عالمي

الصناديق الاجتماعية في تونس بين فكي خطط الإصلاح واستنزاف المدخرات

تعاني الصناديق الاجتماعية عجزاً مالياً خطراً يهدد استقرار منظومة الحماية الاجتماعية في تونس، وقد نشأ عنها تدهور الخدمات في سياق أوضاع مالية معقدة بسبب الديون المتراكمة، في وقت كشف التعداد العام للسكان في تونس عن نسبة تغطية اجتماعية متواضعة لا تتعدى 42.1 في المئة، مقارنة بتغطية صحية في حدود 76 في المئة، وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

وبلغ عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية  نحو 700 مليون دينار (241.3  مليون دولار) عام 2024، ومن المتوقع أن يتجاوز 1.1 مليار دينار (379 مليون دولار) خلال في العام الحالي 2025، إذ يعاني الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عجزاً متنامياً وسط مخاوف ببلوغ عجزه 1.4 مليار دينار (482 مليون دولار)، بينما يحقق صندوق التأمين على المرض فائضاً، لكنه في الوقت نفسه يعاني نقص السيولة.

وتعد نسبة تغطية الضمان الاجتماعي في تونس التي لا تزيد على 42 في المئة من إجمال السكان منخفضة للغاية ولا تلبي الحاجات الحقيقية، ولا سيما في ظل ارتفاع معدل الشيخوخة الذي يتجاوز 16.9 في المئة من إجمال السكان الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة.

وتكمن المشكلة الرئيسة في توسع القطاع غير الرسمي إذ لا يستفيد العاملون فيه من أية تغطية اجتماعية أو صحية، مما يضعهم في وضع هش.

وتؤكد الجهات الرسمية والخبراء ضرورة إصلاح جذري ودائم لنظام الحماية الاجتماعية من خلال تحسين النمو الاقتصادي لزيادة الموارد، وتوسيع قاعدة المساهمين لتشمل القطاع غير الرسمي، وتسريع وتيرة التوظيف للفئات العمرية الأقل حظاً، ومراجعة أنظمة التعويضات والمعاشات التقاعدية، وضمان اتساق السياسات الاجتماعية والمالية.

حلول موقتة

وكشف مستشار رئيس الحكومة سابقاً والمكلف بالملفات الاجتماعية بدر الدين السماوي عن أن “العامين الأخيرين شهدا تفاقماً في عجز صندوق التقاعد بعد أن بلغ 600 مليون دينار (206.9 مليون دولار) عام 2023 قبل أن يرتفع إلى 708 مليون دينار (244.1 مليون دولار) العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.129 مليار دينار (386 مليون دولار) هذا العام”، مضيفاً أنه  “بعد الإجراءات التي اتخذت عام 2019 والمتمثلة في زيادة المساهمات وفي سن التقاعد، والتي وفرت متنفساً موقتاً ليعود الإشكال الذي يفرض حلولاً جذرية لاسترجاع التوازنات وعلى رأسها التوظيف”.

وحول عجز صندوق الضمان الاجتماعي أشار  السماوي إلى أنه زاد من 950 مليون دينار (327.5 مليون دولار) عام 2023 إلى 1.2 مليار دينار (413 مليون دولار) عام 2024، ويتوقع أن يصل إلى 1.423 مليار دينار (482.7 مليون دولار) بنهاية العام الحالي، مرجعاً ذلك لزيادات الجرايات في مايو (أيار) 2024 بنحو 7سبعة في المئة لمتقاعدي الصندوق، لافتاً إلى أنه على رغم أن الحلول الوقتية مثل العفو الاجتماعي وفرت بعض الأموال لكنها تظل ظرفية، قائلاً إن “الحلول الدائمة هي تحقيق النمو واستيعاب القطاع غير المنظم، أي تأتي في إطار اقتصادي واسع”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال السماوي إن “الوضعية مختلفة لدى صندوق التأمين على المرض الذي حقق فائضاً في حدود مليار دينار (344 مليون دولار) عام 2023 و861 مليون دينار (296.8 مليون دولار) خلال العام التالي 2024 و1.1 مليار دينار (379 مليون دولار) متوقعة العام الحالي”، مستدركاً “لكنه يواجه نقصاً في السيولة”.

ويبلغ عدد المساهمين في صندوق الضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد 3.5 مليون فرد، وبإلحاق أسرهم يصل عددهم إلى 8 ملايين مساهم، مما يدعو إلى النظر والتدقيق في النسبة المقدمة من قبل المعهد الوطني للإحصاء للمتمتعين بالتغطية الاجتماعية والتي لا تزيد على 42 في المئة.

انتهاك منظومة الضمان

من جانبه اعتبر المحلل المتخصص في التنمية حسين الرحيلي في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن أزمة الصناديق هيكلية منذ فترة طويلة وامتدت إلى تسعينيات القرن الماضي وخضعت لحلول ظرفية مما أدى إلى نقص الخدمات، وتجسد في التأخير في صرف جرايات (حقوق) المتقاعدين في كثير من المناسبات، مضيفاً أن “العجز نتج من ارتفاع التعهدات في مقابل الإيرادات الذي يتأتى من المنظومة التوزيعية، وقد انتقل الوضع من نشاط 13 موظفاً أو عاملاً لتوفير أجرة متقاعد إلى نشاط موظفين ونيف، وفي فترات جني فوائض كبيرة استنزفت مدخرات الصناديق واعتمادها في مستلزمات اجتماعية وصحية، مما تحول إلى استنزاف كبير وانتهاك لمنظومة الضمان الاجتماعي في تونس لسد ثغرات لا علاقة لها بالضمان الاجتماعي”.

وحذر الرحيلي من عمليات التصرف التي تجري على الصناديق منذ نشأتها من قبل الدولة، إذ تمد يدها إلى هذه المدخرات وتعتبر أموالها خاضعة لتصرفها في حين أنها أموال المؤجر والأجير، وقال إن “الاختلال ما بين حجم الموارد والخدمات دبّ منذ عام 1994 عند غلق باب التوظيف ودخول تونس مرحلة أطلق عليها مرحلة الإصلاح الهيكلي، مما أدى إلى تضاءل المساهمين بعد اعتماد التقاعد الباكر وتطهير المؤسسات العمومية وانهاك الصناديق بإجراءات كبيرة”.

وأضاف الرحيلي أنه “انطلاقاً من عام 1984 وحتى عام 1994 في إطار مرحلة الإصلاح الهيكلي سيئ الذكر، ولتجسيد خطة التقاعد الباكر استنزفت كل المدخرات السابقة للصناديق التي امتدت إلى 40 عاماً قبل أن تتمادي الدولة في اعتماد مدخراتها لتمويل المشاريع الاجتماعية والصحية وقروض التعليم العالي، وهي قروض متفحمة”، متابعاً أنه “أُقرت اقتطاعات من مساهمات الصناديق لفائدة موازنة الدولة خلال مناسبتين، الأولى عام 1974  ومقدارها 0.5 في المئة من مساهمة الأعراف لصندوق الضمان الاجتماعي، ثم المساهمات الاستثنائية منذ عام 2016 بقيمة 1واحد في المئة على أساس أنها استثنائية، ولا تزال سارية المفعول إلى اليوم”.

وأشار الرحيلي إلى أنه تحت تأثير التغيير الديموغرافي وتراجع التوظيف، وبالتالي تراجع عدد المساهمين، انخفضت المدخرات، إذ يحدد المؤشر الديموغرافي توفير أجرة متقاعد واحد بعمل 4.2 موظف وفق المؤشرات العالمية لتحقيق التوازن المالي للصناديق، في حين لا يزيد هذا المؤشر على 2.8 في تونس، لافتاً إلى أن العجز يبدو أكبر في صندوق الضمان الاجتماعي بحكم ارتفاع عدد المساهمين إلى قرابة 600 ألف في مقابل 250 ألف متقاعد لدى صندوق التقاعد.

ولفت إلى أنه في إطار البحث عن إجراءات إنقاذ، وقع اعتماد حلول ظرفية تمثلت في الزيادة في مساهمة العمال والأعراف، بينما ترتكز الحول الجذرية على الاستقلالية في إدارة الصناديق بين المؤجر والأجير بعيداً من تصرف السلطة في الموارد المالية وتسيير الصناديق على أساس إدارات عامة، مما يستوجب استقلالية التسيير ثم استئناف التوظيف ومقاومة التشغيل الهش، خصوصاً بعد أن قضى برنامج التقاعد الباكر على مقومات المؤسسات العامة، وأدى مع غلق باب التوظيف إلى انخفاض المساهمات وارتفاع مصاريف الصناديق على حساب الإيرادات، إضافة إلى التشغيل الهش والعقود قصيرة الأجل وانعدام التغطية الاجتماعية التي تورط فيها القطاع العام ولم تقتصر على القطاع الخاص، وكذلك التجاوزات وبخاصة التصريحات الكاذبة لحجم الأجور.

وأكد الرحيلي “لا تتجاوز الأجور المصرح بها نحو 40 في المئة من متقاعدي الضمان الاجتماعي ثلثي الأجر الأدنى، بحسب معطيات الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، مما يشير إلى استشراء التصريحات الكاذبة وعدم مقاومتها على رغم خطورتها، كما لا تتوفر الإمكانات الضرورية لمراقبة المؤجرين، وهي ظروف عامة وممارسات واختيارات للدولة أدت إلى إفلاس الصناديق، مما يستوجب الكشف عن واقعها وتقييمها والقيام بحوار يضم جميع الأطراف لعلاجها بحكم علاقة الصناديق الاجتماعية بالطبقة العاملة، مما يحتم التباحث بين جميع الشركاء وعدم تسيير هذا الملف من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية حكراً”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى