آلاف المطاعم والمقاصف تغلق أبوابها في بريطانيا بسبب ارتفاع الفواتير

تقفل آلاف الحانات والمطاعم والمقاصف في أنحاء المملكة المتحدة كلها أبوابها للمرة الأخيرة، إذ تقض مضجع القطاع في شكل متواصل مستويات خارجة عن السيطرة على صعيد الإيجارات الصافية وكلف الإنتاج والحجوزات الملغاة.
وسجل أكثر من 10 إغلاقات يومياً، وفق بيانات قطاعية كشفت عن أن عدد المواقع المرخصة لأغراض الضيافة في بريطانيا انخفض بنسبة 3.6 في المئة من 103 آلاف و682 موقعاً إلى 99 ألفاً و916 موقعاً خلال السنة المنتهية في سبتمبر (أيلول).
وهذه المرة هي الأولى التي ينخفض فيها العدد الإجمالي للمواقع المرخصة إلى أقل من 100 ألف في تاريخ البحوث المعنية، وفق أحدث الأرقام الصادرة عن مجموعة “سي جي أي” الاستشارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويفيد قطاع الضيافة بأنه يرزح تحت وطأة ضغوط ارتفاع حاد تشهده فواتير الطاقة، والإيجارات، والمواد الغذائية، والنقص في الموظفين، والحجوزات الملغاة، وسط أزمة كلف المعيشة المستمرة والآثار اللاحقة لـ”كوفيد” و”بريكست”.
وقال توم كيريدج، الشيف الشهير وصاحب مطعم، لصحيفة “اندبندنت” إن قطاع الضيافة يواجه “عدداً من المشكلات الجدية”، لافتاً إلى أن أعماله سجلت خسائر تفوق المليون جنيه استرليني (1.27 مليون دولار) منذ حلول “كوفيد”.
ومنذ تطبيق “بريكست”، قال كيريدج الذي يعد برنامج طهو على شاشة التلفزيون، إن تضخم أسعار المواد الغذائية وصعوبة العثور على موظفين هما مشكلتين كبيرتين، إذ يرفع النقص في الموظفين كلف التوظيف إلى معدلات لا يمكن تحملها. ومع ذلك، قال، “يتلخص الضغط الأكبر، الذي يدفع الناس إلى حافة الهاوية، في كلفة الطاقة”. وأشار إلى أن مطعمه الرئيس “ذا هاند أند فلاورز”، الواقع في مارلو، وهو المقصف الوحيد في المملكة المتحدة الحائز على نجمتين “ميشلان” [لتصنيف مؤسسات الضيافة]، تكبد زيادة بنسبة 700 في المئة في فواتير المرافق العامة العام الماضي.
وكانت لهذه الضغوط “تداعيات وخيمة” على أعماله، التي تضم سبعة مطاعم ومقاصف. ولفت إلى أن الأعمال خسرت أكثر بكثير من مليون جنيه منذ بداية الجائحة، إضافة إلى ضعف ذلك في خسائر محاسبية تحاول حالياً استرجاعها.
وقال مارتن ماكتاغ، الرئيس الوطني لاتحاد الشركات الصغيرة: “تضر بقطاع الضيافة الزيادة في الإيجارات وكلف المدخلات، إلى جانب التضخم وارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض الطلب الاستهلاكي، إلى درجة أن أكثر من نصف الشركات الصغيرة في القطاع تعاني خفض الإيرادات، فضلاً عن مستويات الثقة المنخفضة للغاية. وتضيف كلف التوظيف المتصاعدة بسبب نقص العمالة، والارتفاع في الأجر المعيشي الوطني، والتغييرات المقبلة في قوانين المعاشات التقاعدية كلها إلى العبء”.
ومن بين القطاعات الرئيسة، حظيت شركات الضيافة بأدنى مستوى من الثقة، عند -31.1 نقطة لأنشطة الإقامة والخدمات الغذائية، وفق مؤشر الشركات الصغيرة الذي يحتسبه الاتحاد والمتعلق بالفصل الثالث من عام 2023.
وتظهر بحوث المنظمة أيضاً أن أكثر من نصف شركات الضيافة الصغيرة (56 في المئة) تواجه زيادة كبيرة في كلف التشغيل – فاقت 10 في المئة – العام الماضي.
ويعتقد كيريدج أن معظم المطاعم والحانات والمقاصف لا تأمل في أكثر من تحقيق التعادل نهاية العام، محذراً من أن عديداً من الأماكن المستقلة ستضطر قريباً إلى الإغلاق. وقال “تخنقنا الأوضاع تماماً. يحتاج القطاع إلى مساعدة وبسرعة”.
وفي اليوم نفسه قبل أسبوعين، أعلن مطعمان بارزان أنهما سيغلقان أبوابهما بسبب الكلف الباهظة.
ووصف سيمون ريمر، 60 سنة، وهو مقدم مشارك لبرنامج “صنداي برانش” على “القناة الرابعة”، الثلاثاء الماضي بأنه “يوم مفجع” إذ أكد إغلاق مطعمه النباتي “غرينز” في وست ديدسبوري بمانشستر، بعد 33 سنة من افتتاحه مع صديقه سيمون كونولي.
ونشر مقطع فيديو على “تويتر”https://www.independentarabia.com/”إكس”، موضحاً أن الزيادة في الإيجار بنحو 35 في المئة، إضافة إلى الزيادة الحادة في كلف المواد الخام والتدفئة والإضاءة والطاقة والتوظيف والمواد الأولية الغذائية جعلت الأعمال غير قابلة للاستمرار.
ووصف توني رود، الذي وصل إلى نهائيات برنامج “ماستر شيف” للمسابقات بين الطهاة عام 2015، مدى “الانهيار” و”الحزن” اللذين انتاباه هو وفريقه عندما أعلن بالمثل إغلاق مطعمه “كوبر أند إنك” في بلاكهيث بلندن في الثاني من يناير (كانون الثاني).
وفي مقطع فيديو نشر على “تويتر”https://www.independentarabia.com/”إكس”، توقع رود أيضاً إغلاق عديد من المطاعم المستقلة في المستقبل القريب، إذ يترنح قطاع الضيافة تحت الضغوط المشتركة المتأتية عن “كوفيد” و”بريكست” وأزمة كلف المعيشة وارتفاع فواتير الطاقة.
ووصفت جين بندلبري، الرئيسة التنفيذية لجمعية محترفي الضيافة، إغلاق عديد من شركات الضيافة في أنحاء المملكة المتحدة كلها بأنه “محبط حقاً”، وأنحت باللائمة على الضغط المالي المستمر الذي يجد القطاع نفسه يرزح تحته.
وقالت: “إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع كلف الطاقة وعدم القدرة على توظيف عدد كاف من الموظفين كلها سمات مشتركة في مشهد الضيافة الحالي، وهي، للأسف، تجبر أصحاب الأعمال على إغلاق أبوابهم إلى الأبد. لا تؤدي أزمة كلف المعيشة المستمرة في المملكة المتحدة إلا إلى تضخيم هذه المسائل، مما يجعل من الصعب في شكل متزايد على الشركات الحفاظ على استمراريتها – مع تأثر عادات الإنفاق الاستهلاكي في شكل كبير. ومما يزيد الأمور تعقيداً الآثار الكبيرة لعدم تنفيذ الحجوزات، ما يمثل تحدياً كبيراً لشركات الضيافة”.
وكشفت مكتبة مجلس العموم بتكليف من حزب الديمقراطيين الليبراليين في ديسمبر (كانون الأول) أن عدد شركات الضيافة والتجزئة التي أغلقت أبوابها يفوق بخمسة آلاف عدد تلك التي افتتحت خلال الأشهر التسعة الأولى من العام.
وحذرت سارة أولني، الناطقة باسم قطاع الأعمال وشؤون وزارة المالية في الحزب، من أن المناطق الصاخبة حيث تكثر شركات البيع بالتجزئة في المملكة المتحدة تحول إلى “مدن أشباح”.
وقالت لصحيفة “اندبندنت”: “يغلق كثير من المقاصف والمطاعم والمقاهي أبوابها للمرة الأخيرة بسبب فواتير الطاقة المرتفعة وكلف الاقتراض ونقص الموظفين. وتحول مناطقنا المخصصة لمؤسسات البيع بالتجزئة إلى مدن أشباح لأن حكومة المحافظين لا تستمع إلى مخاوف القطاع.
“بدلاً من المخاطرة بإغلاق مزيد من مؤسسات الضيافة أبوابها، يجب على الحكومة إعطاء الشركات الصغيرة الدفعة التي تحتاج إليها من خلال إصلاح ضريبة الشركات، ومعالجة النقص في المهارات، ومساعدة الشركات على خوض التجارة الدولية من خلال الحد من الروتين الإداري والمعاملات”.
وانتقد كيريدج الحكومة لإعطائها الأولوية إلى المجالات الخطأ وتوجيه الأموال المهدرة إلى مشاريع “سخيفة”، وفي الوقت نفسه في حين “تستنزف” قطاعات مثل الضيافة و”تهمل”. ودعا الحكومة إلى خفض معدلات ضريبة القيمة المضافة إلى النصف من 20 في المئة الحالية، وقال “هذا [الإلغاء] لنسبة 10 في المئة سيشكل فارقاً كبيراً للشركات – هذا هو الفارق بين الاستمرار وإبقاء الأبواب مفتوحة وبين إغلاق الأبواب. إنه تخفيف للضغط”.
وقالت بندلبري إن جمعية محترفي الضيافة تدعم دعوة هيئة الضيافة البريطانية إلى خفض ضريبة القيمة المضافة لمساعدة القطاع على إبقاء الأسعار منخفضة والانتعاش. وحضت على تمديد العمل بالإعفاء من ضريبة الشركات الذي تطبقه الحكومة، والذي قالت إنه قد يساعد في منع زيادة بنسبة سبعة في المئة في فواتير المؤسسات في مارس (آذار). كذلك نصحت أصحاب الأعمال بتعزيز استخدامهم للتكنولوجيا بغرض زيادة الأتمتة.
ويدعو ماكتاغ الحكومة إلى النظر في كلف التوظيف الكاملة ومساعدة أصحاب العمل الصغار من خلال سياسات مثل رفع بدل التوظيف، فضلاً عن رفع العتبة التي تستحق عندها ضريبة القيمة المضافة إلى 100 ألف جنيه.
وقال ناطق باسم الحكومة: “في بيان الخريف، أعلن وزير المالية عن أكثر من أربعة مليارات جنيه من الدعم للشركات الصغيرة وقطاع الضيافة، بما في ذلك تخفيف ضريبة الشركات بنسبة 75 في المئة وتجميد العمل بمعدلات الرسوم المفروضة على الكحول.
“عام 2021، نشرنا أول استراتيجية ضيافة في المملكة المتحدة لتحسين مرونة القطاع، وأنشأنا مجلساً لقطاع الضيافة للإشراف على تطبيق الاستراتيجية. ونعمل من كثب مع القطاع لمواجهة التحديات التي يمر بها، وسنواصل مساعدته على النمو والازدهار في مجتمعاته المحلية”. وأضاف أن مضاعف الأعمال الصغيرة المستخدم لاحتساب ضرائبها سيجمد عند 49.9 بنس لكل جنيه للعام الرابع على التوالي.