عالمي

أميركا قد تواجه صدمة مالية خلال أسابيع

لا تظهر أحدث البيانات والأرقام الرسمية عن مؤشرات الاقتصاد الكلي أن هناك ضرراً واضحاً على أكبر اقتصاد في العالم حتى الآن، نتيجة الحرب التجارية وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوم تعرفة جمركية غير مسبوقة على الصادرات الصينية، قبل أن ترد الصين بالمثل.

لكن تقريراً في العدد الأخير من مجلة “إيكونيميست” توقع أن تواجه الولايات المتحدة “صدمة اقتصادية هائلة” بعد أسابيع قليلة، مستنداً إلى أدوات مبتكرة لحساب التأثير والأضرار تشبه تلك التي اعتمدها الاقتصاديون خلال أزمة وباء كورونا، عندما أصبحت المؤشرات التقليدية لا تقدم صورة واضحة عن أثر إغلاق الاقتصاد.

وبحسب تلك المعايير المبتكرة فإن الاقتصاد الأميركي لم يتضرر بشدة بعد “لكن المشكلات في الطريق إليه”، فخلال أزمة وباء كورونا اعتمد الاقتصاديون والمحللون على “البيانات الفورية المباشرة” لقياس تأثير الإغلاق بسبب الوباء في الاقتصاد، مثل حجوزات المطاعم والانتقالات، وكانت تلك المعايير المبتكرة هي الوسيلة الأمثل في ظل عدم دقة انعكاس التأثير والأضرار من خلال مؤشرات الاقتصاد التقليدية.

أما الآن فيلجأ الاقتصاديون والمحللون إلى أرقام وبيانات الشحن البحري لقياس تأثير فرض التعرفة الجمركية على الوضع الاقتصادي، إذ إنها أكثر دقة ومباشرة من بيانات سوق العمل ومؤشرات النمو وغيرها، وقد ركز تقرير المجلة على حركة الشحن البحري مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم والطرف الذي بدأ تطبيق التعرفة على صادراته في  أبريل (نيسان) الماضي.

بيانات متضاربة

وأظهر مسح أجري في التاسع من أبريل الماضي، أي قبل بدء تنفيذ معظم قرارات التعرفات الجمركية، مدى قلق الأعمال والمستهلكين الأميركيين بسبب التعرفة الجمركية التي أعلنها ترمب، وذكر مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس أن “الناتج الصناعي انخفض إلى مستوى قياسي خلال أبريل الماضي”.

لكن تلك الإحصاءات قد لا تكون معبرة تماماً عن التأثير السلبي للتعرفة الجمركية، فبحسب معظم المعلقين تنعكس الآراء السياسية للأميركيين على توقعاتهم لأداء الاقتصاد، وخلال فترة رئاسة جو بايدن كانت الاستطلاعات تشير إلى تراجع ثقة المستهلكين في وقت زاد فيه الإنفاق، مما يجعل تلك الإحصاءات غير دقيقة لتقدير التوقعات.

أما البيانات المؤكدة، مثل تلك المتعلقة بمعدل النمو، فهي تتعلق بفترة انقضت بالفعل، فمثلاً نجد أن أرقام التوظيف الجيدة لمارس (آذار) الماضي تعكس سياسات الشركات خلال فترة كان موقف الرئيس ترمب فيها من فرض التعرفة الجمركية غير واضح تماماً، و هنا تأتي أهمية “البيانات الفورية المباشرة” في قياس تأثير وأضرار فرض التعرفة الجمركية في الاقتصاد.

وليس هناك أدق من بيانات رصد ومتابعة التجارة العالمية، خصوصاً عبر الشحن البحري، فالسفن تبدأ رحلاتها التجارية قبل أسابيع من وصولها إلى وجهتها وتبث في البداية مواقعها وقائمة حمولتها عبر الأقمار الاصطناعية التي تتابع مسارها، وخلال الأسبوع المنتهي في الـ 25 من أبريل الماضي، وصلت 10 سفن حاويات إلى مينائي لوس أنجليس ولونغ بيتش محملة بنحو 555 ألف طن من البضائع الواردة من الصين.

والواقع أن ذلك المعدل مماثل تقريباً لما كان عليه الوضع ذاته العام الماضي، لكن مدة الإبحار من الصين إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة تتراوح ما بين أسبوعين و40 يوماً، مما يعني أن أي سفن تصل الآن أبحرت من الصين قبل بدء فرض التعرفة الجمركية.

حركة الشحن

إلا أن بعض البيانات الفورية والدقيقة الأخرى ترسم صورة أشد قتامة، ففي الأسبوع الثالث من الشهر الماضي تراجعت حجوزات الشحن لرحلات جديدة بين الصين وأميركا بنسبة 45 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب أرقام شركة “فيزيون” لبيانات الشحن البحري، أما عدد ما تسمى “عمليات الإبحار الفارغ”، أي عندما تتفادى سفينة الوقوف في ميناء أو تسيّر شركة ناقلات رحلات أقل على خط ملاحي، أو توقف رحلاتها تماماً عليه، فقد زاد 40 في المئة من رحلات النقل البحري المقررة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير أسعار كلفة الشحن إلى أن الملاحة التجارية تتغير، فخلال الشهر الماضي انخفضت أسعار الشحن ما بين شنغهاي ولوس أنجليس بنحو 1000 دولار، بحسب بيانات شركة “فرايتوس”، مما يعني أن الشركات لم تعد تشحن بضائع بكثافة لمواجهة احتمال فرض التعرفة الجمركية، بل أصبحت لا تشحن بضائع لتفادي رسوم التعرفة.

وفي المقابل ارتفعت كلفة شحن البضائع من فيتنام إلى أميركا بالقدر ذاته الذي انخفضت به ما بين الصين وأميركا، مما يعني أن المستوردين الأميركيين بدأوا يبحثون عن وجهات استيراد بديلة، علماً أن الصين تعمل منذ فترة على نقل بعض الصناعات إلى فيتنام وغيرها لتفادي قيود التصدير الأميركية.

وقد لا تبدو كل هذه البيانات الفورية حاسمة الآن في شأن الضرر على الاقتصاد الأميركي من فرض الرسوم الجمركية والحرب التجارية مع الصين وغيرها، لكن لأن الشحن البحري يأخذ وقتاً فمتابعة مثل هذه البيانات التجارية الفورية مهمة جداً للاقتصاديين والمحللين لدق جرس الإنذار الباكر في شأن تبعات الحرب التجارية.

الأسوأ قادم

ومن البيانات الفورية المباشرة التي تشير إلى أن آثار فرض التعرفة الجمركية على وشك الظهور بقوة، أن الشركات ربما راكمت مخزوناً كبيراً من البضائع قبل بدء تنفيذ التعرفة الجمركية، فارتفع الطلب بصورة كبيرة على ما يسمى “مخازن المنافذ”، وهي مساحات تخزين قرب الموانئ حيث تخزن الشركات بضائعها من دون دفع جمارك عليها إلا عند الافراج عنها، وتحاول الشركات أيضاً عدم زيادة الأسعار حالياً وتفادي تحميل كلفة التعرفة الجمركية للزبائن، إما لأنها مرتبطة بعقود تسليم مسبقة أو لأنها لا تريد خسارة مستهلكين، لكن ذلك ممكن لفترة، أو حتى تستنفد مخزوناتها من البضائع التي راكمتها قبل فرض التعرفة الجمركية.

ولن تستطيع الشركات الإبقاء على الأسعار كما هي، فما إن ينخفض المخزون السابق حتى تضاف كلفة التعرفة الجمركية إلى الأسعار، وهناك أيضاً ما تعانيه شركات الشحن البحري من ضغوط منذ إغلاقات وباء كورونا وهجمات الحوثيين على الملاحة التجارية في البحر الأحمر، وتأتي التعرفة الجمركية التي يفرضها ترمب لتزيد أزمة قطاع الشحن البحري كما يقول بيتر ساند من شركة “زينتيتا” للاستشارات، مضيفاً أن “ذلك سيكون له تأثير سلبي كبير في التجارة العالمية عموماً”.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى