أزمة في تونس بسبب أفضلية السياحة الأجنبية

تمثل السياحة الداخلية في تونس نحو 25 في المئة من النشاط السياحي، حيث يقبل التونسيون على الفنادق والمطاعم والمواقع السياحية صيفاً تزامناً مع العطلات المدرسية.
وإن وعدت السلطات بخفوض خاصة للسائح المحلي، فقد أفادت المؤشرات المتوافرة من قبل المنظمات إلى ارتفاع الأسعار التي تحول دون رغبة التونسيين في التمتع بخدمات المؤسسات السياحية، في حين توجه اتهامات للفنادق بتفضيل توفير هذه الخدمات للسائح الأجنبي على حساب المحلي من طريق الرفع في سقف الأسعار.
هذا الأمر، دفع رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) لطفي الرياحي إلى المطالبة بوضع تسعيرة مناسبة للتونسيين وضرورة تدخل الدولة ومراجعة منوال وضع الأسعار واعتبار السائح التونسي عميلاً أساساً، مضيفاً أن “السياحة التونسية تعتمد السائح الأجنبي كعميل وحيد، إذ يدفع أقل من السائح التونسي عند الإقامة بالفنادق ويتمتع بالدعم الموجود الذي يُحرم منه السائح التونسي، مطالباً بأسعار منخفضة للتونسيين وليس العكس.
وانتقد الرياحي اعتبار الوافدين الأجانب السياح الحقيقيين على حساب العملاء التونسيين، مطالباً بإقرار نظام تسعيرة مدروسة داخل القطاع السياحي والقطع مع الأسعار المتدنية لفائدة السياح الأجانب مقابل الأسعار المشتعلة للمحليين، مستنداً إلى الشكاوى التي تلقتها المنظمة من التونسيين المقيمين داخل تونس والمغتربين على حد السواء.
وجسدت شكاوى المغتربين لب التجاوزات، بعدما حرموا من الأسعار المنخفضة للحجوزات المتوافرة لهم ببلدان الإقامة والتي لا تتجاوز 330 دولاراً للأسبوع داخل الفنادق من نوعية 4 نجوم، أي نفس الأسعار المخصصة للوافدين الأجانب من هذه البلدان.
وبمجرد وصولهم إلى تونس اصطدموا بالأسعار المحلية المخصصة للسائح المقيم في تونس والتي تصل إلى 250 و300 دولار لليلة واحدة بنفس الصنف في ذروة الموسم، خلال الفترة بين يوليو (تموز) وأغسطس (آب) من كل عام، مما أدى إلى عزوفهم عن الإقبال على الفنادق، وهم يطالبون بنفس معاملة السائح الأجنبي.
واقترح الرياحي توفير حصة دائمة للسياحة الداخلية بجميع المؤسسات السياحية مرفقة بنسبة خفض متغيرة وفق صنف المؤسسة السياحية، لافتاً إلى غياب آليات الرقابة على الفنادق وانعدام سياسة الردع للمخالفين في شأن جودة الخدمات المقدمة للتونسيين، مستنداً إلى تمتع هذه المؤسسات بدعم من الدولة على صور امتيازات ضريبية وإجراءات مالية واجتماعية، خصوصاً خلال فترات الأزمات.
ويأتي هذا التوتر الموسمي، الذي يطفو على السطح مستهل كل موسم سياحي صيفي، بعد إجراءات أعلنت عنها وزارة السياحة التونسية، إذ قالت عنها إنها لمصلحة السياح المحليين، وقال وزير السياحة سفيان تقية إن “السياحة الداخلية تعد ركيزة مهمة للتنمية المستدامة خصوصاً في الجهات”، مؤكداً أن “الحجوزات والخفوض المقدمة للتونسيين جدية وحقيقية، وأن المهنيين في القطاع السياحي استجابوا لدعوة الوزارة في القيام بالخفوض لفائدة التونسيين للتشجيع على
السياحة الداخلية التي تمثل أكثر من 25 في المئة من النشاط السياحي، على أمل أن تصل النسبة إلى 50 في المئة، بعدما قدموا خفوضاً تراوحت ما بين 10 و45 في المئة، مع خدمات في مستوى تطلعات المستهلك التونسي”.
وكان الوزير يتحدث عن الخفوض التي خصصت للعطل المدرسية الشتوية، بينما تعود المنظمات إلى توجيه الاتهامات إلى المؤسسات السياحية في ذروة الموسم السياحي الصيفي باعتماد المستهلك المحلي (عجلة خامسة) لسد فراغات انخفاض الحجوزات خلال الفترة المتبقية من العام الحالي بصفة وقتية، ثم التخلي عنه عند ارتفاع الحجوزات خلال أشهر الصيف واستبعاده بالرفع في الأسعار”.
ودعا الوزير التونسي مواطنيه للإقبال على الحجز المسبق الذي يوفر الأفضلية والأسبقية، خصوصاً مع إقبال المهنيين نحو رقمنة الخدمات ووضعها على الخط”.
اشتعال الأسعار
في المقابل، نفى رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار أحمد بالطيب بشدة في حديثه إلى “اندبندنت عربية” تفضيل المؤسسات السياحية بصنفيها نزل ووكالات أسفار للوافدين الأجانب على حساب التونسيين، مفسراً ضعف نسق تدفق التونسيين على الفنادق السياحية بالأسعار التي تعتمدها هذه الوحدات، وهي وضعية لا تزال تعوق تطور السياحة الداخلية.
ووصف بالطيب تلك الاتهامات بـ”الباطلة”، داعياً إلى الاطلاع على المنصات الرقمية التي توفر عروضاً تفاضلية للتونسيين لجميع الأصناف، والعمل على تجاوز الأزمة الحقيقية وهي الحجز المبكر، خصوصاً لفترة الذروة بين يوليو وأغسطس من كل عام، أما بخصوص عدم توافر حجوزات ببعض الفنادق أشار بالطيب إلى أنها ترجع إلى بيع الغرف مسبقاً لوكالات أسفار أجنبية وتونسية.
وطالب رئيس الجامعة بتقديم أدلة قانونية عينية عن التجاوزات المفترضة لرفض حجوزات للتونسيين، بينما يمثل ارتفاع الأسعار عائقاً حقيقياً أمام السياح التونسيين وفق بالطيب، معتبراً أن التضخم في جميع القطاعات تسبب في تراجع الاستهلاك.
من جانبه، أشار الرئيس السابق للجامعة التونسية لوكالات الأسفار جابر بن عطوش إلى الدافع الحقيقي لعزوف السائح التونسي، وهو ارتفاع الأسعار مقابل دخل المواطن التونسي الضعيف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موضحاً “تخضع الأسعار لقانون العرض والطلب، فكلما كان هناك إقبال من قبل متعهدي الرحلات على الوجهة السياحية التونسية كبيراً، أدى ذلك إلى تراجع العرض بالنسبة إلى السياحة الداخلية بالتالي فإن العروض لوكالات الأسفار المحلية تكون مرتفعة السعر”، مضيفاً “عندما يكون الإقبال من قبل متعهدي الرحلات الأجانب ضعيفاً، تصبح الأسعار بالنسبة إلى الوكالات الأسفار التونسية الموجهة للمستهلك المحلي منخفضة”، مدللاً على ذلك بما حدث خلال الأعوام السابقة، على غرار فترات أحداث الثورة التونسية وفي عام 2015 إثر الأحداث الإرهابية باردو وسوسة، وخلال الفترة بين عامي 2020 و2023 نتيجة انتشار جائحة كورونا، قائلاً “أي خلال أوقات الأزمات”.
وحول التوازنات المنشودة، قال بن عطوش “تستوجب تغيير عقلية السائح التونسي بتنظيم حجوزاته في العطلات بحسب تواريخ محددة وبصفة مسبقة للتماشي مع قانون السوق، كما يترتب على وكالات الأسفار المحلية التعاقد مع الفنادق بحجز غرف بأعداد أكبر لموسم الصيف حتى تكون الأسعار تفاضلية، ويجب أن تتوافر للمواطن التونسي إمكانية الشراء بالتقسيط من طريق قروض بنكية”.
مشيراً إلى أن الفنادق أو وكالات الأسفار لن تتمكن من تحقيق ذلك من دون مساهمة الدولة في هذا المجهود، وذلك بإعفاء السائح التونسي من دفع الأداء على القيمة المضافة سبعة في المئة وإعفاء الفنادق ووكالات الأسفار من دفع المعاليم الجبائية (الرسوم الضريبية)، حتى يتمكن المواطن من الحجز بأسعار تفاضلية، وهو التعاون المطلوب من جميع الأطراف حتى يتمكن المواطن التونسي من الحجز بالفنادق خلال مواسم الذروة بأسعار في المتناول.
بدوره، أشار بالطيب إلى الأزمة الجديدة المتعلقة بأساليب الدفع لدى التونسيين بعد تدني التعامل بواسطة الصكوك، متمنياً إيجاد حلول في القريب العاجل.
مخاوف من الحرب
وعن تطور الحجوزات للموسم الحالي كشف بالطيب في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أنها سارت بنسق جيد للغاية قبل يونيو (حزيران) الجاري، ثم تراجعت خلال الأسبوعين الماضيين، معبراً عن تمنياته بألا تشهد الوجهة التونسية انعكاسات مباشرة للحرب الدائرة داخل الشرق الأوسط.
يشار إلى أن الديوان التونسي للسياحة (حكومي) كشف عن تطور في الأسواق الكلاسيكية الأوروبية بنسبة 20 في المئة خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الحالي، وهي السوق الفرنسية بنسبة 12 في المئة والسوق البريطانية 60 في المئة إلى جانب مؤشرات مشجعة من السوقين الهولندية والإيطالية، مع ارتفاع الحجوزات بصورة إجمالية بنسبة تراوح ما بين 10 و20 في المئة، فضلاً عن بروز أسواق جديدة مثل السوقين الصينية والبرازيلية، إذ استقبلت تونس نحو 2.3 مليون سائح حتى الـ20 من أبريل (نيسان) 2025.
وكانت تونس سجلت رقماً قياسياً في عدد السياح خلال عام 2024 بلغ 10 ملايين و260 ألف سائح بإيرادات بلغت 7.5 مليار دينار (2.58 مليار دولار)، وارتفعت العائدات السياحية، لتصل إلى 2.7 مليار دينار (931 مليون دولار) حتى الـ10 من يونيو الجاري، مقارنة بـ2.5 مليار دينار (862 مليون دولار) خلال الفترة نفسها من العام السابق، وتأمل تونس تحقيق عام استثنائي بتسجيل ما يقارب 11 مليون وافد خلال العام الحالي.