عالمي

هل نشهد موجة مرتفعة للتضخم أم صعود موقت؟

ارتفع سعر صرف الجنيه الاسترليني في تعاملات صباح أمس الأربعاء في الأسواق الأوروبية، بعد صدور بيانات التضخم عن المكتب الوطني للإحصاء التي أظهرت ارتفاع معدلات التضخم ليونيو (حزيران) الماضي، وتجاوزت قيمة الاسترليني 1.34 دولار وسط توقعات بأن بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) قد لا يمكنه خفض سعر الفائدة مجدداً خلال اجتماعه الشهر المقبل.

وارتفع معدل التضخم في بريطانيا إلى 3.6 في المئة الشهر الماضي مقابل 3.4 في مايو (أيار) السابق له، وأرجع مكتب الإحصاء الوطني الزيادة إلى ارتفاع أسعار الوقود، لكن أسعار الغذاء أيضاً ترتفع باطّراد، إنما المهم في الأرقام الصادرة أمس هو مؤشر التضخم في الخدمات الذي ظل مرتفعاً عند 4.7 في المئة.

وتعليقاً على أرقام التضخم في بريطانيا الصادرة أمس، أشار الاقتصادي المعروف محمد العريان كبير الاستشاريين لمجموعة “أليانز” على حساباته في مواقع التواصل، إلى أن توقف الانخفاض في معدلات التضخم بقطاع الخدمات يحمل دلالة في غاية الأهمية. وأضاف “غالباً ما يعد استمرار التضخم في أسعار الخدمات إشارة على الضغوط التضخمية المزمنة في الاقتصاد المحلي”.

ويزيد ذلك من التحدي الذي يواجهه بنك إنجلترا في مواصلة مسار التيسير النقدي بخفض سعر الفائدة خلال اجتماعه المقبل في أغسطس (آب)، ومع ذلك يتوقع المحللون ان يخفض البنك سعر الفائدة ولو بربع نقطة مئوية (0.25 في المئة) الشهر المقبل.

وفي مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” قال الاقتصادي في “دويتشه بنك” سانجاي راغا إن “الاحتمال الأرجح أن يخفض البنك سعر الفائدة إلى أربعة في المئة الشهر المقبل”.

التضخم وتباطؤ الاقتصاد

وبعد نموه في الربع الأول من هذا العام بمعدل بسيط، انكمش الاقتصاد البريطاني، فطبقاً للأرقام الرسمية، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لمايو الماضي بنسبة 0.1 في المئة للشهر الثاني.

وأضاف راغا “هل خفض سعر الفائدة في أغسطس  المقبل محل شك؟”، مستدركاً “لا نعتقد ذلك، فهناك تباطؤ في الناتج المحلي الإجمالي وانكماش في سوق العمل بما يكفي للاستمرار في التيسير النقدي بصورة تدريجية حذرة”.

وقبل يومين من صدور بيانات التضخم، قال محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي إن “البنك لا يستبعد خفض سعر الفائدة خلال اجتماعه المقبل”.

 وكان البنك بدأ سياسة التيسير النقدي العام الماضي في سلسلة خفوض تدريجية لنسبة الفائدة التي كانت وصلت إلى اعلى معدل لها في 16 عاماً عند 5.25 في المئة.

وعلى رغم أن معدل التضخم يزيد بوضوح على الحد المستهدف من قبل البنك عند اثنين في المئة، فإن البنك المركزي يأخذ في الاعتبار أيضاً التباطؤ الاقتصادي عموماً والتراجع في سوق العمل، إذ تتجه الشركات إلى إلغاء الوظائف وتسريح العاملين من دون توظيف آخرين جدد مكانهم، وأدى ذلك إلى توقف الزيادة في الأجور.

يشار إلى أن البنك خفض سعر الفائدة أربع مرات منذ صيف العام الماضي، لكن خلال اجتماع يونيو الماضي صوتت لجنة السياسات النقدية لإبقاء سعر الفائدة عند نسبة 4.25 في المئة.

ولا يقتصر الأمر بالنسبة إلى البنك المركزي وقراره حول الفائدة على أداء الاقتصاد عموماً ومزيد من الضغط على سوق العمل والاجور، وإنما أيضاً يمثل مشكلة للحكومة، إذ ترتفع كلفة خدمة الدين العام بما يزيد من الضغط على وزارة الخزانة لفرض مزيد من الضرائب.

بالفعل، ظهر تأثير أرقام التضخم في سوق السندات البريطانية أمس الأربعاء، إذ ارتفع العائد على سندات الدين السيادي قصيرة الأجل لمدة عامين 0.2 في المئة، لتصل نسبة العائد عليها إلى 3.86 في المئة، وتعد السندات قصيرة الأجل الأكثر حساسية للتغيرات في أسعار الفائدة.

التضخم والتعريفة الجمركية

ومع ذلك يظل الهدف الأول لأي بنك مركزي ضبط الأسعار في الاقتصاد، أي الحفاظ على معدلات التضخم متدنية، وعن ذلك، تقول محللة الأسواق الدولية في “جيه بي مورغان أسيت مانجمنت” زارا نوكس إن “بإمكان بنك إنجلترا خفض سعر الفائدة في أغسطس المقبل”، مستدركة “لكن عليه (البنك) أن يمارس أقصى درجات الحذر في ما بعد”.

وجاءت بيانات التضخم في بريطانيا بعد يوم واحد من بيانات التضخم في أكبر اقتصاد في العالم أول من أمس الثلاثاء، فقد أظهرت البيانات الرسمية ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة ليونيو الماضي إلى 2.7 في المئة، مقابل 2.4 في المئة لمايو 2025.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالطبع أرجع معظم المحللين والمعلقين الاقتصاديين ذلك إلى سياسات فرض التعريفة الجمركية التي تتبعها إدارة الرئيس دونالد ترمب والتي أدت إلى ارتفاع أسعار المستهلكين في أميركا، وعلى رغم ذلك سارع ترمب ليكتب على حسابه على موقع التواصل، “أسعار المستهلكين منخفضة… خفضوا نسبة الفائدة الآن”.

من جهته، يقول عمير شريف من شركة “إنفلايشن إنسايتس” إن “تقرير التضخم يوضح تماماً أن التعريفة الجمركية بدأت تضر”، بينما رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة “كورنيل” إسوار براساد أن “تأثير التعريفة الجمركية بدأ يظهر أخيراً من خلال بيانات التضخم، وإن كان ذلك ما زال بقدر متواضع، مما يعني أن الأعمال والشركات تمكنت حتى الآن من امتصاص صدمة التعريفة”، مستدركاً “لكن ذلك ليس أمراً مستداماً، خصوصاً إذا نفذ ترمب تهديداته الأخيرة بفرض مزيد من التعريفات الجمركية”.

ويرى معظم الاقتصاديين أن فرض التعريفة الجمركية سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار، حتى إذا تمكنت الشركات حالياً من عدم تحميل الزيادات على السعر النهائي للمستهلك، فإن ذلك لن يستمر طويلاً، ولا يقتصر الارتفاع على البضائع والسلع والخدمات المستوردة الخاضعة لزيادات التعريفة الجمركية، بل إن المنتج المحلي في السوق الأميركية سيشهد أيضاً ارتفاعاً في السعر مع تراجع الاستيراد وزيادة الطلب مقابل العرض.

معضلة البنوك المركزية

ولا يكترث الرئيس الأميركي بكل تلك الأرقام والآراء ويواصل الضغط على مجلس الاتحادي الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) كي يخفض أسعار الفائدة عن مستواها الحالي عند نطاق 4.25 – 4.5 في المئة، بل إنه جدد هجومه على رئيس البنك جيروم باول داعياً إياه إلى الاستقالة من منصبه.

ومع أن أرقام التضخم التي أعلنت قد لا تكون بزيادة كبيرة عن المتوقع، إلا أنها تشكل ضغطاً على أعضاء لجنة السوق المفتوحة خلال اجتماعهم المقبل لتحديد سعر الفائدة، كما أن ضغط البيت الأبيض يجعل الأسواق في حال عدم يقين مما سيتخذه “الفيدرالي” من قرارات.

وربما يتصور بعضهم أن الضغوط التضخمية الناتجة من الحرب التجارية التي تواصلها إدارة ترمب بمزيد من التعريفة الجمركية قاصرة على الاقتصاد الأميركي، لكن الواقع أن هذا التأثير يمتد إلى كل شركاء أميركا التجاريين ولو بصورة غير مباشرة، فعلى سبيل المثال بالنسبة إلى بريطانيا التي كانت أول من توصل إلى اتفاق تجارة جزئي مع إدارة ترمب بعد إعلان التعريفة الجمركية، تظل الصادرات البريطانية خاضعة للتعريفة الجمركية، فباستثناء خفضها على صادرات السيارات هناك التعريفة على الصلب بنسبة 25 في المئة ما زالت مفروضة، كما أن كل الصادرات البريطانية إلى أميركا تخضع للتعريفة الأساسية التي أعلنها ترمب بنسبة 10 في المئة.

وقد لا يكون التأثير المباشر للتعريفة الجمركية في الأسعار في بريطانيا واضحاً تماماً، لكن هناك التأثير غير المباشر لما تؤدي إليه الحرب التجارية من اضطراب سلاسل التوريد والامداد والتي تنعكس على الأسعار محلياً.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى