عالمي

الرسوم الجمركية المؤجلة… ملف ترمب التجاري باختصار

الرسوم الجمركية المثيرة للجدل التي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في وقت سابق من هذا العام فرضها على جميع الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة، كان من المقرر أن تعود إلى حيز التنفيذ مجدداً الأسبوع الماضي. لكن تأجل هذا الموعد، وسط ترجيحات بأنه لم يكُن موعداً نهائياً فعلياً.

المملكة المتحدة كانت أول من سارع إلى إبرام اتفاق دخل حيّز التنفيذ في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، في حين لم تتوصل سوى قلة من الدول الأخرى إلى اتفاقات مع أكبر اقتصاد في العالم.

ما هو الوضع الحالي إذاً؟ وماذا ينتظر العالم في المرحلة المقبلة؟ “اندبندنت” تسلط الضوء على التفاصيل.

ما هي رسوم ترمب الجمركية ولماذا فرضت؟

اتسمت الولاية الثانية للرئيس الأميركي بتركيزه على فرض الرسوم الجمركية التي يعتبرها الوسيلة الأمثل لتصحيح ما يراه خللاً في الميزان التجاري بين ما تنفقه الولايات المتحدة على استيراد السلع من دول أخرى، وما تنفقه تلك الدول على شراء السلع الأميركية.

هذا الفارق يعرف باسم “العجز التجاري”، ويرى ترمب أن إحدى طرق تقليصه هي فرض رسوم إضافية على السلع المستوردة من كل دولة – وهو ما يعرف بالرسوم الجمركية. فالدول التي تسجل عجزاً تجارياً أقل مع الولايات المتحدة تواجه رسوماً أقل، والعكس صحيح.

من الناحية النظرية، كان ذلك هو المخطط على أية حال، إذ إن النسب الأولية للرسوم الجمركية عكست هذا التوجه بصورة غير دقيقة، على رغم أن طريقة احتساب هذه النسب تعرضت لسخرية واسعة من قبل المحللين والاقتصاديين.

ومن المهم التذكير بأن الرسوم الجمركية لا يدفعها المصدرون أو الدول التي يأتون منها، بل يتحملها المستهلكون الأميركيون أو الشركات التي تشتري وتستورد تلك المنتجات.

متى يدخل قرار فرض الرسوم حيز التنفيذ؟

في أبريل (نيسان) الماضي، أعلن ترمب تجميداً موقتاً لتطبيق الرسوم لمدة 90 يوماً، وكان من المفترض أن يبدأ العمل بها في الأربعاء الماضي.

لكن قبل أيام قليلة من هذا الموعد، أكدت الإدارة الأميركية تمديد المهلة حتى الأول من أغسطس (آب) المقبل، لمنح شركاء واشنطن التجاريين فرصاً إضافية لعقد اتفاقات.

ما الذي سيحدث عند انقضاء المهلة؟

للأسف، لم يكُن ترمب واضحاً تماماً بهذا الخصوص.

فعندما سئل عما إذا كانت الرسوم ستدخل حيز التنفيذ في الـتاسع من يوليو (تموز) الجاري أو في الأول من أغسطس المقبل، أجاب: “الرسوم ستكون هي الرسوم”. كما قال الأسبوع الماضي إن موعد الأول من أغسطس هو “نهائي، لكنه ليس نهائياً بنسبة 100 في المئة”.

من جهته، ذكر وزير التجارة هوارد لوتنيك أن “الرسوم الجمركية تدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس. لكن الرئيس يحدد الآن النسب والاتفاقات”.

وعملياً، يبدو أن هذا يعني أن أية دولة لم تبرم اتفاقاً تجارياً ستُطبق عليها الرسوم الجمركية التي حُددت لها في بداية أبريل الماضي.

وقال وزير الخزانة، سكوت بيسنت، لشبكة “سي أن أن”: “سيقوم الرئيس ترمب بإرسال رسائل إلى بعض شركائنا التجاريين يقول فيها إنه إذا لم تحرزوا تقدماً، فاعتباراً من الأول من أغسطس، ستفرض عليكم الرسوم الجمركية التي كانت مقررة عليكم في الثاني من أبريل”.

وتعد تلك الرسائل بمثابة إشعار من إدارة ترمب لشركائها التجاريين بالكلف الإضافية التي سيتكبدونها عند تصدير منتجاتهم إلى الولايات المتحدة.

وقال ترمب قبل إعلان التمديد: “ستراوح الرسوم ما بين 60 و70 في المئة، بحسب البلد. لدينا أكثر من 170 دولة، فكم اتفاق يمكن أن نعقد؟ الأمور أكثر تعقيداً بكثير مما تبدو عليه”.

والأسبوع الماضي، أُعلن أن 14 دولة تلقت رسائل تتضمن معدلات الرسوم الجديدة.

ما مضمون الاتفاق التجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة؟

منذ مطلع مايو (أيار) الماضي، دخل حيز التنفيذ “اتفاق الازدهار الاقتصادي” بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بهدف تعزيز التبادل التجاري بين البلدين.

وبموجب هذا الاتفاق، تفرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة على معظم السلع البريطانية المصدرة إلى الولايات المتحدة، مع بعض الاستثناءات، أبرزها قطاع الطيران الذي يستفيد من إعفاء كامل من الرسوم.

أما بالنسبة إلى السيارات، فحُدد سقف جمركي بنسبة 10 في المئة لأول 100 ألف مركبة تستورد سنوياً إلى الولايات المتحدة، بدلاً من النسبة الثابتة البالغة 25 في المئة المفروضة على باقي الدول. ولا تزال المحادثات مستمرة في شأن منتجات الصلب والألمنيوم والصناعات الدوائية.

وجاء في بيان للحكومة البريطانية على موقعها الرسمي: “بفضل الاتفاق مع الولايات المتحدة، تعد المملكة المتحدة الدولة الوحيدة المستثناة من التعريفة العالمية البالغة 50 في المئة على منتجات الصلب والألمنيوم. وكما أكد كل من رئيس الوزراء والرئيس ترمب، سنواصل العمل من أجل إلغاء الرسوم على المنتجات الأساسية من الصلب، بحسب ما اتُفق عليه”.

في المقابل، تواجه الشركات البريطانية الصغيرة أعباء مالية متزايدة، بمتوسط خسائر يبلغ 17 ألف جنيه استرليني (نحو 23 ألف دولار)، نتيجة حال الغموض المرتبطة بالرسوم الجمركية.

من أبرم اتفاقاً أيضاً؟

حتى الآن، فيتنام هي الدولة الوحيدة التي توصلت إلى اتفاق، في حين هناك نوع من الهدنة مع الصين، وإن كانت تفاصيل هذا التفاهم شحيحة، إلا أن الطرفين أعلنا في وقت سابق أنه تم التوصل إلى ترتيب معين.

ولا تزال المفاوضات جارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول اتفاق تجاري، مع تقارير تفيد بأن المحادثات تسير بصورة جيدة حول إطار عمل رئيس، غير أن بعض المسؤولين في بروكسل يطالبون بإعفاءات جوهرية لبعض القطاعات الاقتصادية من الرسوم المرتفعة.

 

وكان مسؤولون بارزون في الاتحاد الأوروبي هددوا في وقت سابق بفرض رسوم جمركية انتقامية على المنتجات الأميركية في حال فرضت واشنطن رسومها المرتفعة. وقُدّرت قيمة التبادلات التجارية بين الطرفين بـ2 تريليون دولار (1.47 تريليون جنيه استرليني) عام 2024.

أما في شأن اليابان، فأعرب ترمب عن استيائه من مجريات المفاوضات معها، خصوصاً حول شراء طوكيو مزيداً من السيارات والرز الأميركي. وصرّح رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، بأن بلاده لن “تقدم تنازلات بسهولة” خلال المحادثات. وفي رسالة أرسلت الأسبوع الماضي، حددت نسبة الرسوم على اليابان بـ25 في المئة، وهي النسبة نفسها التي فرضت على كوريا الجنوبية. أما تايلاند وكمبوديا ولاوس وميانمار، ففرضت عليها أعلى النسب التي بلغت 36 أو 40 في المئة.

في المقابل، تعرّض تكتل “بريكس” (الذي يضم روسيا وجنوب أفريقيا والإمارات العربية المتحدة إلى جانب دول أخرى) لتهديد بفرض رسوم إضافية بنسبة 10 في المئة “من دون استثناءات”، وفق منشور للرئيس الأميركي على وسائل التواصل الاجتماعي.

ما الأثر الاقتصادي الأشمل لحرب الرسوم الجديدة؟

عندما أعلن عن الرسوم الجمركية في البداية، تمثّل أبرز ردّ فعل في انهيار أسواق الأسهم، بحيث تراجعت القيمة السوقية للشركات الأميركية بنحو 2.5 تريليون دولار (1.8 تريليون جنيه استرليني). ولاحقاً، هوت أسواق السندات أيضاً، مما دفع الرئيس الأميركي إلى التراجع جزئياً عن موقفه.

أما هذه المرة، فعلى رغم التوقعات باستمرار التقلبات في الأسواق، فإن حدتها قد تكون أقل، نظراً إلى معرفة السقف الأقصى للرسوم الجمركية وتأجيل موعد سريانها مجدداً واقتراب عدد من الشركاء التجاريين الرئيسين من التوصل إلى تسويات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي تصريح، قال دان كوتسورث، محلل الاستثمار في شركة “أي جاي بل” الاستثمارية البريطانية: “لدينا الآن بعض الوضوح في خصوص آلية تطبيق نظام الرسوم. ونتوقع إعلان مزيد من الدول عن اتفاقات خلال الأيام المقبلة، مع إمكان منح تمديد للبلدان التي تحرز تقدماً في المفاوضات”.

وأضاف: “نظرياً، من المفترض أن يلقى هذا الوضوح – على رغم أنه لا يزال ضبابياً – ارتياحاً لدى المستثمرين، إذ إن الموعد النهائي الصارم تأجل فعلياً لثلاثة أسابيع”.

وتابع: “لكن ما يقلق المستثمرين هو احتمال أن يعيد ترمب تغيير قواعد اللعبة مجدداً. فلديه سوابق في فرض شروط وأحكام جديدة باستمرار، وهدد الآن بفرض رسوم إضافية بنسبة 10 في المئة على الدول التي تنحاز إلى سياسات دول بريكس ’المناهضة لأميركا‘”.

كذلك ألمح إلى احتمال رفع الرسوم إلى 70 في المئة، وهي نسبة أعلى من الحد الأقصى الذي كان مطروحاً في الخطة الأولية التي أعلنها خلال ما يُسمى “يوم التحرير“. أما الوضع المثالي بالنسبة إلى المستثمرين، فيتلخص في وجود قواعد ثابتة تلتزم بها الإدارة الأميركية، لا في تغييرات متواصلة.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى