الموازنة البريطانية تحت ضغوط زيادة الإنفاق الدفاعي

يستعد رئيس الوزراء البريطاني زعيم حزب العمال السير كير ستارمر لإلغاء قرار وزيرة الخزانة راشيل ريفز في شأن زيادة الإنفاق الدفاعي البريطاني بعد قمة أمنية درامية في ميونيخ، حيث ضغطت الولايات المتحدة على أوكرانيا للتوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا.
ستارمر الذي يخطط للسفر إلى واشنطن الأسبوع المقبل للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب يهدف إلى مراجعة سياسة بريطانيا الدفاعية في ضوء التطورات الأخيرة، وهو ما سيعلن عنه في وقت مبكر من اليوم التالي.
وفي تصريحاته مساء أمس السبت قال رئيس الوزراء البريطاني “هذه لحظة تحدث مرة واحدة في الجيل” في إطار التعاون بين بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا لمواجهة التحديات العالمية. وحذر من الانقسامات في الـ”ناتو”، مؤكداً أن أوروبا يجب أن تتولى دوراً أكبر في الـ”ناتو” لضمان أمنها ودعم جهود التحالف.
وأضاف رئيس الوزراء البريطاني “لا يمكننا السماح لأي انقسامات داخل التحالف بأن تصرف انتباهنا عن الأعداء الخارجيين الذين نواجههم”.
وتبدو هذه التطورات مؤشراً إلى تحول كبير في السياسة البريطانية والأميركية تجاه أوكرانيا والأمن الأوروبي بصورة عامة.
ويعكس تصريح مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أوكرانيا كيث كيلوج الذي يشير إلى استبعاد الحلفاء الأوروبيين من محادثات السلام، الاختلافات في مقاربة الولايات المتحدة للحل السلمي للأزمة الأوكرانية مقارنة مع الأوروبيين الذين يصرون على دورهم المركزي في أي اتفاق. وفي الوقت ذاته تعكس دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى إنشاء جيش أوروبي مخاوفه من الانحياز الأميركي للجانب الروسي وتأكيده على أهمية المشاركة الأوروبية في المحادثات. ومن الناحية الدفاعية تحركات بريطانيا في دعم زيادة الإنفاق الدفاعي والتزامها بمضاعفة الجهود مع حلفائها في مجموعة السبع لدفع روسيا نحو مفاوضات سلام تعكس استعداداً لتوفير الدعم العسكري والاقتصادي المستمر لأوكرانيا مع تأكيد ضرورة ضمان سيادتها واستقلالها.
التصريحات الداعمة لأوكرانيا من كل من وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ووزير خارجية فرنسا جان نويل بارو تعكس التركيز الأوروبي على مواجهة تهديدات روسيا وعدم السماح بزعزعة استقرار القارة.
التوتر بين الطموحات السياسية والقيود المالية
يبرز عدم اليقين في شأن أهداف الإنفاق الدفاعي لحزب العمال التوتر بين الطموحات السياسية والقيود المالية، وبينما يعد الهدف المتمثل في زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أمراً بالغ الأهمية لضمان الأمن القومي، بخاصة في ضوء التوترات الجيوسياسية المتزايدة، فإن تردد وزارة الخزانة البريطانية في الالتزام بزيادة كبيرة يعكس المخاوف الأوسع حول الموازنة والمالية العامة في بريطانيا.
وفي حال الوصول إلى الهدف البالغ 2.65 في المئة، مما يعني إضافة 10 مليارات جنيه استرليني (12.5 مليار دولار) إلى موازنة وزارة الدفاع، فإن ذلك سيضع ضغطاً إضافياً على مجالات أخرى من الإنفاق الحكومي. وستكون المراجعة القادمة للإنفاق لحظة حاسمة في موازنة هذه الأولويات، إذ يتعين على الحكومة تقييم ما إذا كانت تستطيع تحمل هذه الزيادات مع الاستمرار في تلبية الحاجات المحلية العاجلة.
لكن في تحذير موجه إلى وزيرة الخزانة أوضح أحد حلفاء ستارمر أن هو من سيتخذ القرار، وليس ريفز، مشيراً إلى أن نهج ترمب يعني أن زيادة الإنفاق أصبحت أمراً لا مفر منه.
وقال المصدر “في النهاية هو قرار رئيس الوزراء في شأن الأمن القومي. نعلم أنه يتعين علينا تحديد متى سنصل إلى 2.5 في المئة، وسيظل استعراض الدفاع والأمن يفعل ما نحتاج إليه”.
ويزداد قلق رؤساء الخدمات العسكرية في شأن تقدم مراجعة الدفاع الاستراتيجي التي من المقرر نشرها في منتصف هذا العام، ويترأس المراجعة وزير الدفاع السابق والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) اللورد روبرتسون من بورت إلين والجنرال المتقاعد السير ريتشارد بارون.
وقالت مصادر دفاعية لصحيفة “صنداي تايمز” إن فريق روبرتسون أجرى عديداً من التعديلات على مخططه الأصلي، وفي الأيام الأخيرة قدموا المسودة الرابعة. وأشار أحد المصادر إلى أن المراجعة الآن مهددة بأن تصبح “فوضى”، مضيفاً “لم يُستشر رؤساء الخدمات العسكرية بصورة جادة”.
وتنفي مصادر وزارة الدفاع وجود توترات، لكنهم يؤكدون أن هناك خلافات.
وقضى لامي وفريقه أمس السبت في محاولة لإقناع الأميركيين بالتوقيع على البيان الذي أصدرته مجموعة السبع، والذي منح أوكرانيا دعماً أكبر مما فعل فريق ترمب الأسبوع الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستغل بوريس جونسون التزام الولايات المتحدة بسيادة أوكرانيا، إذ أجرى محادثات مع ترمب في شأن أوكرانيا، وقال إن كييف يجب أن يسمح لها بالانضمام إلى الـ”ناتو” إذا رغبت في ذلك. وقال جونسون “الولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترمب ملتزمة أوكرانيا ذات السيادة. لا يمكن تقييد بلد ذي سيادة في اختيار المنظمات التي يرغب في الانضمام إليها. من المعقول تماماً أن ترغب أوكرانيا في الانضمام إلى (الناتو). وهذه العملية هي مسألة تخص أوكرانيا و(الناتو). ولا علاقة لها تماماً ببوتين أو روسيا”. وأضاف في تحذير لترمب “محاولات التفاوض حول هذه النقطة مع فلاديمير بوتين خطأ تماماً من حيث المبدأ، وهي أيضاً محكومة بالفشل. مطالب بوتين ستثبت أنها مستحيلة الإرضاء. واشنطن تريد أوكرانيا ذات سيادة، وبوتين يريد دولة تابعة. هذه مسألة ثنائية، حان الوقت للأوروبيين – مع بريطانيا في المقدمة – أن يصبحوا جادين، وأن يستمعوا إلى ما يقوله ترمب، وأن يزيدوا من دعمنا العسكري لأوكرانيا”.
محادثات السلام في السعودية
في هذا الأسبوع سيبدأ مستشار الأمن القومي لترمب مايك والتز ووزير خارجيته ماركو روبيو ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف محادثات سلام مع المفاوضين الروس والأوكرانيين في السعودية.
وتطالب الولايات المتحدة بمبلغ إجمالي قدره 500 مليار دولار من المعادن النادرة – نصف احتياطات أوكرانيا – مقابل استمرار تقديم المساعدات العسكرية إلى كييف. وانضمت بريطانيا إلى قادة مجموعة السبع في تهديد روسيا بمزيد من العقوبات بعد هذا الشهر ما لم تدخل في محادثات سلام “بحسن نية”. وأيدت مجموعة السبع منح أوكرانيا “ضمانات أمنية قوية” والحفاظ على “حريتها وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها”.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن مستقبل أوكرانيا “مسألة وجودية” لأوروبا. وحذر من أن كلفة الفشل ستفوق الحفاظ على الدعم المالي لكييف.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن “عائد السلام” الذي دام 30 عاماً، والذي تمتعت به أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة “انتهى”.
“داونينغ ستريت” تدعم الإنفاق الدفاعي
أشارت “داونينغ ستريت” إلى دعمها زيادة الإنفاق الدفاعي بعدما عقد ستارمر اجتماعات فردية في وزارة الدفاع الجمعة الماضي مع رئيس أركان الدفاع الأدميرال السير توني راداكين ورؤساء الجيش وسلاح الجو الملكي والبحرية الملكية، وهم يطالبونه برفع الإنفاق إلى 2.65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفوق هدف حزب العمال. ولم يحدد حزب العمال بعد جدولاً زمنياً لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المئة، وفي الجمعة الماضي أصر مصدر رفيع المستوى في وزارة الخزانة على أن ريفز ليست مستعدة بعد لتخصيص أكثر من 2.3 في المئة في مراجعة الإنفاق هذا العام. في حين سيضيف الوصول إلى 2.5 في المئة 5 مليارات جنيه استرليني (6.3 مليار دولار) إلى موازنة وزارة الدفاع، بينما الوصول إلى 2.65 في المئة سيكلف 10 مليارات جنيه استرليني (12.5 مليار دولار).