عالمي

“النقد الدولي”: تأثير الصدمات التجارية على الشرق الأوسط محدود

قال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الدكتور جهاد أزعور، في مؤتمر صحافي عقد أمس الجمعة، وهو اليوم الأخير من اجتماعات الربيع في واشنطن، إن التأثير المباشر للصدمات التجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان محدوداً، لكن التوقعات بانخفاض أسعار النفط تأتي خلال وقت نشهد فيه استئنافاً تدريجياً لزيادة الإنتاج النفطي، تنفيذاً لما أتفق عليه، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ، بموجب قرار “أوبك+”.

وأضاف “كما تعلمون، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بأسس اقتصادية متفاوتة ومستويات مختلفة من الاحتياطات، بالتالي لا توجد نقطة تعادل موحدة لجميع الدول، ومع ذلك، تظهر تقديراتنا أن انخفاض أسعار النفط بمقدار 10 دولارات قد يضعف الوضع المالي بنسبة تراوح ما بين 2.3 في المئة و2.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وله تأثير مماثل أيضاً في الحساب الخارجي”.

وقال إن “تراجع أسعار النفط يصاحبه تعافٍ في إنتاج النفط، والسعودية حققت تقدماً كبيراً في تحويل اقتصادها”.

وأوضح أزعور أنه “خلال الأعوام القليلة الماضية، حققت السعودية تقدماً كبيراً في تحويل اقتصادها، وبخاصة من خلال المبادرات في إطار رؤية 2030، ويشمل ذلك التنويع بعيداً من الاعتماد على النفط تقليص الدعم الحكومي وتعزيز مصادر الإيرادات غير النفطية، مثل ضريبة القيمة المضافة “VAT” وجهود الخصخصة”.

وأضاف “عندما نتحدث عن العلاقة بين السياسة المالية واستراتيجية الاستثمار، فإن استراتيجية الاستثمار قد ضمنت أيضاً في الإطار الزمني المتوسط في سياق رؤية 2030“.

إلا أنه حذر من أن انخفاض أسعار النفط سيكون له تأثير في السياسة المالية، وقد يؤدي إلى تراجع إضافي محتمل في الوضع المالي.

وبسؤاله عن التطورات التجارية الأخيرة في العالم وتداعياتها على الاقتصاد السعودي، قال أزعور “مما لا شك فيه أن الروابط التجارية بما يتعلق بالقطاع غير النفطي محدودة مع الولايات المتحدة الأميركية، لذا سيكون هناك تأثير محدود في الحركة التجارية من جراء رفع الرسوم الجمركية، وبخاصة أن قطاعي النفط والغاز معفيان من الزيادات في الرسوم الجمركية، لكن سيكون هناك تأثير غير مباشر”.

وتابع “كما ذكرت حتى على مستوى التجارة سيكون التأثير محدوداً أيضاً مع تطور سعر الدولار، إذ إن تراجع سعر الدولار الأميركي قد يكون له تأثير إيجابي في قطاع الخدمات والقطاع السياحي في السعودية، والتي تعمل الرياض على تطويره من خلال منشآت جديدة وتوسيع سوق السياحة في البلاد”.

الاقتصاد العالمي عند مفترق طرق

وقال أزعور إن “الاقتصاد العالمي يقف عند مفترق طرق دقيق، فقد أدت التصعيدات الأخيرة في التوترات التجارية إلى الإضرار بآفاق النمو العالمي، وأطلقت موجات عنيفة من التقلبات المالية. وعلى نطاق أوسع، فإن الارتفاع الاستثنائي في حال عدم اليقين العالمي المرتبطة بالسياسات التجارية وتزايد الانقسامات الجيوسياسية سيواصل تقويض الثقة لفترة طويلة، ويمثل خطراً جسيماً يهدد النمو العالمي”.

وبالنسبة إلى اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودول القوقاز وآسيا الوسطى، أشار أزعور إلى أن هذه التطورات تزيد من تعقيد المشهد فوق التحديات الإقليمية القائمة بالفعل، بما في ذلك النزاعات المستمرة وجيوب عدم الاستقرار السياسي والهشاشة المناخية، متوقعاً أن يؤدي تباطؤ النمو العالمي إلى إضعاف الطلب الخارجي وتحويلات المغتربين، فيما قد تشكل الأوضاع المالية الأكثر تشدداً تحدياً أمام الدول ذات مستويات الدين العام المرتفعة.

وأوضح قائلاً “على رغم هذه التحديات وحال عدم اليقين المرتفعة، تشير التوقعات إلى تحسن النمو خلال عامي 2025 و2026 بافتراض تعافي إنتاج النفط، واستقرار تداعيات الصراعات وإحراز تقدم في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية”.

ووفقاً لأزعور تتمثل الأولوية الأولى اليوم في التكيف مع البيئة العالمية الجديدة، من خلال اتخاذ خطوات لحماية الاقتصادات الوطنية من أسوأ السيناريوهات، مع التركيز في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي والاستقرار المالي.

ودعا مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، الدول إلى اتخاذ خطوات استباقية لحماية اقتصاداتها من تداعيات أسوأ السيناريوهات، مع إعطاء أولوية قصوى للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي والاستقرار المالي، مؤكداً أن النهج السياسي المناسب سيختلف من دولة لأخرى، بحسب أوضاعها الأولية ومدى تعرضها للأخطار.

وأشار إلى أنه للحد من مواطن الضعف أمام الصدمات، واغتنام الفرص الناشئة عن التحولات الجارية في مشهدي التجارة والتمويل العالميين، من الضروري تعزيز الحوكمة إلى جانب الاستثمار في رأس المال البشري.

وأوضح أن العام الماضي كان مليئاً بالتحديات في المنطقة، وتسببت النزاعات في خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، مشيراً إلى أن معدل النمو الإقليمي بلغ نحو 1.8 في المئة عام 2024.

“اقتصادات الدول المصدرة للنفط تشهد تدهوراً في أوضاعها المالية”

وحول اقتصادات الدول المصدرة للنفط، أشار أزعور إلى أنها شهدت تدهوراً في أوضاعها المالية والخارجية نتيجة انخفاض أسعار النفط، لافتاً إلى أن بعض هذه الدول قد تستفيد من تحولات في التجارة العالمية، إلا أن هذه المكاسب تظل محدودة وقد تكون قصيرة الأجل في ظل بيئة تتسم بانكماش أوسع في حركة التجارة الدولية.

وفي المقابل، أوضح أزعور أن النشاط الاقتصادي في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى تجاوز التوقعات خلال عام 2024، بعدما سجل نمواً بلغ 5.4 في المئة، مدفوعاً بتأثيرات غير مباشرة ناجمة عن الحرب في أوكرانيا.

وحذر أزعور من أن النزاعات الجيوسياسية قد تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وتدهور الأوضاع الإنسانية، لا سيما في الاقتصادات منخفضة الدخل والمتأثرة بالنزاعات، لكنه أكد خلال الوقت ذاته وجود أخطار إيجابية محتملة في بعض السيناريوهات.

وأضاف أن التأثير في الحسابات الخارجية يراوح ما بين 2.5 في المئة و2.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتابع قائلاً “أود أن أشير إلى نقطتين إضافيتين، إذ استفادت بعض الدول من استراتيجيات التنوع لتقليل اعتمادها على النفط كمصدر للدخل، وكذلك لتنويع مواردها المالية وتقليل تأثير الإيرادات النفطية، وهو ما نشجع الدول الأخرى على اتباعه”.

وكشف عن تنظيم صندوق النقد الدولي، بالتعاون مع الحكومة الأوزبكية، لمؤتمر اقتصادي مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول القوقاز وآسيا الوسطى، إذ سيناقش وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من المنطقتين سبل تعميق الروابط الاقتصادية بينهما.

“المرونة في سعر الصرف كانت مفيدة لاستقرار الاقتصاد المصري”

وقال أزعور إنه وعلى مدار العام الماضي تحسن النمو في مصر، ومن المتوقع أن يصل النمو خلال العام المالي 2025 إلى 3.8 في المئة. وللمقارنة، كان النمو عام 2024 بنسبة 2.4 في المئة، ومن المتوقع أن يستمر التحسن في النمو عام 2026 ليصل إلى 4.3 في المئة، وانخفضت معدلات التضخم من 33 في المئة في المتوسط للعام المالي 2024 إلى 19.7 في المئة عام 2025، ومن المتوقع أن تصل إلى 12 في المئة عام 2026، على رغم الصدمات المتعددة.

وأشار إلى أن هذه التطورات الإيجابية تعكس تنفيذ برنامج الإصلاح الذي دعمه صندوق النقد الدولي، والذي عُزز خلال مارس (آذار) 2024 لمساعدة مصر في التعامل مع بعض الصدمات الخارجية، خصوصاً انخفاض الإيرادات من قناة السويس.

وأضاف أنه، كما تتذكرون، يعتمد البرنامج على أربعة أعمدة، الأول هو الاستقرار الكلي من خلال معالجة التضخم الذي يعد القضية الرئيسة لاستقرار الاقتصاد عبر تشديد السياسة النقدية، بينما العمود الثاني هو معالجة قضية الدين من خلال تحسين الفائض الأولي، إضافة إلى استراتيجيات نشطة لإدارة الديون وتعزيز التنظيم الإداري لتقليل الدين تدريجاً وأعباء خدمة الدين على الاقتصاد، في حين أن العمود الثالث المهم هو الحفاظ على الاقتصاد من الصدمات الخارجية، وهو دور مرونة سعر الصرف، فقد أثبتت مرونة سعر الصرف أثناء مرور الاقتصاد المصري بمستويات عالية من عدم اليقين أهميتها في حمايته من الصدمات الخارجية، وثبت أنها مفيدة في استقرار الاقتصاد المصري، أما العمود الرابع فهو نمو الاقتصاد ومنح وزن أكبر للقطاع الخاص.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع أن مرونة سعر الصرف في وقت ارتفاع مستويات عدم اليقين تعد وسيلة مهمة لحماية الاقتصاد المصري من الصدمات الخارجية، وثبت أن هذه المرونة كانت مفيدة لاستقرار الاقتصاد المصري.

وحث أزعور السلطات المصرية على تعزيز وتسريع الاستراتيجية الاستثمارية التي ستسمح بمزيد من الاستثمارات في الاقتصاد المصري، إذ ستوفر هذه الاستراتيجية مزيداً من المساحة للقطاع الخاص، وتساعد الاقتصاد المصري والشعب المصري على الحصول على فرص أفضل خلال وقت تتطلب فيه التغيرات الدولية تسريع التحول الاقتصادي.

وقال إن المناقشات مستمرة والتواصل مع السلطات جار خلال اجتماعات الربيع، ونتطلع في المراجعة المقبلة إلى رؤية تسريع في تنفيذ استراتيجية التخارج، التي تعد من الأولويات الرئيسة نظراً إلى تأثيرها الحاسم في دعم النمو داخل مصر، وتوفير فرص أكبر للقطاع الخاص، والمساهمة أيضاً في الجهود التي تبذلها مصر لخفض الدين العام.

وفي ظل بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، من المهم جداً معالجة مسألة خدمة الدين، ويمكن تسريع ذلك عبر تقليص مستويات الدين، لذلك نتطلع إلى إحراز تقدم في خطة السلطات في ما يتعلق بالاستثمارات.

“الحاجة إلى معالجة الوضعين المالي والاقتصادي”

وفي ما يتعلق بلبنان، قال أزعور إن ركائز البرنامج ستظل سارية تجاه لبنان كما تم التفاوض عليها، فالركيزة الأولى هي تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي من خلال معالجة تركة القطاع المالي وتركة الدين العام، ومعالجة مسألة الدين، والركيزة الثانية هي تعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي عبر تحقيق الضبط المالي، أما الركيزة الثالثة فهي تعزيز الحوكمة من خلال إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، وزيادة عامل الثقة وتحسينه، وأخيراً الركيزة الرابعة هي معالجة القضايا الاجتماعية لا سيما الآن مع القضايا المتعلقة بجهود إعادة الإعمار، مشيراً إلى أن المناقشات جارية وهناك حوار نشط بين فريق الصندوق والسلطات اللبنانية، ونحن في خضم المناقشات وأعتقد أنها ستتواصل، مضيفاً “كان الصندوق داعماً للبنان، وتم التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء عام 2022”.

ويواصل فريق لبنان في الصندوق انخراطه النشط مع السلطات مقدماً الدعم الفني، وأخيراً زار فريق الصندوق لبنان مرتين، وتواصلت السلطات مع فريقنا بهدف إعادة تفعيل برنامج محتمل، وأبدت اهتمامها بذلك. لقد أصبحت الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان أكثر تحدياً بفعل التداعيات الأخيرة للحرب والدمار الواسع، مما أضاف إلى الحاجة معالجة الوضعين المالي والاقتصادي، ضرورة التعامل أيضاً مع جهود إعادة الإعمار.

“بدأنا بتقييم الوضع الاقتصادي الكلي في سوريا”

وبسؤاله عن الوجود القوي لسوريا في اجتماعات الربيع 2025، وماذا يعتزم أن يقدم صندوق النقد الدولي لسوريا، قال أزعور “بالطبع، كانت سوريا غائبة خلال الأعوام الـ15 الماضية بسبب الحرب، وكان تواصلها مع المؤسسة محدوداً للغاية منذ عام 2011، وجرت آخر مشاورات للمادة الرابعة مع سوريا عام 2009، وانخرط المجتمع الدولي والإقليمي بصورة نشطة في محاولة لاستكشاف كيفية مساعدة سوريا على التعافي من فترة الحرب الطويلة، وعقدنا اجتماعاً تحضيرياً داخل العلا في السعودية خلال فبراير (شباط) الماضي، إذ اتفقت المؤسسات الإقليمية والمجتمع الدولي على عقد اجتماع تنسيقي آخر، انعقد الثلاثاء الماضي.

وأضاف “اجتمع ممثلون عن مؤسسات دولية وجهات ثنائية بهدف تقييم حاجات سوريا ووضع إطار للتنسيق، ويشارك الصندوق في دعم المجتمع الدولي وجهوده في التعامل مع سوريا، وبدأنا بالفعل تقييم الوضع الاقتصادي الكلي والقدرات المؤسسية، ونتطلع إلى مواصلة انخراطنا مع السلطات السورية”.

“الأردن وتأثر محدود بالحرب التجارية”

وبسؤال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الدكتور جهاد أزعور عن مدى تأثر الأردن بالحرب التجارية لترمب، رد قائلاً “الأردن تأثرت في الصعيد التجاري، ولكن لا يزال هذا التأثير محدوداً نظراً إلى نوعية التصدير والعلاقة التجارية التي تربط الأردن مع الولايات المتحدة الأميركية”.

وأشار إلى أن الأردن تمكن خلال الأعوام الماضية من تجاوز عدد كبير من الصدمات بما فيها تأثيرات الوضع المتقلب الحاصل في غزة وتداعيات ذلك على الاقتصاد الأردني.

وأضاف أنه خلال الأسابيع الماضية تمت المراجعة الأخيرة للصندوق، التي أكدت استمرار الأردن في الحفاظ على وضع اقتصادي ومالي مستقر، وقيام الأردن على رغم الصدمات الخارجية بالإجراءات التي تسهم في تحسين الوضع الميكرو اقتصادي للأردن، وتعزيز وضعها الاقتصادي.

وتابع أنه كما تعلمون هناك نقاش لدعم الأردن من خلال “عوامل المرونة والاستدامة”، ولمساعدة الأردن في الإجراءات التي تسهم في تحسين قدرة الأردن على التكيف المناخي وكذلك الصدمات الأخرى والأوبئة، وهناك تقدم كبير في هذا المجال.

وأضاف سيكون هناك مراجعة خلال الشهر المقبل من قبل مجلس إدارة الصندوق حول الوضع في الأردن.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى