هل تؤمم الحكومة البريطانية أكبر شركة مياه وصرف صحي بعد تعثرها المالي؟

تواجه “تايمز ووتر”، وهي أكبر شركة مياه وصرف صحي في بريطانيا وتوفر الخدمة لملايين المنازل في البلاد، احتمال إعادة تأميمها بعد أعوام من ملكية القطاع الخاص لها ومراكمتها ديونا بلغت 19 مليار جنيه إسترليني (24 مليار دولار)، في وقت تدفع الشركة عائدات وأرباح بالمليارات للشركة الأم المالكة ولمساهميها التسعة.
وعن ذلك قال وزير الخزانة البريطاني جيرمي هنت إنه يراقب من كثب أوضاع الشركة مع احتمال حاجتها إلى حزمة إنقاذ حكومية من أموال دافعي الضرائب بعد رفض المساهمين فيها تمويلها بنحو 500 مليون جنيه إسترليني (631 مليون دولار) تحتاج إليها الشركة لسداد ديون.
وحمل هنت المساهمين وهيئة تنظيم خدمات المياه في بريطانيا (أوفوات) مسؤولية احتمال انهيار الشركة برفضها طلب زيادة فواتير المياه للمستهلكين 40 في المئة.
وفي مقابلة مع شبكة “سكاي نيوز” اليوم الخميس، رفض الرئيس التنفيذي للشركة كريس ويستون استبعاد زيادة الفواتير للمستهلكين بتك النسبة بعد رفض المساهمين ضخ مزيد من رأس المال في الشركة.
ويذكر أن الشركة ترفع قيمة فواتير المياه للبيوت سنوياً، ومن المقرر أن تزيد الفواتير 12.4 في المئة مطلع شهر أبريل (نيسان) المقبل، بعدما زادت 9.4 في المئة العام الماضي.
أما الزيادة بتلك النسبة الهائلة التي تقارب النصف لإنقاذ الشركة التي واجهت مشكلات كثيرة خلال الأعوام الأخيرة بسبب سوء الإدارة وقضايا تلوث وغيرها، فتواجه معارضة قوية من هيئة تنظيم الخدمات ونواب الشعب في البرلمان ومجلس اللوردات و الجمهور البريطاني بصورة عامة.
من يتحمل كلفة ديون الشركة
وانتهت مفاوضات مجلس إدارة الشركة والمساهمين أمس الأربعاء برفض مالكي الشركة ضخ المبلغ الذي يعد دفعة أولى مما اتفق عليه في يوليو (تموز) 2023.
وتضم قائمة المساهمين في الشركة صناديق معاشات تقاعد بريطانية إضافة إلى صناديق سيادية من الإمارات والصين، واتفق العام الماضي على أن يضخ المساهمون ما يصل إلى 3.25 مليار جنيه إسترليني (4.1 مليار دولار) في الشركة، منها 750 مليون جنيه إسترليني (947 مليون دولار) هذا العام، على أن تكون الدفعة الأولى بقيمة نصف مليار دولار نهاية الشهر الجاري.
إلا أن المساهمين يضغطون من أجل رفع قيمة فواتير المستهلكين بما يقارب النصف حتى يضمنوا عائداً على استثماراتهم، لكن هيئة “أوفوات” ترفض التصريح بتلك الزيادة الهائلة.
من جهته انتقد عضو مجلس اللوردات وأستاذ المحاسبة في جامعة شيفيلد اللورد بريك سيكا أي إنقاذ حكومي للشركة، قائلاً عبر حسابه في موقع التواصل “إكس” إنه “حتى زيادة الفواتير على المستهلكين تعتبر احتيالاً”، مضيفاً “فهكذا سيقدم المستهلكون وليس المساهمون رأس المال للشركة بينما لا يملكون فيها أي نصيب، في حين سيحصل المساهمون الحاليون في الشركة على أرباح وعائدات على أنصبتهم فيها، ويعاني المستهلكون ارتفاع قيمة الفواتير”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما طالبت النائبة في مجلس العموم (البرلمان) عن حزب الخضر كارولين لوكاس بإعادة تأميم الشركة المسؤولة عن توصيل المياه والصرف الصحي لملايين البيوت في بريطانيا، وقالت “من الواضح أن ’تايمز ووتر‘ لا تستطيع إدارة هذه الخدمة العامة الحيوية، ولا هي ولا غيرها من الشركات الخاصة”، مضيفة أننا في حاجة إلى إعادة تلك الخدمة للملكية العامة (التأميم).
وفي الوقت نفسه انهارت قيمة سندات دين الشركة في السوق اليوم ووصلت قيمة السند إلى 17 في المئة وحسب، أي أن من يرغب من حاملي السندات في استرداد أمواله فلن يحصل سوى على 17 بنساً عن كل جنيه إسترليني دفعه.
وكانت قيمة السند العام الماضي عند 88 بنساً للجنيه قبل أن تهوي إلى 55 بنساً في يونيو (حزيران) 2023 حينما كُشف عن حجم ديون الشركة، بينما تداولت سندات دينها عند 30 بنساً للجنيه مطلع الأسبوع الجاري قبل أن تنهار اليوم.
ما بين الخصخصة والتأميم
وكانت أكبر شركات المياه والصرف الصحي مملوكة للدولة حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وخصصت حكومة رئيس الوزراء السابقة عن حزب “المحافظين” مارغريت تاتشر شركة “تايمز ووتر” عام 1989، وكانت الشركة مملوكة للبنك الاستثماري الأسترالي “ماكواري” بين عامي 2007 و2017، وفي تلك الفترة حصل البنك على أرباح على أسهمه بقيمة 1.2 مليار جنيه إسترليني (1.5 مليار دولار)، بينما تضاعفت ديون الشركة من 1.6 مليار جنيه إسترليني (ملياري دولار) إلى 10 مليار جنيه إسترليني (12.6 مليار دولار).
وفي عام 2017 باع البنك الأسترالي الشركة لمجموعة من المستثمرين، وعلى رغم محاولات المساهمين الجدد تقليل اقتراض الشركة منذ ذلك الحين إلا أن ديونها تضاعفت تقريباً حتى تعثرت مالياً في الوقت الحالي، وهناك احتمال كبير أن تعلن تخلفها عن سداد ديونها، أي الإفلاس، مما يعني احتمال تدخل الحكومة لإنقاذها ولو عبر تأميمها، وفقاً لما ذكرته صحيفة “ديلي تلغراف” اليوم الخميس.
إلا أن الرئيس التنفيذي للشركة قال في مقابلة مع إذاعة “بي بي سي” إن احتمال إعلان الإفلاس يبدو بعيداً، مشيراً إلى أن لدى الشركة سيولة تسمح لها بالاستمرار في العمل حتى شهر مايو (أيار) 2025، إلا أن الشركة الأم “كيمبل ووتر” التي تلقت بالفعل قرضاً من المساهمين في الشركة بقيمة نصف مليار جنيه إسترليني، أعلنت اليوم أنها من دون تمويل إضافي لن تسدد التزامات الفائدة على قرض بقيمة 190 مليون جنيه إسترليني (240 مليون دولار) مستحقة نهاية شهر أبريل (نيسان) المقبل، بحسب ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز”.