"الكشري المصري"… أكلة البسطاء بنكهة سياسية


<p class="rteright">على هامش زيارة وفد أميركي رفيع المستوى القاهرة برئاسة مسعد بولس تناول الوجبة الشعبية الأشهر في مصر (اندبندنت عربية)</p>
يتفنن السياسيون والدبلوماسيون وأحياناً زعماء الدول في اختيار وسائل لمخاطبة شعوبهم أو حتى شعوب دول أخرى، لإرسال رسائل محددة مشفرة أو حتى لكسب ود تلك الشعوب، فخلال الرابع من يونيو (حزيران) 2009 اختار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما جامعة “القاهرة” العريقة لمخاطبة المصريين والعرب والشرق الأوسط في أول زيارة إلى المنطقة، بعد نحو أربعة أشهر من توليه رئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
خان الخليلي
وعلى خطى نظيره الأميركي حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً كسب ود الشعب المصري والشعوب العربية، لكنه اختار وسيلة دعاية أخرى تتعلق بالتاريخ والعراقة أيضاً والأماكن السياحية، عندما زار ماكرون رفقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال الـ11 من أبريل (نيسان) الماضي أحد أعرق الشوارع التاريخية في مصر، شارع خان الخليلي، ومناطق تاريخية أخرى في منطقة وسط العاصمة المصرية القاهرة، أو بحسب ما يطلق أهلها عليها “منطقة وسط البلد”.
على أية حال، فزيارة ماكرون ومن قبلها أوباما حققتا نسبة معقولة مما خطط لهما، خصوصاً زيارة الرئيس الفرنسي التي لاقت زخماً إعلامياً مصحوباً باستحسان ليس في مصر وحدها، ولكنها حققت صدى عالمياً إلى حد ما.
تلك الأنواع من الدعاية أو الترويج أو كسب ود الشعوب تبدو طبيعية نوعاً ما، لكن ما لا يراه بعض مألوفاً هو ابتكار الساسة والدبلوماسيون أدوات جديدة لا ترتبط بالأماكن التاريخية أو السياحية العريقة، بل امتدت إلى الأكلات الشعبية، وآخرها اعتمد على أشهر وجبة يتناولها غالبية المصريين خصوصاً الطبقة الكادحة منهم أو المتوسطة، بل يعتمد عليها شريحة كبيرة من العمال والموظفين من محدودي أو متوسطي الدخل، إذ يقبلون على “الكشري المصري” كوجبة غنية بالفيتامينات أو النشويات التي تفي بالغرض حتى العودة إلى المنزل، نظراً إلى تراجع سعرها مقارنة بوجبات أخرى تعتمد على اللحوم والدواجن والأسماك.
مسعد بولس أعد وجبته بنفسه
فعلى هامش زيارة وفد أميركي رفيع المستوى القاهرة برئاسة كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعد بولس تناول الوجبة الشعبية الأشهر في مصر، إذ زار بولس أحد أبرز محال الكشري في القاهرة، وأعد وجبته بنفسه وسط العاملين بالمطعم، في إطار زيارته الرسمية الأولى إلى مصر.
ووثقت سفارة بلاده الواقعة، إذ نشر الحساب الرسمي للسفارة الأميركية لدى القاهرة مقطع فيديو يظهر مسعد بولس وهو يتناول الكشري يرافقه وفد رفيع المستوى، وظهر خلال الفيديو كبير مستشاري دونالد ترمب سعيداً بالوجبة.
وعلى رغم أنها قد تكون على سبيل الصدفة البحتة، لكن يراها بعض تنافساً دبلوماسياً، إذ امتد التناحر السياسي بين أميركا وإيران إلى مطاعم الكشري المصرية، فقبل زيارة مسعد بولس بثمانية أشهر تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية زيارة وصفوها بالتاريخية، بعدما خلفت ردود فعل واسعة دولياً وإقليمياً، ذلك عندما زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي القاهرة.
عراقجي: نفتقر إلى وجود مطعم مصري في طهران
وضمن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة حرص على الذهاب إلى أحد مطاعم الكشري في “وسط البلد” خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وبعد الزيارة حرص الوزير الإيراني على إعادة نشر الصور داخل مطعم الكشري الشهير على حسابه الشخصي عبر موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، مصحوباً بتعليق “نفتقر إلى وجود مطعم مصري في طهران”. وتابع عراقجي في نص تدوينته التي نشرها باللغة العربية، قائلاً “خلال زيارتي إلى مصر، ذهبنا مع المرافقين إلى مطعم في وسط القاهرة، وتناولنا الوجبة المصرية الشهيرة (كشري)”، قائلاً “هي وجبة لذيذة وشهية فعلاً تُعد من مشتقات من دون لحوم”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا الوزير الإيراني متابعيه قائلاً “أنصح المشتاقين للأكلات العربية تجربتها حتماً، ونفتقر إلى وجود مطعم مصري في طهران”.
أيضاً كشف السفير التركي لدى القاهرة صالح موتلو شن عن أن طبق الكشري المصري من أهم أكلاته المفضلة داخل القاهرة، مضيفاً في تصريحات إعلامية أخيراً أن الطعام المصري له مذاق خاص، عن أية دولة أخرى.
السفير التركي لدى القاهرة
وعبر السفير التركي عن إعجابه أيضاً بالفول الإسكندراني والعيش والخبز البلدي، مشيداً بالحفاوة التي لقيها داخل القاهرة من جانب الشعب المصري. وأشار إلى أن الأكلات الشعبية في مصر مثل الفول والكشري تناسب مختلف الطبقات، سواء الأغنياء أو الفقراء.
ويعد الكشري المصري أحد رموز الضيافة المصرية ويمثل جزءاً أساساً من التراث الثقافي المصري، إذ يعد هذا الطبق الشهي وجبة شعبية محبوبة في كل أنحاء البلاد وليست حكراً على الفقراء ومحدودي الدخل فحسب، بل إن الأغنياء في بعض الأحيان والأعياد والمناسبات يرتادون محال الكشري كنوع من التغيير واللهو وكسر روتينهم السنوي.
“الكشري المصري” وجبة شهية غنية بالكربوهيدرات، إذ يتضمن الطبق كميات مختلفة من الرز والمعكرونة والعدس والحمص والبصل، مع بعض الإضافات من التوابل والبهارات التي تمنح الوجبة نكهة مختلفة مثل “الدقة” و”الشطة”، في خلطة استثنائية وعلامة تجارية مصرية مميزة.
عواصف التضخم
وعلى رغم أن الكشري الوجبة الأشهر التي يعتمد عليها كثير من المصريين، فإن مكوناته لم تسلم من عواصف التضخم مع النظر إلى أنها ظلت رخيصة تاريخياً إذ تخلو من اللحوم، وذلك بعدما ارتفع معدل التضخم السنوي داخل مصر إلى 13.6 في المئة على أساس سنوي خلال مارس (آذار) الماضي، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
وارتفعت أسعار مكونات طبق الكشري بحدة، إذ ارتفع سعر العدس خلال عام 2024 بنسبة 66.5 في المئة، بينما قفز سعر الرز بنسبة 89 في المئة، وزادت أسعار المعكرونة وزيت الطهي بنسب تراوح ما بين 46 و75 في المئة.
ويبلغ سعر كيلو الرز حالياً نحو 33 جنيهاً (0.66 دولار) والعدس 70 جنيهاً (1.4 دولار) لكل كيلوغرام، أما متوسط سعر زيت الطعام فيبلغ 90 جنيهاً (1.8 دولار) للكيلوغرام الواحد، والمعكرونة 40 جنيهاً (0.8 دولار)، بينما يستقر سعر كيلوغرام البصل عند حدود 12 جنيهاً (0.24 دولار) وكذلك الطماطم.
Source link