عالمي

هل نفرت السلطات التونسية مغتربيها بإقرار ضرائب جديدة عليهم؟

أصيب المغتربون التونسيون وعددهم يناهز المليونين موجودون جلهم في دول الاتحاد الأوروبي بحال من الذهول والاستغراب من قرار وزارة المالية التونسية بدفع ضرائب عن مداخيلهم المحققة في بلدان الإقامة وليس في وطنهم الأم.

مسألة لم يستسغها المغتربون التونسيون معبرين عن دهشتهم من تعامل سلطات بلادهم بإقرار ضرائب جديدة، وهم الذين يسهمون بصورة إيجابية وأكثر من عقد في تحويلات مالية فاقت قيمتها عائدات القطاع السياحي.

ويتعلق القرار الجديد “بمطالبة مصالح وزارة المالية بعض التونسيين المقيمين بالخارج بدفع ضرائب عن مداخيلهم”، معللة ذلك بعدم وجود اتفاقات تجنب الازدواج الضريبي مع بعض تلك الدول، إضافة إلى مطالبة المهاجرين المقيمين في تونس باتفاق عدم ازدواج ضريبي على أن يدلوا بما يثبت دفعهم ضرائبهم في تلك الدول.

وتسبب القرار الذي لم تتفاعل معه وزارة المالية بالتوضيح في إثارة رفض واسع في صفوف المغتربين التونسيين الذين عدوه “طعنة في ظهورهم”، و”طريقة ملتوية” من وزارة المالية التونسية في تعبئة عائدات مالية لخزانة الدولة، بإقرار ما وصفوه “حلولاً ترقيعية وقرارات صغيرة”.

ظلم ضريبي

زهير طابة التونسي المقيم بكندا أكثر من 10 أعوام وصف قرار وزارة المالية بأنه صورة من صور السطو على أموال المغتربين، وأن الوزارة بإجراء كهذا تنكل بهم، وتكرس الظلم الضريبي على المغتربين التونسيين، وفق تعبيره.

ودون على صفحته بموقع “فيسبوك” أن تحويلات التونسيين بالخارج تبلغ 3 مليارات دولار في العام الماضي، معتبراً أنها نسبة قابلة للترفيع فيها عبر إقرار حوافز وتشجيعات للمغتربين تقلل من عمليات الصرف الموازية بين المغتربين وأسرهم، بمعنى أن المغتربين يدفعون في دول الإقامة مبالغ معينة لأشخاص يتولون بدورهم عبر وسائطهم في تونس تقديم مبالغ مالية بالعملة التونسية.

وبرر زهير طابة تنامي التحويلات الموازية بارتفاع الكلفة المالية التي تفرضها المصارف التونسية على تحويلات المغتربين إلى أسرهم، مشدداً على أن وزارة المالية يمكن أن تجد طرقاً وحلولاً عملية من شأنها أن ترفع في قيمة التحويلات المالية للمغتربين التونسيين من دون فرض إتاوات وضرائب جديدة تنفرهم، وفق رأيه.

وعبر عن غضبه الشديد من أن وزارة المالية ستفرض ضرائب أو إتاوات على أموال المغتربين التونسيين جنوها طوال أعوام خلت وإثبات مصدر تلك الأموال المكتسبة تحت غطاء “من أين لك هذا؟”.

في الأثناء تساءل المقيم بكندا، الذي كان يعمل صحافياً في تونس، عما إذا كانت السلطات التونسية ترغب بالإجراء الجديد في حفز المغتربين التونسيين على الاستثمار في وطنهم الأم، واقتناء مساكن جديدة وبخاصة الإقدام على إرسال التحويلات المالية التي أسهمت في جانب منها في تعبئة رصيد البلاد من العملة الأجنبية.

مكانة محورية

وكشف محافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري، أن المغتربين التونسيين يسهمون بمتوسط تحويلات يناهز 120 دولاراً شهرياً للفرد الواحد، في حين يصل المستوى العالمي إلى 200 دولار، وذلك خلال ورشة دولية حول “مساهمة الجاليات في دفع الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة”، نظمتها الأسبوع الماضي وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة.

وأفاد محافظ البنك المركزي أن تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج أسهمت في سداد نسبة تراوحت ما بين 1.3 و1.4 في المئة من الديون بالعملة الصعبة، مضيفاً أن تحويلاتهم مثلت في نهاية 2024 نحو 30 في المئة من مخزون العملة الصعبة.

وأوضح أن هذه التحويلات ناهزت 5.6 في المئة من الناتج الداخلي الخام، مضيفاً أن التقديرات تفيد بأن المغتربين التونسيين يسهمون بنسبة اثنين في المئة في النسيج الاقتصادي فيما يمتلك 50 في المئة منهم استثمارات عقارية في تونس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسجلت تونس نمواً مطرداً في حجم تحويلات المغتربين التونسيين تخطى 2.4 مليار دولار، وفق ما صرح به المحافظ، مشيراً إلى أن نسبة مهمة من هذه الأموال تذهب إلى الاستهلاك، في حين تقتضي الحاجة إدماجها بفاعلية في الاقتصاد الوطني في شكل مشاريع استثمارية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

واستعرض فتحي النوري جملة من الشروط لدعم إسهام المهاجرين التونسيين بالخارج في التنمية، من بينها وضع سياسات لتعزيز دور الجالية في المنظمات المهنية والتفكير في اعتماد خطة اتصالية لإبلاغ المهاجرين بتحفيزات الاستثمار، وإمكان الشراكة لهم في المؤسسات الكبرى ومشاريع البنية التحتية، مقترحاً فتح حسابات للادخار بالعملة الصعبة لفائدتهم بتونس.

لا يمكن مطالبة المغتربين بدفع الضرائب

ومنذ الأسبوع الماضي تناقلت وسائل إعلام تونسية محلية ونشطاء على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي نبأ فرض ضرائب جديدة على المغتربين التونسيين، وحصول إرباك في الغرض مما دفع النائب بالبرلمان التونسي الطاهر بن منصور، إلى توجيه سؤال كتابي إلى وزيرة المالية للاستفسار حول مطالبة مصالح بوزارة المالية التونسيين بالخارج بدفع ضرائب عن مداخيلهم.

ووفق رسالة النائب بن منصور فإن مصالح وزارة المالية تعللت بعدم وجود اتفاقات تجنب الازدواج الضريبي مع بعض تلك الدول، إضافة إلى مطالبة المهاجرين المقيمين في تونس باتفاق عدم ازدواج ضريبي معها على أن يدلوا بما يثبت دفعهم ضرائبهم في تلك الدول.

وأكد المستشار الجبائي محمد صالح العياري أن الفصل 36 من مجلة الضريبة على الدخل وعلى الشركات ينص على أن الأشخاص المقيمين خارج الحدود التونسية، الذين أودعوا تصاريح المداخيل المحققة أو الأرباح في أحد البلدان الأجنبية، ولديهم وثيقة تثبت ذلك، لا يمكن مطالبتهم بدفع الضرائب في تونس، مضيفاً أن تونس وقعت على 58 اتفاقاً لعدم الازدواج الضريبي. وتابع “مغترب تونسي مقيم بفرنسا سيخضع للضريبة بهذا البلد، لكن إذا كان هذا المغترب غير مقيم ويحقق أرباحاً ومداخيل من إحدى الشركات الفرنسية أو لديه حساب يوفر له مداخيل رؤوس أموال منقولة، أو ما يسمى الإتاوة، فإنه يمكن للشركة أن تأخذ خصماً من المورد، بحسب اتفاق عدم الازدواج الضريبي، لكنه يبقى خاضعاً للضريبة على المبالغ المتبقية”. وأوضح أنه في حال عدم وجود اتفاق يجنب الازدواج الضريبي، على غرار اليابان، فإن في هذه الحال يستوجب على التونسي المقيم، خلاص الضريبة بحسب التشريع الجبائي الياباني وأيضاً بحسب التشريع الجبائي التونسي.  وأضاف العياري أن العقارات غير معنية باتفاقات عدم ازدواج الضريبي وأن المواطن التونسي المقيم بالخارج، ويمتلك عقاراً في تونس مطالب بخلاص معاليم التسجيل في حال بيع العقار، وفي حال التفويت فيه لتحقيق قيمة زائدة عقارية، ومطالب أيضاً بخلاص تلك القيمة باعتبار أن العقار موجود على الأراضي التونسية.

خارج مجال تطبيق الضريبة بتونس

وصرح القاضي الإداري المتقاعد محمد العيادي أن الإقامة بالخارج بصفة قانونية تجعل المواطن التونسي العامل بالخارج، خارج مجال تطبيق الضريبة بتونس، وتابع بالقول “وعليه فهو يدفع الضريبة عن دخله بمكان الإقامة ولا يمكن بأي صورة مطالبته بدفع أي أداء في تونس إلا إذا أثبتت إدارة الضرائب التونسية أن له مداخيل ذات منشأ تونسي”، ويضيف “عبء إثبات المعطى الأخير محمول على عاتق إدارة الجباية لا العكس، ويكفي المواطن تقديم ما يفيد إقامته القانونية بالخارج ليكون حلاً من كل مطالبة بالضرائب بتونس، كذلك فإن مطالبة إدارة الجباية مواطناً تونسياً مقيماً بالخارج بإثبات مصادر نمو ثروته وتحويلاته المالية إليها تصبح في غير طريقها وقلباً غير مبرر لقواعد الإثبات”.

تسهيلات جديدة

وفي تعارض مع قرار وزارة المالية، أشرفت رئيسة الحكومة التونسية سارة الزعفراني الزنزري في السادس من مايو (أيار) الجاري على جلسة عمل حكومية أقرت إجراءات لفائدة المغتربين التونسيين استعداداً للموسم السياحي وعودتهم إلى البلاد منها إمكان فتح حسابات أجنبية بالدينار القابل للتحويل، وفتح حسابات أجنبية بالعملة الأجنبية أو بالدينار القابل للتحويل.

وأكد المجلس الوزاري قرار إعفاء التونسيين الذين يحولون مقر إقامتهم الأصلي من الخارج إلى البلاد التونسية من واجب التصريح وإعادة المداخيل والمكاسب، وفتح التونسيين الذين يحولون مقر إقامتهم الأصلي من الخارج إلى البلاد التونسية لحساب الأشخاص الطبيعيين المقيمين بالعملات القابلة للتحويل أو بالدينار القابل للتحويل. وأشار القرار إلى حرية الاستثمار والانتفاع بضمان تحويل المداخيل ومحصول بيع أو تصفية الاستثمارات المنجزة بتونس والتصرف بحرية في مكاسبهم وأملاكهم والقيام بجميع العمليات المتعلقة بها (إبرام عقود وإسناد رهون…).

وذكرت جلسة العمل الحكومية بتشجيع التونسيين المقيمين بالخارج بالامتيازات نفسها الممنوحة للمقيمين من الناحية الصرفية، مما يمكنهم من شراء وبيع العقارات والحقوق العينية والأصول التجارية الموجود بالبلاد التونسية، وشراء وبيع الأوراق المالية والحصص الاجتماعية للشركات المقيمة بالبلاد التونسية وإبرام عقود قرض بالدينار التونسي، وفتح حسابات داخلية بالدينار التونسي.




Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى