ما دلالة إفلاس محلات المستحضرات “بودي شوب” في بريطانيا؟

تردد اسم سلسلة محلات مستحضرات التجميل البريطانية الشهيرة “بودي شوب” في الأخبار في الأيام الأخيرة نتيجة المشكلات التي تواجهها محلاتها في بريطانيا، وتعمل السلسلة في نحو 70 بلداً من خلال منفذ بيع وتوظف نحو 10 آلاف شخص عالمياً. ويوم الثلاثاء أعلن عن تعيين مديرين من خارج الشركة لتوفيق أوضاعها (أي الإفلاس والحماية من الدائنين)، لكن المتضرر من الإعلان عن وضع السلسلة هذا هي محلاتها وأعمالها في بريطانيا وليس في أنحاء العالم الأخرى.
لدى سلسلة مستحضرات التجميل الشهيرة نحو 200 محل في بريطانيا، يعتقد أنه سيتم إغلاق نصفها (100 محل في الأقل) من أجل محاولة استعادة عمل الشركة في منافسة مع مثيلاتها. وسيعني ذلك تهديد وظائف نحو ألفين موظف في الشركة.
وبحسب آخر بيانات إفصاح مالي للشركة فإنها توظف و2568 في بريطانيا، منهم 927 موظفاً إدارياً و1641 يعملون في منافذ البيع ببريطانيا وإيرلندا.
أسست السلسلة الليدي أنيتا روديك وزوجها غوردون في برايتون قبل نحو نصف قرن (عام 1976) ثم توسعت السلسلة في بريطانيا وخارجها، لكنها أصبحت علامة مميزة لشوارع التسوق في أحياء المدن البريطانية التي تسمى “هاي ستريت”. ومع تراجع محلات البيع في شوارع تسوق الأحياء نتيجة الزيادة في التسوق الإلكتروني عبر الإنترنت، أصبحت منتجات “بودي شوب” تباع أونلاين أيضاً لكن المحلات في شوارع الأحياء ظلت مقصداً لكثيرين.
تراجع الانفاق الاستهلاكي
في العامين الأخيرين، وربما قبل ذلك، تراجع الإنفاق الاستهلاكي في بريطانيا ليس فقط بسبب ارتفاع معدلات التضخم ورفع بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم. فمع أن ذلك زاد من كلفة الاقتراض للأسر البريطانية، إلا أن ارتفاع كلفة المعيشة باضطراد جعل البريطانيين يحجمون عن الإنفاق بخاصة أن ثقتهم في أي تحسن اقتصادي تتدهور.
بدأت مشكلات سلسلة محلات “بودي شوب” منذ نهاية العام الماضي، حين تبادلت الملكية من شركة برازيلية إلى صندوق استثمار ألماني. وجاءت مبيعات فترة أعياد الميلاد ورأس السنة محبطة للآمال ما جعل وضع الشركة أكثر صعوبة.
ما يميز سلسلة المحلات وجعلها على مدى عقود علامة مميزة في سوق التجزئة لمستحضرات التجميل أن مؤسسيها أنيتا وغوردون روديك بنيا الشركة على أسس بيئية سليمة ومع معارضة إجراء الاختبارات على الحيوانات. وتبيع سلسلة المحلات الشهيرة منتجات للاستحمام والجسم مصنوعة من مكونات طبيعية ومستحضرات للعناية بالبشرة والشعر والعطور والمكياج من مكونات مستدامة صديقة للبيئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانتقلت ملكية الشركة إلى مجموعة “لوريال” الشهيرة في الفترة من 2006 إلى 2017 قبل أن تشتريها شركة “ناتورا كوزموتيكس” البرازيلية بنحو مليار يورو (مليار دولار)، ثم باعتها العام الماضي 2023 إلى صندوق الاستثمار الألماني “أوريليوس” بنحو ربع سعرها السابق – اشترى الصندوق الشركة البريطانية ومقرها لندن بمبلغ 207 ملايين جنيه استرليني (261 مليون دولار).
ويوم الثلاثاء، أعلن مديرو “بودي شوب” في بريطانيا إفلاسها، وتعيين خبراء من شركة “أف آر بي أدفايزري” للإشراف على الإدارة، وهو مسار معتمد في بريطانيا يستعان فيه بخبراء ماليين لمحاولة إنقاذ أجزاء من الشركة التي تواجه خطر الإفلاس وخسارة ديون المقرضين وحملة الأسهم.
وقالت شركة “أف آر بي أدفايزري” في بيان لها الثلاثاء: “اليوم، عين مديرو ذي بودي شوب إنترناشيونال ليمتد توني رايت، وجوف رولي، وأليستير ماسي من شركة استشارات الأعمال أف آر بي كمديرين مشتركين للشركة التي تدير أعمال ذي بودي شوب في المملكة المتحدة”. وأضاف البيان أن “اتباع هذا النهج يوفر الاستقرار والمرونة والأمان لإيجاد أفضل الوسائل لتأمين مستقبل ذي بودي شوب، وتنشيط هذه العلامة التجارية البريطانية الشهيرة”.
محلات شارع التسوق
بغض النظر عن رمزية سلسلة المحلات الشهيرة كمنفذ بيع بريطاني سبق غيره في إنتاج مستحضرات تجميل متسقة مع جهود حماية البيئة، حتى قبل موجة مكافحة التغيرات المناخية الحالية، فإن إفلاس السلسلة يشير بحسب تقدير عدد من الاقتصاديين ومحللي السوق إلى ما يواجه محلات التجزئة في شوارع تسوق الأحياء البريطانية. ليس فقط وجود تلك المنافذ كمحلات حقيقية يزورها المتسوقون في “هاي ستريت” وإنما حتى أعمالها من مبيعات التجزئة أونلاين.
ففي ظل ارتفاع كلفة المعيشة وتدهور مستوى ملايين الأسر البريطانية أصبح الناس يغيرون أولوياتهم لتوفير الحاجات الضرورية. وتعد مستحضرات التجميل، وحتى مواد النظافة الشخصية غير الأساسية، من بين السلع الاستهلاكية التي يتردد المواطن البريطاني ضعيف الدخل في شرائها مقابل توفير الطعام لأسرته.
وأشارت دراسات عدة من مؤسسات أبحاث وجمعيات خيرية إلى زيادة كبيرة في أعداد الأسر الفقيرة التي أصبحت تتخلى عن شراء ما كانت تعتبره ضرورياً من قبل. ويهدد ذلك باختفاء المزيد من سلاسل محلات تعد علامة مميزة لشارع التسوق في كل حي في كل مدينة ببريطانيا.