عالمي

الصين على مفترق طرق: دعم حكومي يواجه عقبات عقارية وجيوسياسية

مع بداية خريف 2025 كانت بكين تواجه مأزقاً اقتصادياً غير مألوف، فبعد عقود طويلة من النمو السريع جعلت من الصين معجزة اقتصادية حديثة، جاءت الأزمات المتراكمة في الأعوام الأخيرة، وعلى رأسها أزمة العقارات، لتضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم أمام تحديات صعبة، وفي هذا السياق المتوتر، أعلنت الحكومة المركزية عن حزمة تدابير جديدة أثارت جدلاً واسعاً.

المبادرة تضمنت دعماً مالياً مباشراً يعادل نقطة مئوية كاملة على القروض الاستهلاكية الممنوحة ما بين سبتمبر (أيلول) المقبل وأغسطس (آب) 2026، إلى جانب دعم خاص لثماني صناعات خدمية اعتبرتها بكين ضرورية لدفع عجلة النمو. خطوة كهذه لم تأت من فراغ، بل كانت ثمرة نقاشات طويلة داخل دوائر صنع القرار، التي باتت تدرك أن السياسات التقليدية لم تعد قادرة وحدها على تحريك الاقتصاد الراكد.

خطوة غير مسبوقة

عند الإعلان عن القرار، سارع المحللون إلى تسليط الضوء على طبيعته غير المألوفة، فكبيرة الاقتصاديين في “بنك أوف أميركا” لشؤون الصين، هيلين تشياو، وصفت الإجراء في مذكرة بحثية حديثة بأنه “خطوة غير مسبوقة من جهة النطاق”، موضحة أن هذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها الحكومة المركزية تقديم إعانات فائدة على القروض الشخصية.

بالنسبة إلى اقتصاد بحجم الصين، بدا ذلك بمثابة اعتراف ضمني بأن الأزمة بلغت مستوى يستدعي تدخلاً استثنائياً، لكن، وفي المقابل، لم يكن التفاؤل مطلقاً.

تشياو نفسها أبدت شكوكاً جدية في شأن فعالية هذه السياسة، مؤكدة أن تخفيض كلفة الاقتراض بمقدار واحد في المئة “قد لا يحدث فارقاً حقيقياً في قرارات الشراء لدى المستهلكين الذين يواجهون أساساً ضعفاً في الثقة وتردداً في الإنفاق”.

أزمة أعمق من نسب الفائدة

المسألة في نظر المحللين أعمق من مجرد نسب فائدة أو كلفة اقتراض، فالأزمة العقارية، التي بدأت قبل ثلاثة أعوام، لا تزال تلقي بظلالها على مجمل الاقتصاد، وتنعكس على المزاج العام للمستهلكين والمستثمرين على حد سواء، فالأسر الصينية، التي اعتادت لعقود أن ترى في العقار ملاذاً آمناً لمدخراتها، فقدت جزءاً كبيراً من ثقتها.

المستهلكون باتوا أكثر ميلاً إلى الادخار بدلاً من الإنفاق، والشركات أصبحت أكثر حذراً في توسعاتها، بينما بقيت الاستثمارات الأجنبية في حال ترقب، ومع هذه الصورة المعقدة، بدا أن حزمة الدعم الحكومية أقرب إلى محاولة لشراء الوقت أكثر من كونها حلاً نهائياً.

طريق طويل للتعافي

على رغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن بكين صارت أكثر تركيزاً في سياساتها الهادفة إلى تحقيق الاستقرار، فبعد أعوام من الإجراءات الجزئية والمشتتة، جاء هذا القرار ليعكس رغبة واضحة في تحفيز الطلب الداخلي بصورة مباشرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن المحللين يرون أن التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني هيكلية بقدر ما هي دورية: ضعف قطاع العقارات، وهشاشة ثقة المستهلك، وضبابية المشهد الجيوسياسي العالمي.

تشياو لخصت هذا الموقف بقولها، “قد تساعد سياسة الائتمان الأخيرة في تحريك الطلب على القروض من مستوياته المتدنية، لكن من الصعب القول إن تأثيرها سيكون واسع المدى. حجم التأثير يظل موضع تساؤل”.

مشهد المستقبل: ضبابية بلا نهاية واضحة

حتى اللحظة، يظل التعافي الاقتصادي في الصين متذبذباً، يتقدم بخطوات ثم يتراجع بأخرى، فبين محاولات حكومية لتسكين الجراح المالية، وسوق عقارية تعاني ندوباً عميقة، ومستهلكين يفضلون الترقب على المغامرة، تظل الطريق طويلة نحو تعاف مستدام.

وفوق ذلك، يأتي العامل الجيوسياسي ليزيد المشهد تعقيداً، توترات التجارة مع الولايات المتحدة، والعقوبات المحتملة على خلفية واردات النفط الروسي، تضيفان إلى حال عدم اليقين التي تخيم على المستقبل.

وهكذا، يجد الاقتصاد الصيني نفسه عالقاً بين مطرقة أزماته الداخلية وسندان الضغوط الخارجية.

في النهاية، تبدو قصة الاقتصاد الصيني اليوم أقرب إلى فصل مفتوح من رواية طويلة، فبكين تحاول عبر أدوات جديدة أن تستعيد ثقة شعبها وأسواقها، لكن رحلة التعافي لا تزال أشبه بممر طويل مظلم، تتخلله ومضات ضوء متقطعة، من دون وضوح متى – أو كيف – سينتهي.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى