عالمي

التضخم في إيران يسجل مستويات غير مسبوقة والقدرة الشرائية تتآكل

أظهر تقرير جديد صادر عن مركز الإحصاء الإيراني أن معدل التضخم الشهري للسلع الأساس بلغ 3.9 في المئة خلال الشهر الأول من العام الإيراني الجديد (بدأ في الـ21 من مارس ’آذار‘ الماضي)، مما يعد أعلى مستوى يسجله هذا المؤشر خلال الأشهر الـ17 الماضية.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية، بلغ معدل التضخم الشهري في مجموعة المواد الغذائية خلال شهر مارس الماضي 4.2 في المئة، وهو مستوى لا يزال يعد مقلقاً، إذ يفرض ضغوطاً إضافية على الأسر ذات الدخل المحدود.

وكان رئيس “اتحاد بنك الطعام” في طهران أكد خلال الـ13 من مارس الماضي أن السلع الأساس والمواد الغذائية الحيوية شهدت ارتفاعاً في الأسعار لا يقل عن 100 في المئة خلال أقل من عام.

معدلات التضخم

أظهر التقرير الصادر عن مركز الإحصاء الإيراني أن معدل التضخم السنوي خلال الشهر الأول من العام الإيراني بلغ مستوى غير مسبوق ووصل إلى 38.9 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. ويعني هذا الرقم أن الأسر الإيرانية تنفق في المتوسط 38.9 في المئة أكثر مما كانت تنفقه العام الماضي لشراء سلة السلع نفسها. وتعد هذه الزيادة أشد وطأة في فئات مثل المواد الغذائية والمشروبات، مما يجعل التأثير أكثر قسوة على الطبقات الفقيرة التي تخصص الجزء الأكبر من دخلها لتأمين الغذاء، بالتالي تتحمل العبء الأكبر من هذه الأزمة.

ومن النقاط اللافتة الأخرى في بيانات هذا المركز الحكومي، التفاوت في معدلات التضخم بين الشرائح المختلفة من الدخل. ووفقاً لما أعلنه مركز الإحصاء الإيراني، بلغ معدل التضخم السنوي لشريحة الدخل الثانية (من بين الشرائح ذات الدخل الأدنى) 32.1 في المئة، في حين وصل إلى 33.5 في المئة للشريحة التاسعة.

وتظهر هذه الأرقام أن الضغوط التضخمية ليست موزعة بالتساوي نسبياً، إذ إن الشرائح الدنيا تنفق نسبة أكبر بكثير من دخلها على السلع الأساس، في حين أن الشرائح الأعلى تمتلك قدرة أكبر على امتصاص هذه الصدمات الاقتصادية.

بحسب تحليلات خبراء اقتصاديين أدلوا بها لوسائل إعلام محلية في إيران، من المتوقع أن يستمر الاتجاه التصاعدي للتضخم بوتيرة متسارعة في الأقل حتى الـ21 من يونيو (حزيران) المقبل، ويعزى ذلك إلى التأخر الزمني المعتاد بين ارتفاع سعر صرف العملة وظهور آثاره في سوق الاستهلاك، إذ لم تنعكس بعد الحصة الأكبر من الصدمة الناتجة من تقلبات أسعار الصرف خلال شهري مارس الماضي وأبريل الجاري على الأسعار. وتذهب بعض التوقعات إلى احتمال تجاوز معدل التضخم الشهري حاجز الـخمسة في المئة مع نهاية شهر مايو (أيار) المقبل، ما يزيد من المخاوف في شأن تفاقم الأوضاع الاقتصادية.

ويشير الخبراء إلى أن الحكومة الإيرانية تفتقر إلى الأدوات الكافية للتدخل الفعال في السوق، وذلك بسبب العجز المزمن في الموازنة والاعتماد الشديد على العائدات النفطية، إضافة إلى العزلة الدولية الناجمة عن العقوبات المفروضة على إيران. وعليه، فإن هذه العوامل مجتمعة تقيد قدرة الحكومة على وضع سياسات نشطة للسيطرة على الأسعار وتقديم الدعم للفئات الهشة. كما أن ارتفاع أسعار الخدمات الحكومية وإلغاء العملة التفضيلية والعجز عن توفير السلع الأساس من مصادر خارجية، كلها عوامل زادت من تآكل القدرة الشرائية للأسر بصورة ملحوظة.

تعميق الأزمات

ويرى خبراء الاقتصاد أن المصدر الرئيس لأزمة التضخم المرتفع والمستمر خلال الأعوام الأخيرة لا يكمن فقط في تقلبات سوق الصرف الأجنبي فحسب، بل في بنية السياسات الاقتصادية الكلية للنظام الإيراني. وهذه السياسات، كما يشير الخبراء، ارتكزت خلال الأعوام الماضية بصورة كبيرة على نهج المواجهة وانعدام الثقة وافتعال التوترات في العلاقات الخارجية، خصوصاً مع الولايات المتحدة، مما أسهم في تعميق الأزمات الاقتصادية وتقييد فرص الاستقرار داخل البلاد.

لقد مهدت السياسات التصعيدية التي يتبعها المرشد علي خامنئي، إلى جانب دعم طهران للجماعات الوكيلة والميليشيات المسلحة في المنطقة، الطريق لعودة العقوبات الأميركية الصارمة خلال فترة رئاسة دونالد ترمب. ولا تزال هذه العقوبات تتزايد تدريجاً، إذ لم تقتصر آثارها على حرمان إيران من الوصول إلى الأسواق المالية العالمية فحسب، بل أدت أيضاً إلى انهيار منظومتها النقدية وتراجع حاد في إيراداتها من العملات الأجنبية، مما فاقم الأزمة الاقتصادية داخل البلاد.

وأدت هذه العقوبات خلال الأعوام الأخيرة، إلى جانب سوء الإدارة الداخلية خصوصاً في مجال إنتاج وتوزيع السلع الأساس، إلى ارتفاعات متتالية في سعر العملة الأجنبية. وفي آخر موجة من هذه التقلبات، ارتفع سعر الدولار الواحد في السوق الحرة من نحو 65 ألف تومان إلى أكثر من 105 آلاف تومان (خلال مارس الماضي)، مما كان له تأثير مباشر وسريع على أسعار المواد الغذائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً للنموذج الاقتصادي المعروف، تعد المواد الغذائية من أول القطاعات التي تتفاعل مع تقلبات سعر العملة، إذ إن جزءاً كبيراً من سلسلة توريدها، سواء كانت مدخلات الثروة حيوانية أو أسمدة وبذور أو حتى السلع المعبأة أو شبه المصنعة، تعتمد بصورة كبيرة على الاستيراد أو العملة الأجنبية.

في الوقت نفسه، وعلى رغم بدء المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ونشر أخبار إيجابية نسبياً حول تفاصيل هذه المفاوضات التي أدت إلى انخفاض نسبي في سعر الدولار الواحد إلى حدود 80 ألف تومان، فإن السوق لا يزال يفتقر إلى الثقة ويعاني قلقاً في شأن المستقبل. والسبب الرئيس لهذا التشاؤم السلبي هو التجارب المتكررة للفشل في المفاوضات السابقة وعدم الشفافية في سير المحادثات، إضافة إلى غياب الثقة العامة في قدرة الحكومة الإيرانية على إدارة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

نقلاً عن “اندبندنت فارسية”




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى