العجز يهدد بابتلاع مليارات الدولارات من عوائد رسوم ترمب الجمركية

جاء رد فعل الأسواق الأسبوع الماضي على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض تعريفة جمركية على واردات الأدوية بنسبة 200 في المئة فاتراً، فبعدما تراجعت أسعار أسهم شركات الأدوية الكبرى الأربعاء الماضي لفترة وجيزة، عادت للارتفاع إلى مستوياتها المعتادة. وبنهاية الأسبوع بدا أن شركات الأدوية في أوروبا والهند، التي تصدر نحو 40 في المئة من الأدوية الجنسية إلى الولايات المتحدة، تجاهلت تهديدات ترمب.
منذ أن أطلق الرئيس ترمب الحرب التجارية مع شركاء بلاده حول العالم خلال فبراير (شباط) الماضي، والأسواق تتعامل مع تهديدات فرض التعريفة الجمركية بنسب عالية على أنها “مناورات” من الإدارة الأميركية للوصول إلى اتفاقات تجارية تقلل العجز التجاري الأميركي.
وفي مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز”، تقول المحللة في بنك “باركليز” إيميلي فيلد إن المستثمرين تعاملوا مع التهديد بفرض تعريفة جمركية على واردات الأدوية على أنه “مجرد لغو”، وتضيف “لا أحد يأخذها على محمل الجد”.
ترمب قال إن فرض التعريفة الجمركية على الأدوية سيحدث في غضون عام أو عام ونصف العام، مما يمنح الشركات الموردة فرصة لتعديل سياساتها أو نقل أعمالها إلى أميركا، وهو ما قد تكون الأسواق فهمته كورقة ضغط تفاوضية.
لكن تهديدات الرئيس ترمب تحولت إلى واقع بالفعل في ما يتعلق بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية خلال الأشهر الأخيرة، وهذا ما جعل مجلة “إيكونوميست” تنشر افتتاحية تحليلية تخلص إلى أن فرض التعريفات الجمركية أصبح أمراً واقعاً، وأن تأثيره السلبي على الاقتصاد الأميركي قادم لا محالة، حتى لو تأخر ظهوره.
زيادة التعريفة عملياً
كان رد الفعل القوي من الأسواق خلال الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) الماضي، عندما أعلن ترمب عن فرض تعريفة جمركية متبادلة مع كل شركاء بلاده التجاريين. وبعد أسبوع، ولوقف اضطراب الأسواق، أعلن الرئيس تأجيل تنفيذ القرار 90 يوماً انتهت الأسبوع الماضي، لذا ساد الاعتقاد أن إدارة ترمب تستخدم هذه التهديدات كورقة ضغط.
لم يتوصل لاتفاقات جزئية سوى مع بريطانيا وفيتنام، وحتى تلك الاتفاقات لم تلغ الرسوم الجمركية، وضمن حوار مع صحيفة “صنداي تايمز” قال السفير البريطاني لدى واشنطن بيتر ماندلسون إن “التعريفة الجمركية على الصادرات البريطانية بنسبة 10 في المئة باقية” على رغم الاتفاق، وإن الاتفاق خفض فقط رسوم السيارات، بينما ظلت صادرات الصلب البريطانية خاضعة لتعريفة بنسبة 25 في المئة أعلنها ترمب في مارس (آذار) الماضي.
وبحسب تحليل “إيكونوميست”، ستظل التعريفة الجمركية على واردات الولايات المتحدة مرتفعة، ربما ليس بالنسبة العالية التي يهدد بها ترمب، لكنها تبقى أضعاف ما كانت عليه قبل هذا العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصل التعريفة الجمركية على الواردات الأميركية حالياً في المتوسط إلى 10 في المئة، أي أربعة أضعاف ما كانت عليه العام الماضي عند 2.5 في المئة، ومع بدء تنفيذ التعريفة المتبادلة خلال أغسطس (آب) 2024، وإضافة القطاعات التي فرضت عليها الرسوم مثل الصلب والألمنيوم والسيارات، ستصل التعريفة الجمركية في المتوسط إلى 17 في المئة، أي ما يقارب النسبة التي هدد بها ترمب في البداية.
العائد والضرر
بدأت آثار الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس ترمب منذ دخوله البيت الأبيض بالظهور بالفعل، فحسب الأرقام الرسمية، ارتفعت حصيلة العائد من الرسوم الجمركية خلال مايو (أيار) الماضي أربعة أضعاف مقارنة بالشهر ذاته العام الماضي لتصل إلى 24.2 مليار دولار، وتراجعت الواردات الأميركية من الصين بنسبة 43 في المئة للشهر ذاته مقارنة بعام 2024.
وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت في اجتماع الحكومة الأميركية الثلاثاء الماضي إن فرض التعريفة الجمركية يمكن أن يوفر عائدات للخزانة بنحو 300 مليار دولار بنهاية العام، موضحاً أن حصيلة الرسوم حتى الآن بلغت نحو 100 مليار دولار، مع زيادات كبيرة في الربع الثاني.
لكن كل هذه العائدات لن تمثل سوى جزء ضئيل من التمويل المطلوب لتغطية العجز في الموازنة الأميركية، الذي يزيد على 4 تريليونات دولار، ومع حجم الدين العام الذي يفوق الناتج المحلي الإجمالي، سيكون اقتراض الحكومة عالي الكلفة.
الضرر الحقيقي المتوقع على المدى المتوسط أن هذا التذبذب في فرض التعريفة وتغيير نسبها، ثم التراجع أو الاتفاقات الجزئية، يصعب على الشركات وضع خطط طويلة الأجل، لذا، يفضل المستثمرون الانتظار حتى تتضح الصورة، مما يجمد قراراتهم الاستثمارية.
حسب تحليل “إيكونوميست”، تجاهل الأسواق لبيانات مثل هذه ليس مؤشراً إيجابياً، بل قد يغري الرئيس ترمب بالمضي قدماً في سياساته، ومع تراجع الرئيس أحياناً، يكون رد فعل السوق بطيئاً. لكن تباطؤ النمو الاقتصادي في أميركا يبدو قادماً لا محالة.
من المتوقع ألا يزيد معدل نمو الاقتصاد الأميركي هذا العام على نصف ما كان عليه عام 2024، وأن ينتهي معدل التضخم فوق ثلاثة في المئة، متجاوزاً الهدف المحدد من “الاحتياط الفيدرالي” عند اثنين في المئة.