزة الطرد المركزي وتصنعها محلياً بكلفة غير عالية، إلا أنه لا يوجد في إيران احتياطي كاف من خام اليورانيوم، لذا كان عليها شراء اليورانيوم من الخارج، وفي ظل العقوبات المشددة، فلا شك أن ذلك كان بكلفة أعلى من أسعار السوق.
تلك واحدة فحسب من جوانب الكلفة المباشرة للبرنامج التي تشير إلى أن الاستثمارات فيه كانت أكبر بكثير من الأرقام شبه الرسمية.
أما بالنسبة إلى الكلفة غير المباشرة، التي تتضمن تبعات تمويل البرنامج على الاقتصاد الإيراني ككل، فهي أكبر بكثير وربما تتجاوز الاستثمار المباشر فيه، ففي عام 2021 نقل عن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف قوله، إن إيران تكلفت ما لا يقل عن تريليون (1000 مليار) دولار من الكلف والخسائر نتيجة الاستثمار في الطاقة النووية، بحسب ما ذكر موقع “إيران فوكس”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يتساءل البعض لماذا تحتاج إيران، بكل ما لديها من احتياطات هائلة من النفط والغاز، لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية؟ التبرير الرسمي هو أن العقوبات على مدى عشرات الأعوام جعلت قطاع الطاقة في حال متردية، فضلاً طبعاً عن حاجة إيران لتصدير ما تستطيع من الغاز النفط ومشتقاته لتوفير عائدات بالعملة الصعبة في ظل ظروف الاقتصاد المتدهور.
قبل نحو نصف قرن كان إنتاج إيران من النفط يتجاوز 6 ملايين برميل يومياً، انخفض أخيراً إلى نحو نصف تلك الكمية.
ومع حاجتها لتصدير أكثر من نصف إنتاجها لا يكفي المتبقي لتلبية حاجات الطلب المحلي على الطاقة، لكن في الوقت ذاته فإن توليد الطاقة بالمفاعلات النووية عالي الكلفة، فحسب ما ذكره أحد أعضاء نقابة شركات إنتاج الكهرباء ماجد ديبيريان فإن بناء محطة طاقة نووية لتوليد 10 ميغاوات من الكهرباء يتكلف في الأقل 5 مليارات يورو (5.7 مليار دولار).
هل وفرت الطاقة النووية حاجات الاقتصاد الإيراني؟
لا يبدو الأمر كذلك، فحسب أحدث أرقام وزارة الطاقة الإيرانية لا تشكل الكهرباء المولدة من محطات نووية سوى نسبة 1.1 في المئة من إنتاج الكهرباء في إيران. بل تعاني البلاد من نقص في الكهرباء يراوح ما بين 25 و30 ميغاوات، وذلك ما أدى إلى انقطاعات الكهرباء في الأعوام الأخيرة حين تزيد الأحمال على الشبكة.
ربما لا تكون الخسائر من توقف البرنامج النووي على قطاع الطاقة كبيرة، لكن استثمار عشرات أو مئات مليارات الدولارات في البرنامج النووي على مدى العقود الثلاثة الأخيرة كبد الاقتصاد الإيراني كلفاً باهظة في وقت تعاني بقية القطاعات من نقص الاستثمارات.