العالم في مرمى ترمب: الرسوم الجمركية تربك الأسواق وتقلق الحلفاء

في وقت تتصاعد فيه التوترات التجارية العالمية نتيجة السياسات الحمائية التي تنتهجها الولايات المتحدة، بدأت تداعيات هذه الإجراءات تنعكس بوضوح على الاقتصادات الكبرى والصاعدة على حد سواء.
بينما أبرم الرئيس الأميركي دونالد ترمب سلسلة من الاتفاقات التجارية المثيرة للجدل مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وسرع وتيرة فرض الرسوم الجمركية على سلع من دول مثل سويسرا وجنوب أفريقيا وكندا، تتباين ردود الفعل الرسمية والأسواق حيال هذه التطورات، وسط مخاوف متزايدة من تباطؤ اقتصادي واسع النطاق.
ماذا وراء تراجع معنويات المستثمرين في أوروبا؟
أظهر مسح اليوم الإثنين تراجع معنويات المستثمرين في منطقة اليورو على نحو غير متوقع في أغسطس (آب) في أحد المؤشرات الأولى على أن مجتمع الأعمال غير راضٍ عن اتفاق التجارة الجديد المبرم بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وسجل مؤشر “سنتكس” لمنطقة اليورو تراجعاً في أغسطس الجاري، إذ انخفض إلى -3.7 من 4.5 نقطة في الشهر السابق، منهياً بذلك سلسلة من المكاسب استمرت ثلاثة أشهر، وجاءت القراءة أقل بكثير من توقعات محللين استطلعت “رويترز” آراءهم والذين رجحوا ارتفاعه 8.0 خلال الشهر الجاري.
وقال المدير العام لشركة “سنتكس” مانفريد هوبنر، في بيان “اتفاق الرسوم الجمركية أثبت أنه يضعف معنويات المستثمرين”.
وتوصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق تجاري إطاري مع الاتحاد الأوروبي في أواخر الشهر الماضي، فرضت واشنطن بموجبه رسوماً جمركية 15 في المئة على معظم سلع التكتل.
وأظهر الاستطلاع الذي شارك فيه 1050 مستثمراً، وأجري في الفترة من الـ31 من يوليو (تموز) الماضي إلى الثاني من أغسطس الجاري بعد إبرام الاتفاق، انخفاضاً في تقييمهم وتوقعاتهم للوضع الحالي.
وانخفض المؤشر الفرعي للوضع الحالي إلى -13.0 نقطة في أغسطس من -7.3 في الشهر السابق، في حين انخفضت التوقعات بمقدار 11 نقطة إلى 6.
وأضاف هوبنر أن المعنويات في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، تأثرت بشدة بسبب الاتفاق، الذي سيتطلب إعادة تفكير من قبل الحكومة في برلين.
وانخفض المؤشر العام لمعنويات المستثمرين في ألمانيا إلى -12.8 في أغسطس من -0.4 في يوليو، منهياً أيضاً ثلاثة أشهر من المكاسب.
فيمَ تفكر اليابان؟
قال رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا اليوم إن الحكومة مستعدة لتوفير موازنة تكميلية لتخفيف وطأة الضربة الاقتصادية الناجمة عن الرسوم الجمركية الأميركية، وهي خطوة من شأنها أن تضيف ضغوطاً على الموارد المالية المتدهورة بالفعل في البلاد.
وبعد تعرضه لهزيمة قاسية في انتخابات مجلس المستشارين، الغرفة العليا من البرلمان، الشهر الماضي، يتعرض ائتلاف الأقلية بزعامة إيشيبا لضغوط لتلبية مطالب أحزاب المعارضة بزيادة الإنفاق وخفض ضريبة المبيعات في البلاد.
وقال إيشيبا للبرلمان عندما سأله أحد نواب المعارضة عمَّ إذا كانت الحكومة ستعد موازنة إضافية تتضمن تخفيضات ضريبية “سنوفر موازنة إذا لزم الأمر، مع الأخذ في الاعتبار المناقشات مع الأحزاب الأخرى”.
وأدى الاتفاق التجاري الذي أبرمته اليابان مع دونالد ترمب الشهر الماضي إلى خفض الرسوم الجمركية الأميركية على واردات السلع بما في ذلك السيارات التي تعد الدعامة الأساسية للاقتصاد الياباني، مما يخفف من معاناة الاقتصاد المعتمد على التصدير.
لكن ليس هناك وضوح في شأن موعد خفض الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات وقطع غيار السيارات إلى 15 في المئة من 25 في المئة حالياً، مما يلقي بظلال من الشك على آفاق الانتعاش الهش في اليابان.
وأصبح تقديم موازنات تكميلية ممارسة معتادة في اليابان، إذ يدعو السياسيون إلى زيادة الإنفاق لدعم الاقتصاد.
ولم يعلق إيشيبا على الحجم المحتمل للموازنة التكميلية، لكن بعض المحللين يتوقعون أنها ربما تصل إلى نحو 10 تريليونات ين (67.68 مليار دولار)، مما سيتطلب إصدار ديون إضافية.
وستضاف الموازنة التكميلية إلى موازنة قياسية بالفعل تبلغ 115.5 تريليون ين للسنة المالية الحالية، وسيجري إنفاق 24.5 في المئة من الإجمالي على تمويل الديون.
لماذا تتخوف كوريا الجنوبية؟
من جهته قال وزير الصناعة في كوريا الجنوبية كيم جونج-كوان اليوم إن البلاد تمكنت من تجنب أسوأ الاحتمالات بعد إبرام اتفاق في شأن الرسوم الجمركية الأميركية، لكن المخاوف لا تزال قائمة في شأن مدى تأثر أرباح المصدرين بمعدل الرسوم البالغ 15 في المئة.
وأدلى كيم بهذه التصريحات خلال اجتماع مائدة مستديرة للنقاش والتشاور مع مجموعات أعمال وأكاديميين، وقال في كلمته الافتتاحية “هناك مخاوف من أن الرسوم الجمركية غير المسبوقة البالغة 15 في المئة ستؤثر بصورة كبيرة على أرباح الشركات المصدرة إلى الولايات المتحدة، لا سيما الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، مقارنة بالشركات الأميركية المحلية”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبموجب اتفاق أبرمته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وافقت كوريا الجنوبية أيضاً على حزمة استثمارية بقيمة 350 مليار دولار في الولايات المتحدة منها 200 مليار دولار في صناعات استراتيجية مثل أشباه الموصلات، وخصص المبلغ المتبقي لقطاع بناء السفن.
وأكد كيم أن الحكومة ستواصل المناقشات مع الولايات المتحدة للعمل على تفاصيل حزمة الاستثمارات بما يعود بالنفع على اقتصاد البلاد وشركاتها.
لماذا تضطر سويسرا إلى مراجعة عرضها الأخير؟
في سويسرا قال وزير الأعمال جاي بارميلين إن الحكومة منفتحة على مراجعة عرضها للولايات المتحدة التي قررت فرض رسوم جمركية مرتفعة على صادرات الدولة الأوروبية.
وحذر متخصصون من أن تؤدي رسوم استيراد 39 في المئة أعلنها الرئيس الأميركي إلى ركود في سويسرا.
وأصيبت سويسرا بالصدمة الجمعة الماضي بعدما فرض ترمب عليها واحدة من أعلى نسب الرسوم الجمركية في حين حذرت اتحادات صناعية من تعرض عشرات الآلاف من الوظائف للخطر.
وسيعقد مجلس الوزراء السويسري اجتماعاً خاصاً اليوم لمناقشة خطواته التالية.
وقال بارميلين لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (آر تي أس) إن الحكومة ستتحرك سريعاً قبل دخول الرسوم الأميركية حيز التنفيذ في السابع من أغسطس الجاري.
وأضاف “نحن في حاجة إلى أن نفهم تماماً ما حدث، ولماذا اتخذ الرئيس الأميركي هذا القرار. وبمجرد أن يكون ذلك متاحاً لنا، يمكننا أن نقرر كيفية المضي قدماً”. وأضاف “المدى الزمني قصير وربما يكون من الصعب تحقيق شيء ما بحلول السابع من الشهر الجاري، لكننا سنفعل كل ما في وسعنا لإظهار حسن النية ومراجعة عرضنا”.
وقال بارميلين إن ترمب يركز على العجز التجاري الأميركي مع سويسرا الذي بلغ 38.5 مليار فرنك سويسري (48 مليار دولار) العام الماضي، موضحاً أن شراء سويسرا الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة ضمن الخيارات قيد الدراسة.
كيف تحركت جنوب أفريقيا؟
في جنوب أفريقيا، قال وزيراً التجارة والخارجية اليوم إن البلاد تعمل على إيجاد سبل للتقليل من تأثير الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة على الوظائف، وتدرس إعفاء المصدرين من بعض قواعد المنافسة لدعمهم.
ويواجه أكبر اقتصاد في أفريقيا رسوماً جمركية بنسبة 30 في المئة على صادراته إلى الولايات المتحدة بدءاً من هذا الأسبوع، وهي خطوة من المتوقع أن تؤدي لفقدان عشرات الآلاف من الوظائف.
وجاء هذا بعد عدم تمكن البلاد من التوصل إلى اتفاق تجاري قبل الموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وقالت حكومة جنوب أفريقيا إن البلاد تحقق تقدماً كبيراً في أسواق جديدة سريعة النمو في أنحاء آسيا والشرق الأوسط بما في ذلك الإمارات وقطر والسعودية.
وأصدر ترمب الخميس الماضي أمراً تنفيذياً بفرض رسوم جمركية أعلى على عشرات الدول، ومن المقرر أن يدخل هذا الأمر حيز التنفيذ في غضون سبعة أيام، ويأتي هذا في إطار مساعيه لإعادة تشكيل التجارة العالمية لمصلحة الولايات المتحدة.
وقال وزيرا التجارة والخارجية في بيان مشترك “لا تشكل جنوب أفريقيا أي تهديد تجاري لاقتصاد الولايات المتحدة ولا لأمنها القومي”.
وأضافا أن “حساب العجز التجاري بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا يتجاهل الفائض التجاري الأميركي الكبير في قطاع الخدمات، فضلاً عن الطبيعة التكاملية للعلاقات التجارية والاستثمارية الثنائية بين البلدين”.
وأوضح البيان الحكومي أن التدابير الهادفة لتخفيف أثر فقدان الوظائف قد تشمل (صندوق التأمين ضد البطالة).
وأضاف البيان أنه يجري العمل على “إعفاء شامل” من قواعد المنافسة لمساعدة المنافسين من التعاون والتنسيق.
محادثات أميركية – كندية خلال أيام
في كندا قال وزير التجارة الدولية وشؤون العلاقات الحكومية الدولية دومينيك لوبلان إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني سيجريان على الأرجح محادثات “خلال الأيام القليلة المقبلة”.
يأتي ذلك بعدما فرضت واشنطن رسوماً جمركية 35 في المئة على سلع لا يشملها الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
وأضاف لوبلان، وهو الوزير المسؤول عن ملف التجارة بين الولايات المتحدة وكندا بالحكومة الاتحادية، لشبكة “سي بي أس نيوز” أن المحادثات التي أجريت في الآونة الأخيرة منحته “تشجيعا”، مشيراً إلى اعتقاده أن التوصل إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية لا يزال خياراً مطروحاً.
وقال لوبلان، في إشارة إلى وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك والممثل التجاري الأميركي جيمسون جرير، “المحادثات مع الوزير لوتنيك والسفير جرير منحتنا التشجيع، لكننا لم نصل بعد إلى نقطة تسمح بالتوصل إلى اتفاق يصب في مصلحة اقتصادي البلدين”.
وأضاف أنه يتوقع أن يتحدث كارني وترمب “خلال الأيام القليلة المقبلة”.
وأردف قائلاً “نعتقد أن هناك خياراً للتوصل إلى اتفاق يمكن أن يخفض بعض هذه الرسوم الجمركية ويوفر قدراً أكبر من اليقين للاستثمارات”.