عالمي

العملة الإيرانية تتهاوى والادعاء العام يهدد وسائل الإعلام

مع فشل مشروع القرار الذي قدمته الصين وروسيا في مجلس الأمن لتأجيل العقوبات الدولية ضد إيران وتفعيل “آلية الزناد” افتتحت سوق الصرف والمال في إيران بارتفاع جديد في الأسعار، إذ بدأت التداول بتسجيل سعر 112 ألف تومان لكل دولار، متجاوزاً للمرة الأولى المستوى التاريخي 110 آلاف تومان، وهو المستوى الذي توقعه المحللون الأسبوع الماضي، وفي وقت كتابة هذا التقرير تجاوز سعر الدولار حتى حاجز 112 ألف تومان.

 وتزامناً مع الإعلان عن رفض قرار الصين وروسيا، قفز سعر العملة الرقمية “تيثر” في السوق الإيرانية إلى ما فوق 114 ألف تومان (1.03 دولار). والفارق بين 3 إلى 4 آلاف تومان بين سعر الدولار الحر و”تيثر” يظهر شدة عدم الاستقرار والتأثير المباشر للمناخ السياسي في سوق الصرف.

ويرى الخبراء أن الحكومة ستكون مضطرة إلى التدخل عبر البنك المركزي وضخ العملة الصعبة لمنع الارتفاع المنفلت لسعر الدولار في الأيام الأولى من عودة العقوبات، مما قد يحول الأسبوع المقبل إلى فترة شديدة التذبذب. وتعد محاولة البنك المركزي خفض سعر الدولار إلى مستوى 110 آلاف تومان بعد ساعتين من بدء التداول إشارة واضحة لهذا التدخل.

ضخ العملة وتدخل البنك المركزي

وقبل التصويت في مجلس الأمن أول من أمس الجمعة ومع تضاؤل الآمال في تأجيل العقوبات، قال بعض الناشطين الاقتصاديين إن البنك المركزي يعتزم خلال الأسبوعين المقبلين ضخ كمية كبيرة من العملة الصعبة في السوق، وهي السياسة التي اعتمدها أساساً لكبح جماح الأسعار.

وأعلن عضو غرفة التجارة الإيرانية علي شريعتي أن البنك المركزي بدأ منذ أمس السبت عرض الدولار المستخرج من عوائد البتروكيماويات في قاعة ثانية من مركز المبادلات. وأضاف أن ما يقارب 500 مليون دولار ستدخل السوق خلال أسبوعين، وفي الوقت نفسه أعلن مدير العلاقات العامة للبنك المركزي تفعيل تداول الأوراق النقدية بالدولار واليورو في مركز المبادلات لتأمين العملة اللازمة للتجارة وتسريع الإفراج عن السلع الأساسية.

ويشمل البرنامج توفير العملة لتسجيل الطلبات الأقل من 50 ألف دولار، لكن مع محدودية الموارد، يعد المحللون أن هذه السياسة غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل.

تهديد وسائل الإعلام

على المستوى السياسي، حاول كبار المسؤولين التقليل من شأن العقوبات الجديدة، إذ صرح أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني بأن العقوبات العائدة لا تتجاوز القيود الأميركية الحالية، مما يعكس محاولة الحكومة إظهار أن الضغوط على سوق الصرف ناتجة من الإشاعات والهلع لا من الحقائق الاقتصادية، والسعي إلى التحكم في تدفق المعلومات.

وفي هذا السياق، نقلت وكالة “ميزان” عن المدعي العام في طهران أمس أن القضاء سيتعامل مع وسائل الإعلام التي تثير “الاضطراب النفسي للمجتمع” عبر نشر أخبار ارتفاع الأسعار. وأكد المدعي العام أن على الإعلام في الظروف الراهنة أن يتوخى الدقة وألا يتحول إلى عامل لعدم الاستقرار النفسي.

سيناريوهان رئيسان في سوق الصرف

ويرى المتعاملون في سوق الصرف سيناريوهين رئيسين للمستقبل، أولهما أن جزءاً كبيراً من تقلبات الأشهر الماضية كان بسبب حال الترقب السياسي وأمل التوصل إلى اتفاق بين إيران والغرب. ومع زوال هذه التوقعات، سيكون على السوق التكيف مع الحقائق الاقتصادية، وهنا يبرز دور صادرات النفط، بخاصة مع احتمال تخفيف واشنطن ضغوطها على بيع النفط الإيراني لتعويض النقص الناجم عن تقليص شراء النفط الروسي.

وإذا تحقق هذا الاحتمال، يمكن لإيرادات النفط أن تمنع انهيار الموارد حتى نهاية العام الميلادي، مع استمرار ارتفاع تدريجي في سعر الصرف ليستقر الدولار بين 110 و120 ألف تومان حتى نهاية 2025.

أما السيناريو الثاني، فإن الولايات المتحدة وأوروبا ستشددان القيود على التعاملات المالية والنفطية لإظهار فاعلية العقوبات، مما سيؤدي إلى تصاعد أجواء التوتر وتذبذبات سريعة بين 5 و10 آلاف تومان خلال أيام قليلة، وفي هذا السيناريو قد يتجاوز الدولار حاجز 120 ألف تومان على المدى القصير، مع توقعات أن يصل إلى 150 ألف تومان بحلول نهاية عام 2026.

الآثار الاجتماعية والتضخم

ما يلمسه المواطنون الآن هو تخطي الدولار حاجز 110 آلاف تومان التاريخي، في حين أن التوقعات التضخمية دفعت الناس إلى تحويل مدخراتهم نحو الدولار والذهب، مما يزيد الطلب إلى مستويات قد يعجز البنك المركزي عن تلبيتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال أسبوع واحد، ارتفع الدولار من 103 آلاف إلى أكثر من 112 ألف تومان، مما يعكس فقدان الثقة بالمستقبل. ولم يقتصر الأمر على الدولار، إذ تجاوز اليورو 130 ألف تومان (1.2 دولار) وسجل رقماً قياسياً، مع توقعات ببلوغه 140–150 ألف تومان (1.3 و1.36 دولار) قبل نهاية العام. ووصل الدرهم الإماراتي للمرة الأولى إلى 30 ألف تومان (0.27 دولار)، وتجاوز الجنيه الإسترليني 145 ألف تومان (1.32 دولار)، مما يعني انخفاضاً أكبر في قيمة الريال وتأثيرات مباشرة في حياة الإيرانيين واقتصادهم.

وتجربة الانخفاض الموقت للأسعار صباح أمس ثم العودة للصعود أظهرت هشاشة السوق، لذلك يتوقع المتعاملون استمرار التقلبات المفاجئة.

ارتفاع غير مسبوق في أسعار الذهب

تجاوز غرام الذهب (عيار 18) حاجز 10.5 مليون تومان (95.5 دولار) واتجه نحو 11–12 مليون تومان (100 و109 دولار). وسجلت سبيكة “إمامي” 112 مليون تومان كرقم قياسي جديد، فيما تتجه الأنظار الآن إلى الأيام المقبلة مع تفعيل العقوبات ورؤية رد فعل النظام، مما سيحدد اتجاهاً أوضح للأسواق.

في الوقت ذاته، بدأ مؤشر البورصة في طهران بالارتفاع على رغم التوقعات السلبية، ويرى المحللون أن ذلك نتيجة لانتهاء فترة الترقب وبدء المستثمرين بالتعامل مع الواقع الجديد، لكن تجارب الأشهر الثلاثة الماضية أظهرت أن هذا الانتعاش قد يكون موقتاً وسرعان ما يتحول إلى موجات بيع وخسائر.

والاقتصاد الإيراني الذي يواجه، بحسب المسؤولين، نقصاً في الموارد المالية والطاقة، يقف اليوم أمام جولة جديدة من الضغوط الخارجية. والوضع الحالي يختلف جذرياً عن منتصف العقد الأول من الألفية حين كانت هناك احتياطات عملة قوية وثقة مجتمعية أكبر، أما الآن فلا توجد قاعدة نقدية كافية وليس هناك صبر اجتماعي، مما يزيد من احتمال اندلاع توترات واحتجاجات معيشية تهدد الحكومة التي جاءت بوعود رفع العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى