عالمي

تحليل: العالم لن يواجه أزمة طاقة في الشتاء المقبل رغم مخاوف الإمدادات

نجحت دول الاتحاد الأوروبي في ملء مستودعات تخزين الغاز الطبيعي لديها بنسبة 90 في المائة من الطاقة الاستيعابية بحلول 16 أغسطس الماضي، وهو أحد المستهدفات الرئيسة لتأمين إمدادات الطاقة في الشتاء التي تمكن من الإفلات من أزمة طاقة عالمية.
ورحبت المفوضية الأوروبية بهذا التطور بوصفه مؤشرا مهما على التقدم في ملف تأمين إمدادات الطاقة، مشيدة بالقواعد التي وضعتها في العام الماضي لخفض استهلاك الغاز، وفقا لـ”الألمانية”.
وفي الوقت نفسه يعني وصول معدلات التخزين في الاتحاد الأوروبي إلى هذا المستوى، تراجع مشتريات أوروبا من الغاز خلال الشهور المقبلة، وبالتالي تراجع الأسعار للمشترين الآسيويين الذين يحاولون تكوين مخزوناتهم.
لكن حتى مستودعات التخزين في أوروبا المملوءة بالكامل ستكفي لتلبية الطلب عدة أشهر فقط، وقد تشهد السوق نقصا في الإمدادات إذا جاء الطقس في الشتاء المقبل أسوأ من الشتاء الماضي، أو إذا أدى انخفاض أسعار الغاز إلى زيادة الاستهلاك.
ويقول بن كاهيل الباحث في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، وكونرو إيري الباحث الزائر في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ في تحليل نشره المركز، إن هناك عدة عوامل مكنت أوروبا من ملء مستودعاتها قبل الموعد المقرر، أولها الطقس المعتدل في الشتاء الماضي والزيادة الكبيرة في واردات الغاز الطبيعي المسال.
وبحلول أول أبريل الماضي وصلت نسبة ملء المستودعات الأوروبية إلى 56 في المائة وهي أكبر من متوسط نسبة الملء في مثل هذا التوقيت خلال الأعوام الخمسة الماضية وكانت 42 في المائة. أما العامل الثاني فهو انخفاض أسعار الغاز نسبيا، حيث ظل مؤشر تي.ي.إف لأسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، أقل من 50 يورو (54.55 دولار) لكل ميجاواط/ ساعة منذ أوائل أبريل الماضي.
والعامل الثالث يتمثل في استمرار تراجع الطلب الصناعي على الغاز الطبيعي في أوروبا رغم انخفاض الأسعار، ما وفر كميات كبيرة من الإمدادات للتخزين. وشهد العام الماضي انخفاض الاستهلاك الصناعي للغاز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 25 في المائة، في حين استقر الطلب في ألمانيا خلال العام الحالي دون تغيير.
ومع استمرار التخزين طوال الصيف، لم تعد هناك مساحة لاستيعاب كميات إضافية. وتراجعت واردات الغاز المسال إلى أوروبا 7 في المائة خلال يوليو الماضي إلى أقل مستوياتها منذ أواخر 2021.
وفي الوقت نفسه تراجعت واردات آسيا من الغاز المسال خلال الشهور الأخيرة رغم انخفاض الأسعار. ومنذ مايو الماضي ظل مؤشر “جيه.كيه.إم” لأسعار العقود الفورية للغاز في شمال شرق آسيا، عند أقل من 12 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بما يعادل 41 دولارا لكل ميجاواط/ ساعة.
لكن في هذا الوقت أظهرت بيانات مؤسسة كبلر للبيانات الاقتصادية أن واردات الغاز الطبيعي المسال في اليابان والصين وكوريا الجنوبية زادت بنسبة طفيفة. في حين ارتفع الطلب الآسيوي بشكل عام على الغاز المسال خلال يوليو الماضي بنسبة طفيفة، لكن هناك دليلا بسيطا على أن المشترين الصينيين ينتهزون فرصة انخفاض الأسعار لشراء كميات إضافية.
في الوقت نفسه أطلق مشترون من دول مثل باكستان وبنجلادش وتايلاند والذين لم يتمكنوا من مواجهة الأسعار المرتفعة للغاز الطبيعي في العام الماضي، مناقصات لشراء شحنات من الغاز المسال خلال الشهور الأخيرة. كما يواصل هؤلاء التجار توقيع عقود مع قطر وغيرها من الدول المصدرة الأخرى.
والآن يصبح السؤال المطروح، هل ستشهد السوق معروضا من الغاز يفوق الطلب؟ يقول المحللان كاهيل وإيري في تحليلهما إنه بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في أواخر فبراير من العام الماضي زاد الطلب الأوروبي بشدة على الغاز الطبيعي وبدا خطر ارتفاع الأسعار محتوما.
كما أن الازدهار الذي طال انتظاره لاقتصاد الصين هدد بزيادة الطلب الآسيوي على الغاز ما يعني انخفاض العرض عن الطلب، على الأقل حتى تدخل سلسلة مشاريع إنتاج الغاز المسال الجديدة في الولايات المتحدة وقطر وغيرهما الخدمة في 2026 و2027.
لكن بعد مرور 18 شهرا على بداية الحرب لم يتحقق السيناريو الأسوأ، بل تراجعت الأسعار بشدة مقارنة بمستويات العام الماضي، فكيف تغيرت سوق الغاز العالمية؟ على جانب العرض أو الإمدادات، أظهر العام الماضي قدرة موردي الغاز الطبيعي المسال على تحويل الإمدادات من آسيا أوروبا لتلبية الطلب خلال فصل الشتاء، بسبب توافر الكميات المطلوبة في السوق وقدرة المشترين الأوروبيين على دفع ثمن أعلى مما يدفع الآسيويون.
وعلى الصعيد العالمي أدت المخاوف بشأن تأمين إمدادات الطاقة إلى زيادة كبيرة في مشاريع بناء محطات إسالة الغاز. وفي ظل قوة دفع العام الماضي، تم الاتفاق النهائي على إقامة ثلاثة مشاريع ضخمة لإنتاج وتصدير الغاز المسال في الولايات المتحدة بقدرة 38 مليون طن سنويا، مع وجود مزيد من المشاريع المماثلة في الطريق.
كما أن قطر قلصت مهمتها الكبيرة لتسويق كميات الغاز المسال التي ستنتجها توسعات مصنع راس لفان والتي تقدر بنحو 49 مليون طن سنويا، إضافة إلى الكميات التي تتضمنها العقود المنتهية آجالها.
ووقع بعض المشترين الأوروبيين عقودا طويلة الأجل لشراء الغاز المسال، في حين وقع المشترون الآسيويون والتجار عقودا جديدة طويلة المدى.
لكن هل يجب أن يشعر مشترو الغاز الطبيعي بالقلق من ظهور فائض ضخم في السوق حتى قبل دخول موجة مشاريع إنتاج الغاز الجديدة مرحلة الإنتاج في 2026؟ تشير المخزونات الوفيرة، والطلب الضعيف إلى حدوث فائض كبير في المعروض على المدى القصير.
ورغم ذلك هناك توازن دقيق. الطلب على الغاز المسال ينمو سنويا ومن المتوقع استمرار نموه على مدى 20 عاما إلى جانب النمو السريع للطاقة المتجددة. وإذا استخدم المشترون مخزوناتهم من الغاز خلال الشتاء المقبل، فربما نرى في العام المقبل زيادة في الطلب عليه في كل مناطق العالم.
كما أن هناك احتمال تأخر دخول المشاريع الجديدة مرحلة الإنتاج، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نقص شديد في السوق خلال الأعوام المقبلة. وحتى الآن لا يبدو أنه يحدث السيناريو الأسوأ بالنسبة إلى السوق الذي يتمثل في ازدهار قوي للطلب في آسيا مع نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار.
لكن أسعار الغاز الطبيعي عرضة للتقلبات بطبيعتها. ومقارنة بأنواع الوقود الأخرى، فإن الطاقة الاستيعابية لمستودعات الغاز منخفضة نسبيا، مع محدودية مصادر الإمدادات، واحتمالات اضطرابها دائما. وأخيرا يمكن القول إن صورة أمن إمدادات الطاقة في الشتاء تبدو أفضل من التوقعات، لكن ما زال من السابق لآوانه الشعور بالرضا.


Source link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى